تحت شعار "المقاومة ابتكار، المقاومة تغيير" انعقدت الدورة 15 للمنتدى الاجتماعي العالمي بمدينة السالفدور دي باهيا البرازيلية في الفترة الممتدة ما بين 13 و17 مارس 2018، حيث تميزت نسخة هذه السنة –حسب المنظمين- بمشاركة أزيد من 60 ألف مشاركة ومشارك وفدوا من أكثر من 120 دولة من بينهم المغرب. لكنها لم تخل من إكراهات تنظيمية ولوجيستيكة.
افتتح المنتدى أشغاله بمسيرة شارك فيها الآلاف من الفلكلوريين البرازيليين ومن دعاة "العولمة البديلة" منددين بهيمنة النيوليبرالية المتوحشة، داعين الى عالم أفضل تسوده المساواة والعدالة الاجتماعية وإحترام حقوق الانسان.
المنتدى الذي يعتبر فضاء مفتوحا للحوار والتواصل بين مختلف فعاليات المجتمع المدني عبر العالم، شكل مناسبة للوفد المغربي للدفاع عن القضايا الإنسانية عامة والقضية الوطنية الأولى والتصدي للمغالطات التي يروج لها أعداء الوطن حولها.
الوفد المغربي والمشاركة الفاعلة:
رغم ظروف التنظيم المحلي للجنة البرازيلية التي لم ترق الى المستوى المطلوب مقارنة مع المنتديات السابقة في دورات كندا، السنغال وتونس وغيرها، ورغم صعوبة التواصل باعتماد اللغة البرتغالية في جل اللقاءات، استطاع الوفد المغربي أن يثبت وجوده وفاعليته، حيث ساعد على ذلك تركيبة المشاركين المتنوعة التي مثلت مختلف الفئات العمرية والتخصصات وفعاليات هامة من مختلف أقاليمنا المغربية، لاسيما الجنوبية منها، ومنظمات شبابية وحقوقية ونقابات عمالية، وأساتذة باحثين وفعاليات جمعوية من مغاربة العالم وعدد من الصحفيين ووسائل الاعلام. هذه التركيبة مكنت الوفد المغربي من أن تكون له مشاركة وازنة ومتكاملة وحضور قوي في الدرجة الثانية بعد البرازيليين والأولى عالميا.
القضية الوطنية في صلب اهتمامات جميع المشاركين:
شكل المنتدى الاجتماعي العالمي فرصة للفعاليات والجمعيات المشاركة من أقاليمنا الجنوبية ولكل الوفد المغربي مناسبة للدفاع عن القضية الوطنية وتصحيح المغالطات التي يروج لها خصوم الوحدة الترابية وإبراز الجهود التنموية المبذولة في الصحراء المغربية وبالارقام في مختلف المجالات سواء الاقتصادية أو الاجتماعية والثقافية.
وشاركت المنظمات والجمعيات بشكل نشيط وحيوي من خلال تنظيم ندوات ومحاضرات تناولت عدة قضايا ومواضيع راهنة تستأثر اهتمام العالم.
ندوة حول حقوق الأطفال والنساء في مناطق النزاعات المسلحة:
تطرق يوسف كوليبالي، أستاذ القانون الدولي بجامعة باماكو بمالي، إلى وضعية الأطفال والنساء في مناطق النزاعات والحروب، خصوصا في إفريقيا، ومنطقة الساحل والصحراء، مبرزا فداحة الإنتهاكات المرتكبة ضد هذه الفئات.
وتناولت السيدة عائشة الدويهي رئيسة مرصد الصحراء للسلم والديمقراطية وحقوق الإنسان محور حقوق الأطفال بمخيمات تندوف، على ضوء القانون الدولي والانتهاكات التي يتعرضون لها سواء على مستوى عدم التمتع بالحق في التعليم، أو الحق في الصحة، أو حرية المعتقد، وهي الحقوق التي تشهد تجاوزات كبيرة من لدن مجمع الكنائس العالمي عبر برنامجه العالمي "جوشوا"، وأردفت في ذات السياق أن إرسال الأطفال واليافعين في البعثات نحو دولة كوبا كان من بين أسباب نشر خطاب الكراهية والعنف بين اليافعين، وتحريضهم على الأعمال العسكرية وتمجيد الحرب.
وتحدث عبد الوهاب الكاين الكاتب العام لنفس المرصد عن إشكالية حقوق الإنسان بالمخيمات خصوصا ما يتعلق بشق حرية النساء ومصادرة حقوقهن كمنعهن من تنظيم الأسرة، أو اكراههن على البغاء أو احتجازهن منذ إنشاء تلك المخيمات، ثم استمرار الاحتجاز لشابات يحملن الجنسية الإسبانية والإقامة من أصول صحراوية بدعوى فساد أخلاقهن، وتشبعهن بالثقافة الغربية، ومنعهن من حق التنقل، ما أفضى لانتهاكات جسيمة لقواعد القانون الدولي المنظمة لمسألة اللاجئين وأماكن اللجوء.
