الملك في خطاب العرش لهذه السنة خصص فقرات كبيرة منه ومهمة للحديث على القضية الوطنية ومستقبل الملف من خلال طبيعة المعركة الدبلوماسية التي سيتم خوضها تحت شعار ”سنة الحزم”. بالتالي أراده مناسبة لأن يكون في شقه المتعلق بالقضية الوطنية والعودة للاتحاد الإفريقي لوضع النقط على الحروف؛ والرد على الحيثيات التي أدت إلى اتخاذ هذا القرار؛ عليه فالخطاب ركز في هذا الباب المتعلق بملف النزاع المفتعل حول القضية الوطنية وتشعبات الصراع الذي فرض على المغرب خوضه على ما يلي:
- الخطاب ركز بداية على الاشارة لكلمته الموجهة للقمة الخليجية؛ هو إذن استمرار لنفس الروح التي وردت في خطاب القمة الخليجية؛
خاصة على مستوى التهديدات المحدقة بالمنطقة المجسدة في مشروع ”الفوضى الخلاقة” التي دمرت بلدان الشرق الأوسط ومشاريع التقسيم التي تهدد أوطاننا؛ لذلك فالملك عندما يتحدث عنه ولو بشكل مقتضب فإنه يؤكد على أن مضامين ذاك الخطاب مازالت مؤطرة للخطوات الاستراتيجية للمغرب داخليا وخارجيا؛ خاصة التهديدات المحدقة بالمنطقة العربية التي دخلت عمليا في مشروع اعادة ترسيم الحدود؛ بالتالي فالخطاب يؤكد على أنه مرجعي في هذا الباب؛ خاصة وأنه جاء سياق الحديث عن القضية الوطنية والسياسة الخارجية لبلدنا.
- لخطاب ذكر بكون الخصوم في العلاقة مع القضية الوطنية اعتبرت هذه السنة سنة ”الحسم”؛ أي أنها وضعت كل إمكانياتها وإمكانيات اللوبي المساند لها لحسم النزاع المفتعل لصالحها؛ دون العودة للخطوات التي تم اتخاذها من طرفهم من أجل التضييق على المغرب والتشويش على الملف أمميا؛ فالملك ومن خلاله المغرب أعتبر سنة 2016 هي سنة الحزم.
سنة الحزم في العلاقة مع الداخل من خلال هدم المهادنة مع من يخدمون أجندة الخارج المنخرطين عمليا في مشروع التقسيم؛ سنة الحزم في العلاقة مع الخصوم؛ من خلال خيار المواجهة الدبلوماسية المباشرة معهم؛ وصولا لطرد المكون المدني للمينورسو من عاصمة الأقاليم الجنوبية؛ والقرار المغربي في العودة الجزئية والتفاوض عليها لعودة هذا المكون؛ وهي أكبر إشارة للعالم أن من يمارس السيادة على هذه الأقاليم هو المغرب، التي تظل أقوى وأسمى من أي تواجد آخر حتى لو كان هذا التواجد يعود للأمم المتحدة؛ وعليه فهي فعلا كانت سنة وستكون فيما تبقى من الأشهر؛ سنة الحزم داخليا وخارجيا؛ من خلال المبادرات المختلفة التي اتخذها المغرب؛ عليه فالأشهر المتبقية في عمر هذه السنة ستكون استمرار لنفس الخط والنهج في تدبير الملف؛ عدم التساهل مع الأصدقاء قبل الخصوم؛ لتكون فعلا سنة 2016 سنة الحزم والحسم.
