مصطفى المنوزي: من الحزب السري إلى سرية الدولة

مصطفى المنوزي: من الحزب السري إلى سرية الدولة مصطفى المنوزي

سألت رفيقا لي من قدماء الماركسيين اللينينيين حول ما إذا كان هناك جديد في المشهد السياسي أو الحكومي تخصيصا، فإذا به يضحك ملئ فمه ويتساءل عوض أن يجيب: لست أدري ما الذي تقوم به الدولة في الخفاء، لقد صارت أكثر منا سرية وتكتما، وكانت التنظيمات السرية أكثر عرضة للاختراق والاعتقالات وما ينتج عنهما من تفكيك وشتات؟ أوحى لي هذا التساؤل إلى خط العنوان أعلاه، وفعلا عشنا منذ نهاية السبعينات انتعاش مرادفات ومصطلحات أو مفاهيم تختزل بعض المظاهر السياسية، وكان أبرزها مصطلح التقشف والاجماع الوطني والمسلسل الديمقراطي والمغرب الجديد، لكن المصطلح الأقوى صدى وترهيبا هو مصطلح "الحزب السري"، وهو يلخص المؤسسة الأمنية المختصة في تسطير الخريطة الانتخابية، والتي تعمل في الخفاء، وهو الحزب الذي تطور وتضخم إلى أن تم تتويجه بما يسمى ب "أم الوزارات"، التي كانت لها الصلاحية لكي تتدخل في كل شيء، تحت إشراف الصدر الأعظم المخلوع.

 ورغم أن الدولة تبنت المفهوم الجديد للسلطة من أجل القطع مع الماضي الأليم، فإن الشفافية والانفتاح لم يتم تمثله سلوكيا، لأن المعلومة التي هي أساس الحكامة لا زالت في طي الحظر بعلة أسرار الدولة وأسرار الدفاع الوطني، ليظل الحق في معرفة الحقيقة مجرد شعار للاستهلاك أو التسويق في أحسن الحالات.

 فمتى نؤسس حقيقة لدولة الشفافية والمسؤولية؟ ولعل ما يجري من تكتم حول أحداث الشمال ليفتح باب التأويل والتخوين والتشكيك في مصداقية رجال الدولة "الذي يحموننا" خاصة بعد تسريب معطيات تقول بضلوع الصهاينة في "المؤامرة " التي تحاك بين ظهراني أشقائنا في الريف المكافح. كيف يعقل أن نحاول اصطناع خطاب للطمأنة والحال أن الوسيلة المغرضة قد تحولت لوسيلة لتبخيس نضالات الجماهير السلمية وطموحهم نحو آليات تدبير الصراع والتعبير الديمقراطي الحضاري، وتحولت للترويع بما يشبه إرهابا فكريا في سياق نظرية المؤامرة. وفي آخر التحليل ليس يخيف أن تتحول الدولة كتومة تمارس السرية تجاه مواطنيها ونخبته، التي لا يمكن أن تحلل وتبادر سياسيا وثقافيا دون معطيات، كل هذا لا يرهب، كل ما يثير الرعب والترهيب هو أن تبالغ الاجهزة والمؤسسات الأمنية في التنافس المجاني حول إخفاء معلومات استراتيجية، والتاريخ غني بالوقائع التي فبركت فيها ملفات ومحاضر إدانة مقارنة مع حجم الكلفة التي أداها بعضنا، كضحايا سنوات الرصاص مجانا لمجرد انتقام أو نزوة شخصية .

 لذلك لا يسعى المرء إلا أن يردد عبارة " من يحب وطنه يقول لملكه الحقيقة " ولكن ليس في سياق تكريس أن الأمن مجال محفوظ لغير الأحزاب والمنتخبين، بل في منحى وأفق بناء الثقة المتبادلة .