ندوة "الهجرة حل لبلدان الاستقبال واللجوء حق إنساني":
نظمتها وأطرتها فعاليات جمعوية من مغاربة العالم وهي شبكة الجمعيات المغربية بايطاليا والفيدرالية الافريقية بطوسكانا والفضاء المغربي الإيطالي للتضامن ومركز اللاجئين بطريفيزو، وشاركت فيها بحيوية فعاليات أخرى من إيطاليا وبلجيكا وفرنسا والسينيغال والبرازيل. ويلاحظ أن أغلبية المشاركين أجانب وليس مغاربة كما حدث في ندوات نظمتها فعاليات مغربية.
وتنويرا وتحسيسا للمنتدى الإجتماعي العالمي بالقضايا الإنسانية كالهجرة واللجوء التي تسائل الظمائر الحية في العالم للتدخل تطرقت الندوة بشكل مستفيض لثلاثة محاور أساسية:
1. الهجرة ليست مشكلا بل حل لبلدان الاستقبال.
2. مقارنة بين وضعية اللاجئين في أوروبا وفي مخيمات الصحراويين بالجزائر: لماذا لا تتمتع ساكنة مخيمات تندوف بالجزائر ببطاقة لاجئ؟
3. لماذا تطالب إيطاليا بتعديل اتفاقية دوبلينو حول اللجوء وإعادة توطين اللاجئين؟
تمكن المشاركون من متابعة عرض حول اللجوء في أوروبا، وخاصة في إيطاليا، قدمه مدير مركز للاجئين في تريفيزو بإيطاليا، عبد الله خزراجي، الذي سلط من خلاله الضوء على التحديات الجديدة التي تواجهها إيطاليا إثر موجة الهجرة غير المسبوقة التي تعرفها أوروبا منذ 2016.
وفي نفس المحور، أبرز يحيى المطواط، رئيس الفضاء المغربي الإيطالي للتضامن، مزايا الهجرة بالنسبة لبلدان الاستقبال، والمساهمات المتعددة الأبعاد للمهاجرين اقتصاديا، وماليا، وإجتماعيا، وثقافيا. وضرب مثالا لمشاركة هامة في بلدان المهجر لشخصيات من أصول مغربية في الحياة السياسية الأوروبية كنجاة بلقاسم مستشارة الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند ووزيرة التعليم.
أما ياسين بلقاسم المنسق الوطني لشبكة الجمعيات المغربية بايطاليا فقد عقد في المحور الثاني مقارنة بين وضع اللاجئين في أوروبا وحالة الصحراويين المحتجزين بمخيمات تندوف بالجزائر. وفي هذا الإطار، أبرز أن "مفهوم اللاجئين الصحراويين ليس سوى صناعة وهمية خلقتها الجزائر بهدف جعلهم أداة للاحتجاج على استرجاع المغرب لصحرائه بعد إبرام اتفاق مدريد بين المغرب وإسبانيا سنة 1975". وخلص ياسين إلى أنه في الوقت الذي تحترم فيه أوروبا التزاماتها تجاه اللاجئين، فالوضع ليس كذلك في تندوف حيث يتعرض المحتجزون لكل أنواع الابتزاز والترهيب و التشتت الأسري والتجنيد القسري الذي لا يستثني حتى الأطفال، بالإضافة إلى العمل القسري والاستغلال الجنسي والرق والعبودية. وطالب بضغط عالمي على الجزائر حتى تمكن ساكنة المخيمات من التمتع بحقوق اللاجئين كما تنص عليه اتفاقية جنيف. (أنظر الورقة التأطيرية للسيد ياسين بلقاسم).
