محمد المرابط: أي أفق لحراك الريف، بين مسيرة باريس ومؤتمر ستراسبورغ، والمسار القضائي؟

محمد المرابط: أي أفق لحراك الريف، بين مسيرة باريس ومؤتمر ستراسبورغ، والمسار القضائي؟ محمد المرابط

في يوم 31 مارس 2018، نفسه، تزامنت مسيرة باريس لجمهوريي حراك الريف بأوروبا، مع مؤتمر فيدرالية لجن دعم الحراك بفرنسا، في ستراسبورغ. وبقدر ما ترمز مسيرة باريس بهاجس احتلال "عاصمة" المغرب، إلى انحراف الحراك، بالنظر إلى المفاهيم الانفصالية التي بلورتها، والشعارات المعادية لرمز البلاد التي رفعتها، و"بلطجية" التسيير على منصتها خدمة لحسابات شخصية سواء في القيادة أو في طلب اللجوء السياسي، فإن مؤتمر ستراسبورغ، قد عبر عن عقلانية الديموقراطيين في تنظيم الحراك وهيكلته، من منطلق مرجعية اللقاء الأوروبي في فرانكفورت للوحدة والتضامن، والمؤتمر الأوروبي المزمع تنظيمه بباريس أواخر هذا الشهر مبدئيا، أو بداية الشهر المقبل.

ويظهر أن هذا الفرز سيأخذ مداه؛ حيث ستبقى فرنسا تمثل بؤرة المد الديموقراطي، في حين ستبقى هولاندا تمثل بؤرة المد الجمهوري، علما أن جدلية الصراع بين هؤلاء تعرفها وبتفاوت، كل البلدان الأوروبية الرئيسية.

ولتلمس تضاريس هذا الفرز، نشير إلى أنه في التاريخ المبدئي للمؤتمر الأوروبي بباريس في 28 أبريل 2018، دعا الجمهوريون إلى مسيرة بأوسلو. ولتأكيد دور بؤرة هولاندا، في معادلة الحراك، هناك دعوة لمسيرة عائلات المعتقلين بأوروبا في دينهاخ في 21 أبريل 2018.

وقد دعا الجمهوري يوبا الغديوي -وهو يقيم مسيرة باريس إيجابيا بالرغم من انتقاد بوجيبار وأسويق لجوانبها التنظيمية- إلى مسيرتي أوسلو ودينهاخ. وكان يوبا -بواسطة ما تعتبره قناة ريفيزيون بـ "خطبة الجمعة المسائية الآتية من دوسلدورف"- قد أشار في إطار هذا التقييم الى ما أسماه بـ "الحملة التي شنها ما يسمى بمثقفي الرباط"، على هذه المسيرة. وذكر اسمين في هذه الحملة التي اعتبرها "مسعورة"، وهما: محمد المرابط وخالد البكاري. وقد اعتبر، وهو يشير إلى انتمائهما اليساري، أن "لهم عقدة مع الجمهوريين".

وقال يوبا، في سياق الرد على بوجيبار-الذي وضع في النهاية، ثقته في الأستاذ البوشتاوي لقيادة الحراك في هذه المرحلة- (قال): "واهم من يأتي بقيادة الحراك"، معتبرا أن "القائد هو الريف". كذاك توقع تبرؤ المعتقلين منه من خلال تأثير بعض عائلاتهم، ولذلك -وهو يعتبر أن المعتقلين ليسوا على أتمهم، وفيما يشبه التشكيك في أهليتهم العقلية، بالنظر إلى ظروف الاعتقال- استبق هذا التبرؤ، بأن اعتبر المواقف التي تخرج من السجن يجب ألا تحمل على الجدية.

لكن تنبغي الإشارة في مخاض العلاقات البينية داخل الجمهوريين، وبينهم وبين الديموقراطيين، وتأرجح المعتقلين وعائلاتهم بين ذلك، إلى ما قاله نور الدين، أخ المعتقل محمد النعيمي من كون المعتقلين "يشكرون كل الذين خرجوا في مسيرة باريس". وهذا أمر يحتاج إلى توضيح.

وفي ظل هذا التقاطب دعا الوافي "ريفي دومار"، من بلجيكا إلى وقفة بالحسيمة في 11 أبريل 2018 بالتزامن مع زيارة البرلمانية الأوروبية عن حزب العمل الهولندي للحسيمة. وقد وضع طلبا في شأنها لدى المصالح القنصلية هناك. وهي الوقفة التي تحفظ عليها بوجيبار لأنها ستمنح كاتي بيري صورة إيجابية عن الوضع في الريف. كما سيتم استضافة الزفزافي الأب في استراسبورغ في 18 أبريل 2014، بعدما تعذر عليه الحضور هناك في 14 من الشهر المنصرم، لعدم حصوله على التأشيرة.

لن أخوض في الجوانب المسطرية لوقفة "ريفي دومار"، ولا في مسألة "سيادة" النضال، بمعزل عن الرافعة الأجنبية، ولا حتى في حسابات المزايدات المفترضة فيها مع خصومه الجمهوريين. ولن أخوض في إمكانية حضور الزفزافي من عدمها هناك، تحت ضغط الجمهوريين، وقد خضع من قبل لضغطهم. بل سأختم الحديث عن بعض الالتباسات في التعاطي مع مفاهيم سياسية، تشي في الحالة الريفية بمضمون انفصالي، كمفهوم "الشعب الريفي"، وقع في التباسها من هو محسوب على المكون الديموقراطي في الداخل والخارج، كعبد الوافي أزرقان وعبد الغني اعبابو. كما أن أخ المعتقل النعيمي وبحماسة الشباب، اعتبر أن الأستاذ محمد جلول قد أعطى درسا للقاضي، بحيث لم يمثل جلول، في نظره أمامه، بل الحاصل العكس. وقد كان من بين بيانات الأستاذ جلول، مرافعته حول "الحكم الذاتي"، لما سأله السيد القاضي. وأعتقد أن هذا المفهوم -بالنظر إلى أن الأستاذ جلول وغيره من المعتقلين، من مناضلي منتدى حقوق الإنسان لشمال المغرب- يستدعي الاستماع إلى الدكتور التدموري المنسق العام للمنتدى، لبسط أدبياته بشأن "الأطونوميات الجهوية المتضامنة في إطار السيادة الوطنية"، و"مفهوم الوحدة الوطنية والترابية"، على ضوء التراكم التاريخي للمغرب، ووظيفية الحكامة الترابية في سلم التنمية المندمجة. وأيضا الاستماع للدكتور سعد الدين العثماني، لما "حرض" الريفيين سابقا على طلب "الحكم الذاتي"، للوقوف على طبيعة الحمولة السياسية لهذا "التحريض"، وقد كان له ضحايا.

نخلص من كل ما سبق، إلى أن الإحاطة بطبيعة خريطة الحراك بأوروبا ومواكبتها، هي ضرورية لسلامة الأفق في الداخل والخارج. كما أن توضيح طبيعة المفاهيم المحايثة لهذا الحراك، هي ضرورية أيضا لسلامة حقل التداول بين الفاعلين، وحتى للمسار القضائي نفسه، وقد استهوته "سياسية" ما وراء الأكمة.