- الخطاب أعاد التأكيد والتذكير ببعض الإشارات التي قدمها في خطاب القمة الخليجية - المغربية؛ على مستوى اتجاه المغرب نحو تنويع شركائه؛ أصدقائه الدوليين الممتدين من روسيا مرورا بالصين الى أمريكا. دون نسيان الهند؛ فرنسا؛ إسبانيا.. وصولا إلى إفريقيا. ..؛ الخطاب هنا أكد على حرية المبادرة الدبلوماسية المغربية المنطلقة بالأساس من الدفاع عن المغرب وعن مصالحه الاستراتيجية اقتصاديا وبما يخدم دعم ملف القضية الوطنية دوليا خاصة على مستوى الأمم المتحدة؛ وعلى تنويع شركائه الإستراتيجيين؛ هل هذا يعني أن المغرب انقلب على شركائه التقليديين؟؟ الإجابة في الخطاب كانت واضحة؛ لا خيانة للمغرب لأصدقائه وشركائه التقليديين فقد أكيد على استمرار الوفاء بالإلتزامات الدولية مع شركائه التقليديين وهو موقف يشير إلى أن المغرب بلد وفي لأصدقائه ويقدم إشارة إلى أصدقائه الجدد بأنه لا ينقلب على شركائه؛ ووفي لتعهداته...في هذا الباب جاء قرار عودة المغرب للإتحاد الإفريقي.
- الخطاب كان لابد أن يفرد فقرة خاصة لعلاقة المغرب بالإتحاد الافريقي وبإفريقيا؛ هنا أجاب على كل الأصوات التي ذكرت بوجود البوليساريو ليس بصفته التنظيمية بل بصفته ”كجمهورية”؛ الملك أجاب بشكل واضح هنا مذكرا بأن اعتراف الإتحاد الإفريقي بالبوليساريو هو خرق لميثاق الإتحاد نفسه؛ وخروجا عن المبادئ المؤسسة له سواء في نسخته القديمة ”منظمة الوحدة الإفريقية” أو في حلته الحالية؛ هذا يعني أن المغرب تنتظره معركة قانونية ودبلوماسية شرسة في إطار سياسة الحزم التي أكد عليها نفس الخطاب.
الملك أجاب على كل الأصوات التي اعتبرت بأن عودة المغرب للاتحاد الإفريقي في وضعه الحالي خاصة مع المكانة التي يحتلها تنظيم البوليساريو داخله؛ هو اعتراف مغربي بالجمهورية الوهمية؛ الخطاب أكد بشكل حازم على كون العودة لا يمكن لها أن تغير من الواقع في شيء؛ أي أننا أمام جمهورية وهمية مفتقدة لمقومات الدولة حتى يجب الإعتراف بها؛ بل المعركة هي محاصرة اللوبي الداعم له وصولا لتحجيم البوليساريو وتعليق مشاركته بالإتحاد الإفريقي؛ معتمدا على كون عودة المغرب لإفريقيا هي عودة من بوابة التنمية وتقوية الإستثمارات الإفريقية؛ السلم والديموقراطية.. كما جاء في رسالة الملك السابقة؛ وهو ما دفع أغلبية الدول الإفريقية إلى دعم قرار العودة والتفاعل السريع مع طلبه من خلال الملتمس الذي قدموه الذي شكل في مضمونه رغبة هذه الدول في إحداث تغيير داخل قيادة الإتحاد. هذه القيادة الحالية التي بدل أن توجه الإتحاد لخدمة قضايا الشعوب الإفريقية؛ يتم توظيفه ضد رغباته في الوحدة؛ السلم؛ الديموقراطية.
عليه الخطاب هو خطاب وضع المخطط الإستراتيجي المغرب للدفاع عن مصالحه الحيوية التي تظل القضية الوطنية أحد أهمها؛ هو مخطط للتحرك على صعيد الدبلوماسية المغربية غربيا؛ إفريقيا؛ عربيا؛ من خلال تحرير المبادرة الدبلوماسية المغربية وتنويعها؛ عدم خنقها في تحالفات دولية ضيقة؛ بل تنويع وتوسيع دائرة الحلفاء والشركاء لتشمل حلفاء جدد وشركاء اقتصاديين وشركاء دبلوماسيين من الدول الفاعلة في القرار الأممي خاصة الدول الخمس الدائمة العضوية بمجلس الأمن.