وفي نفس الندوة قدم الأستاذ الجامعي والصحافي الإيطالي، ماسيميليانو بوكوليني، مقتطفات من كتابه الذي ألفه بشكل مشترك مع الصحافي، أليسيو بوستيليوني، "الصحراء: صحراء المافيات والجهاد" أن وجود مخيمات تندوف لا يشكل تهديدا لاستقرار منطقة الساحل و الصحراء فحسب، بل حتى لأوروبا. وقال بوكوليني إن "وجود مخيمات تندوف وميليشيات مسلحة للبوليساريو المرتبطة مع منظمات جهادية يشكل تهديدا للاستقرار"، على اعتبار أن هذه المخيمات يمكن أن تكون بمثابة مشاتل للتجنيد. وبذلك فإن "التداخل بين أنشطة المنظمات الإجرامية والإرهابية والانفصالية يطرح إشكالية، وذلك بالنظر لما له من تأثير مباشر على أمن المنطقة وعلى أوروبا أيضا". وفي هذا الصدد، أشار الخبير الإيطالي إلى التواطؤ الحاصل بين الجماعات الإرهابية وجبهة البوليساريو، كما يتضح ذلك من خلال اختطاف مواطنتين إيطاليتين من مخيمات تندوف ومن جنوب الجزائر من قبل جماعات إرهابية، تضم أعضاء سابقين من جبهة البوليساريو. ولاحظ أنه في ظل سياق أمني هش يتسم بتزايد التهريب بجميع أشكاله، و بتوسيع نطاق الهجرة غير القانونية في الآونة الأخيرة التي تسيطر عليها منظمات إجرامية أوروبية وإفريقية، فقد بات "من الضروري أن تكون هناك منطقة مستقرة لصالح شمال إفريقيا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط وأوروبا.
وشكلت الندوة فرصة لتدارس مختلف الجوانب المتعلقة بالهجرة و اللجوء تلتها مناقشة هامة من طرف العديد من المشاركين الجمعويين من فرنسا والسنيغال وإيطاليا وممثلين أفارقة ومغاربة عن نقابة المهاجرين بالمغرب المنظوية تحت لواء المركزية النقابية المغربية المنظمة الديموقراطية للشغل.
ندوة حول التنمية المستدامة في الصحراء المغربية:
نظمت الجمعية الصحراوية للتنمية المستدامة وتشجيع الاستثمار بجهة الداخلة وادي الذهب ندوة حول التنمية المستدامة في الصحراء المغربية نشطها رئيس الجمعية، سيدي أحمد حرمة الله رفقة السيد ماء العنين السادات.
وأكد سيدي أحمد حرمة الله أن جهة الداخلة وادي الذهب تعتبر المنطقة الأكثر تنافسية على المستويات الاقليمية والافريقية والعالمية وأن الأقاليم الجنوبية توجد في صلب نموذج تنموي، تزامن إطلاقه بمدينة العيون مع الاحتفال بالذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء.
وأبرز حرمة الله مختلف البرامج والمشاريع في مختلف القطاعات بهذه المنطقة، لافتا إلى أن النموذج التنموي يندرج ضمن الرؤية الملكية الرامية إلى جعل هذه الاقاليم نموذجا حقيقا للتنمية المندمجة، ومركزا اقتصاديا سيضطلع بدور صلة الوصل بين المغرب وعمقه الافريقي في إطار التعاون جنوب – جنوب.
كان حاضرا سرد الجهود المبذولة من أجل تعزيز مناخ الاقتصاد والأعمال بمنطقة الصحراء، كتقوية البنيات التحتية الطرقية والمينائية.
كما تطرق في مداخلته خلال الندوة إلى الوضع الذي كان سائدا بمنطقة الصحراء قبل استرجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية سنة 1975، مضيفا أن المعطيات حول الوضع الاجتماعي والاقتصادي خلال هذه الفترة تبرز الجهود الضئيلة المبذولة من قبل المحتمل الاسباني لتنمية المنطقة.
يحيى المطواط
وبعد استعراضه لهذه المعطيات الاجتماعية والاقتصادية لسنة 1975، قدم رئيس الجمعية الصحراوية للتنمية المستدامة وتشجيع الاستثمار لمحة عن الازدهار الاقتصادي الحقيقي التي تعرفه الأقاليم الجنوبية على كافة الاصعدة، معززا ذلك بالأرقام والصور.
في هذا الصدد، أشار على سبيل المثال إلى الاستراتيجيات المتعلقة بقطاعات السياحة والصيد والصناعة التقليدية والتجارة والخدمات، مضيفا ان هذه الاستراتيجيات، التي تستفيد من استثمارات مهمة من القطاع العام، تسعى إلى ضمان انخراط أكبر للسكان المحليين في تنفيذ هذه المشاريع.
لقاء شبابي مغربي في المنتدى:
طرحت الهيئة الوطنية للشباب والديمقراطية أرضية "الشباب المغاربي والتحديات المستقبلية" للنقاش بمشاركة عدد مهم من شبيبات المغرب بمختلف التوجهات السياسية شارك فيها مجموعة من الشباب من فلسطينين وتونس وليبيا والبرازيل وبلدان أخرى، ومغاربة مقيمين بإيطاليا وبلجيكا وإسبانيا وألمانيا وفرنسا.
