مواجهة حزب العدالة والتنمية انتخابيا بالسياسة والفكر حق مشروع، بل هو واجب كل متنور وديموقراطي وتقدمي، طبعا بوسائل قانونية وحضارية وسلمية؛ لكن التفكير في إضعافه تنظيميا وبالأحرى المشاركة في استئصاله ليس من الاختصاص القيمي والهدف النبيل لليسار، فهو إطار تقوى ووفر لنفسه عبر التعبيرات المجتمعية مقومات البقاء، ولا يعقل أن نتجاهل امتداداته المفترضة داخل المؤسسات العمومية ودواليب الإدارة، بغض النظر عن العلاقات المؤسسة ثنائيا وكذا التعاقدات المبرمة في ضوئها.
إن اليسار يعاني من حرب أهلية يؤطرها نوع من الإستبلاد اللفظي وتنازع وهمي حول الشرعية والهوية، والحال أن للانتخابات منطقها الخاص، قد يستدعي التنسيق التكتيكي دون حاجة إلى المس بالمبدأ على مستوى تدبير التحالفات السياسية والإستراتيجية، لأن الهندسة الدستورية، على الحال، لا توفر كثيرا من هامش المرونة والحصانة والعذرية المطلقة، فمجرد القبول بالمشاركة في اللعبة يقتضي الإنضباط لقواعدها إذعانا.
لذا وجب إعادة النظر في قواعد اللعبة، في ظل تصاعد المد المحافظ واتساع دائرة التشظي والإنهاك داخل صفوف مكونات اليسار، فبمراجعة تاريخ المحطات الإنتخابية يتضح بأنها كانت فرصة ذهبية بالنسبة للعقل الأمني لتفريخ مزيد من الكيانات الضعيفة بدل المؤسسات الحزبية القوية، ما عدا حزب العدالة والتنمية الذي ولد في رحم الموالاة وترعرع معارضا عنيدا، فقط، لكل اليسار، إلى أن صار النموذج الأمثل لدى حلفاء الدولة في الخارج إثر فشل كافة تجارب الربيع العربي المحافظة، ولهذا يصعب التسليم بأن هناك إمكانية الحديث عن خيار ثالث في ظل تقاطبات متعدية الحدود ومتعددة مقومات الوجود والخلود.