عبد المجيد مومر: دولة الجزائر والمحكمة الدولية للإرهاب !

عبد المجيد مومر: دولة الجزائر والمحكمة الدولية للإرهاب ! عبد المجيد مومر الزيراوي

إن عمق الروابط الإنسانية، التاريخية والجغرافية التي تجمع شعوب صحراء شمال أفريقيا مَنْبَعُه وحدة المصير والإرادة المشتركة قصد بلوغ الخلاص الديمقراطي. فلا نجد للحقد والضغينة مجالًا أو منفذًا إلاَّ من خلال هذه الأخطاء الجيو-ستراتيجية المُتراكمة التي ترتكبها المخابرات الجزائرية، والتي تهدد السلم والسلام الدوليين، مثلما تزيد من تهديد الأمن القومي لدول المنطقة، مع  استنزاف الجهود والطاقات في معارك الهدم وليس في استكمال بناء الصرح الافريقي القادر على إحقاق حلم شباب أفريقيا في مجتمع التنوع البشري، مجتمع السلم والسلام والحرية والمساواة والكرامة والعدالة الاجتماعية والمجالية .

هذه شعوب صحراء شمال افريقيا تعيش على ألم متابعة واقع الأخطار الإرهابية المُحدقة بأمنها واستقرارها، دون أن يشفع ذلك في التزام دولة الجزائر بالوفاء لعهودها الدولية والاتفاقيات المتعلقة بقضايا الإرهاب في الساحل الأفريقي .

فَكَثير ممن تابعوا فضيحة ندوة المخابرات الجزائرية لدعم الإرهاب تحت قناع "المقاومة المسلحة"، يؤرقهم هذا الوضع الإقليمي  المشحون بخطاب التصعيد الإرهابي، مثلما يشتركون في إحساس المرارة والحسرة على انزلاق مسار التسوية السلمي للنزاع المفتعل حول بعض الجهات الجنوبية المغربية -المسار الذي ترعاه حصريا هيئة الأمم المتحدة- نحو حالة انسداد الأفق ومواجهة خيار الحرب الذي استكمَل تأصيله النظري بالعنف اللفظي لمداخلات ندوة رعاية الارهاب بالعاصمة الجزائر.

ويمكن التنبيه إلى أن صَبِيب الإرهاب اللفظي الذي صاحب النقاش في أروقة الندوة الداعمة للمليشيات الارهابية المسلحة التي تحتضنها العاصمة الجزائر من أمام حجاب ديبلوماسي للخارجية الجزائرية. هذا التصعيد الإرهابي يؤشر لقدوم مرحلة "خريف المفاوضات"، والذي قد تتساقط معه أوراق أشجار السلم والأخوة وحرمة الجوار، هذا الخريف الحزين بحلول الأمر الواقع الذي لا مفرَّ منها.

وحيث أننا لسنا بمقام تنجيم نوايا مستورة، فلا بد من اعتماد مبدأ النيورياليزم في عملية كشف الأفاق الجيو - السياسية التي تعبث بها مداخلات ندوة دعم الارهاب، لا بد من مساءلة العقل القانوني حتى نستطيع به اجتناب مصيبة الحرب والتشبث بما يمكن الوصول إليه دون مجاراة الاستفزازت الإرهابية الغادرة.

لأن حقيقة الأزمة تكشفها وقائع دعم الإرهاب من طرف دولة الجزائر التي تستمر في رفض التهمة تحت ذريعة الدفاع الكاذب عن "حق الشعوب في المقاومة المسلحة"، رغم أن لا أحد يستطيع نفي مصداقية الوقائع والمعلومات الاستخباراتية الدَّالة على وجود هذه الميليشيات الإرهابية وقياداتها تحت ضيافة مادية ولوجيستيكية جزائرية وضمن حدود خريطة جغرافية تضاريسها جزائرية.

كما أن المعطيات الميدانية الدقيقة تؤكد ارتباط هذه المنظومة الحركية المسلحة بأعمال "شبه عسكرية" في منطقة صحراء شمال افريقيا، غير أن عدم إدراج بعضها ضمن لوائح الأمم المتحدة الخاصة بالجماعات الإرهابية المسلحة، واختباء بعضها الآخر خلف قناع "حق الشعوب في المقاومة المسلحة" أو تحريف مفهوم حق الشعوب في تقرير المصير عن  غاياته الحقيقية. كل ما سبق جرده يجعل النظام الجزائري مستمراً -عن سبق إصرار وترصد- في تحريف مفاهيم الشرعية والمشروعية القانونية وتقديم تلبيسات غير قانونية قصد تبييض وجه الإرهاب.

إن السؤال الحقيقي الذي يحتاج لأجوبة كافية: لماذا دولة الجزائر تأخذها العزة بجريمة دعم واحتضان ميليشيات إرهابية مسلحة؟!

ولعل دالة الأجوبة المشتقة يتجه منحاها القانوني نحو ضرورة إنشاء محكمة دولية خاصة بالإرهاب تعمل تحت حماية الأمم المتحدة، محكمة دولية لها صلاحية محاكمة المشتبه فيهم المُقِيمين على أرض دولة الجزائر.

ويبقى للمحكمة الدولية الخاصة بالإرهاب التي ستضمن لهم شروط المحاكمة العادلة، يبقى لها واسع النظر في تثبيت تهمة الإرهاب عن الميلشيات المسلحة المقيمة بصحراء الجزائر (تندوف على سبيل الذكر لا الحصر)، هذه الميليشيات المسلحة المتورطة في قيامها بأعمال مُصنفة كجرائم ضد الإنسانية.

وانطلاقا من هذا الحل السلمي القانوني سيتم التأسيس لمرحلة مكاشفة حقيقية بناءة، مرحلة الواقعية الجديدة التي ستمكننا من استباق خراب المعارك الحربية الذي يهدد قيم التعايش الثقافي النبيل بمنطقة صحراء شمال أفريقيا، والذي يفضح بوضوح عرقلة المقاربات الانفصالية الإرهابية لمسار إيجاد حل سياسي نهائي عملي فعال للنزاع المفتعل حول بعض الجهات الجنوبية للدولة المغربية المُوَحَّدَة.

لذا يبقى اعتماد مقاربة النيوريالزم الجديدة سبيلاً عادلًا وحكيماً، يجعل من تشكيل المحكمة الدولية الخاصة بالإرهاب عنوان مقاربة سلمية وفعالة نجتنب بها -ومعها- ويْلات الحرب الملعونة التي قد تُدخل شعوب صحراء شمال إفريقيا ومعها شعوب الاتحاد الأوروبي في دوامة إرهاب دموي خارج عن السيطرة الميدانية.

الديمقراطية أولاً وأخيراً

- عبد المجيد مومر الزيراوي، شاعر وكاتب