تطرق الشباب إلى التطلعات التي تراودهم في الفضاء المغاربي من أجل الوحدة والإتصال والتكامل، لكنهم أبرزوا المعيقات التي تحول دون ذلك بسبب سياسات لا مغاربية لا شعبية كإغلاق الحدود بين الجزائر والمغرب وحملوا المسؤولية للجزائر وطالبوها بفتح الحدود مع المغرب وليبيا. ولم يفت المشاركين التضامن مع الشباب المغاربي المقيم في أوروبا واستنكار السياسات العنصرية والاسلاموفوبية التي يتعرضون إليها. وطالبوا برفع الحصار المضروب على مخيمات تندوف من طرف الجيش الجزائري وميليشيات البوليساريو حتى يتمكن شباب المخيمات من العمل والتنقل داخل وخارج الجزائر. ونددوا بالمضايقات التي تعرض لها الشباب الفليسطيني في المنتدى من طرف سلطات الاحتلال الاسرائيلي حيث من أصل 10 مشاركين تمكن فقط 6 من الوصول الى البرازيل، وطالبوا برفع الحصار عن الشعب الفلسطيني.
وعرف المنتدى كذلك تنظيم ورشات وندوات في عدة مواضيع اجتماعية حقوقية وحول العدالة الاجتماعية والتنمية والسلم والأمن في المجتمعات شارك في تنشيطها أساتذة جامعيين مغاربة ومن مالي والأرجنتين والشيلي.
توصيات الجمع التقاربي حول الهجرة واللجوء:
صادق العديد من الجمعيات من إيطاليا وفرنسا وبلجيكا وإسبانيا والمغرب المشاركة في الجمع التقاربي "الهجرة حل لبلدان الاستقبال واللجوء حق إنساني" على توصيات هامة منها:
1. تفكيك سياسة النفاق والعنصرية الأوروبية والتأكيد على أن الهجرة ليست مشكلا بالنسبة لبلدان الاستقبال وإنما هي أي الهجرة ثروة اقتصادية ثمينة خاصة بالنسبة لدول شمال الكرة الأرضية، وهي بذلك حل وأداة لتنمية وثراء هذه البلدان.
2. التأكيد على أن اللجوء حق إنساني والإلحاح على احترامه في جميع بقاع العالم.
3. التسجيل بأنه منذ 1976 إلى يومنا هذا لازال "اللاجئين الصحراويين" الوحدين في العالم الذين لا حق لهم في الحماية الإنسانية، هؤلاء الأشخاص تم تحويلهم من منازلهم وإيوائهم مكرهين في مخيمات عسكرية بتندوف من طرف الجيش الجزائري وميليشيات البوليساريو في إطار استراتيجية توضيفهم للوصول إلى هدف سياسي وذلك بانتهاك صارخ لمبادئ وأهداف وثيقة الأمم المتحدة ذات الصلة.
4. مطالبة الجزائر المسؤولة الأولي على وضعية اللاقانون ورفض حق اللجوء لساكنة مخيمات تندوف، بأن تتحمل مسؤولياتها لأن اتفاقية جنيف لعام 1951 تلزمها بذلك.
5. مساندة المطالب المشروعة للمجتمع المدني العالمي والإيطالي بتعديل اتفاقية دوبلان حول اللجوء وحرية التنقل، والعزم على النضال من أجل أن يتمتع جميع اللاجئين في العالم بحرية التنقل والتوطين أو إعادة التوطين.
أنشطة مستقبلية:
خصص المنتدى اليوم الأخير لتقديم الأنشطة المستقبلية للهيئات المشاركة وحضيت الجمعيات والمنظمات الغير الحكومية ومراكز البحوث المغربية الحيز الأكبر من هذه التوصيات والأنشطة المستقبلية ما بين 2018 و2020.
إكراهات نسخة البرازيل:
إضافة إلى اعتماد اللغة البرازيلية في التواصل كلغة وحيدة للموقع الإليكتروني للمنتدى مع ترجمات ناذرة ومحتشمة إلى الفرنسية، والارتباك الواضح في التسجيل والبرنامج العام للأنشطة، وكراء قاعات بدون مكبر الصوت ولا تجهيزات للعرض وغيرها من الإكراهات، فإن نسخة صالفادور دي باهيا وصفت بكونها "برازيلية بإمتياز"، لاستحواذ اللغة البرازيلية واعتمادها في العديد من الأنشطة البرازيلية من جهة، ولاستحواذ الطابع الفولكلوري والرقص على مدار أيام المنتدى وذلك كموروث ثقافي، ووصفت من جهة ثالثة بكونها اسقطت قضايا سياسية حزبية للبرازيل على أنشطة المنتدى.
حدث هذا في المنتدى الإجتماعي العالمي بالبرازيل:
تعرض أحد المشاركين المغاربة لوعكة صحية خطيرة تطلبت خضوعه لعملية جراحية فورية على القلب. العملية كللت بالنجاح ومازال في فترة نقاهة في مستشفى صالفادور دي باهيا. متمنياتنا له بالشفاء العاجل.