في الحاجة إلى جبهة وراء إمارة المؤمنين لحماية تدين المغاربة

في الحاجة إلى جبهة وراء إمارة المؤمنين لحماية تدين المغاربة

حين توافق المغاربة على المؤسسة الملكية، وعلى إمارة المؤمنين أساسا، كان ذلك ثمرة التعاقد التاريخي بين كل مكونات الشعب المغربي من أجل مغرب متوازن، ومن أجل إسلام وسطي منفتح على العصر. وبالنسبة لي شخصيا فالانتماء إلى هذه الفكرة النبيلة يعني أنني كمغربي لا يمكن لي أن أدخل في خصومة مع موروثي الديني، مثلما لا يمكن أن أكون متنطعا لتديني، ولتاريخي الشخصي والعام ولتراث المغاربة المشترك. ومن ثم تشكلت وجهة نظري حول الملكية التي أتحدث عنها من موقعي كديمقراطي، وكمواطن مغربي يسعى إلى تطورها المتدرج كملكية برلمانية بعمق دستوري ديمقراطي. ومن ثم كذلك، فإننا إذ نحرص على إمارة المؤمنين فلأنها تحقق الطمأنينة الروحية للمغاربة، ولذلك فإن انتصابنا المستمر للدفاع عن إمارة المؤمنين هو انتصاب من أجل الدفاع عن التدين المغربي في مواجهة فكر وممارسة الأصوليين الذين يريدون استيراد تدين موغل في التشدد والظلامية، والذين يسعون إلى أن يفرضوا علينا فهما خاصا للدين، حيث لا توجد سوى وقائع النحر والسحل والقتل وجز الرقاب وعذاب القبر ولغة الدم... والأكثر من كل ذلك فهم يطرحون أنفسهم أوصياء على الدين، وعلى البلد برمته، متنكرين إلى النموذج المغربي المتأصل في التاريخ، بعد أن صاروا أجراء وعملاء للمشرق، بينما نحن في رباطنا أوفياء للمشترك بيننا، وأوفياء لرفض إلحاق المغرب بأي عاصمة مشرقية، وأوفياء لميراثنا الجمعي الذي تدعونا الحركة الأصولية إلى التنازل عنه لفائدة مبدأي الخلافة والحاكمية لله.

انطلاقا من ذلك يرى فينا الأصوليون كيانات خارج الملة مثلما يعتبرون ثوابتنا المذهبية التي اختارها المغاربة خروجا عن الملة كذلك. المالكية في نظرهم بدعة، والأشعرية ضلالة، والتصوف الجنيدي شرك بالله. ولأننا في نظرهم خوارج عن الملة، فيحق فينا الجهاد والفتح المبين، مهيئين لذلك جيشا الكترونيا أصوليا بتوجه تكفيري داعشي يواجه فضيلة الاختلاف بخطاب التكفير وبالسيف وإقامة الحد.

وإذن فالخطر الأصولي مدمر لا فقط لهويتنا المشتركة، ولكن أيضا لوجودنا على هذه الأرض. إلا أن المشكل الحقيقي هو أننا، كإعلاميين، نجد نفسنا ندافع عن التدين المغربي كما لو كنا عزلا، بينما المؤسسات الرسمية الإدارية المسؤولة عن الحقل الديني "ناعسة"، ونقصد تحديدا وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ومصالحها الخارجية والمجلس العلمي الأعلى بأمانته العامة، وفروعه المتواجدة على امتداد تراب المملكة، حيث عدد من المندوبيات الجهوية والإقليمية وعدد من أعضاء المجالس العلمية لا يقومون بدورهم لتصريف الإسلام الوسطي، وبذلك فهم -في نظرنا- حلفاء للأصولية بصمتهم وحيادهم السلبي.

تتضاعف خطورة الوضع حين ينضاف إلى نعاس هذه المؤسسات صمت النخب الحزبية، وعدم إدراكهم وتقديرهم لحجم هذه الخطورة المتنامية. ونحن إزاء ذلك نتساءل: ما العمل؟

نعم لقد استقال إدريس لشكر وحميد شباط وإلياس العماري في مواجهة الحركة الاصولية، لكن هذا لا يمنعني، على المستوى الشخصي على الأقل، من مواصلة أن أصرخ بملء كياني من أجل المغرب الحر الديموقراطي المنفتح، وسأظل أتغنى، كمنبر إعلامي، بجمالية موروثنا المغربي لأنني لا أرى اللوحة سوداء، ولا أرى فقط النصف الفارغ من الكأس. ولكنني مغربي موصول الذاكرة، أناضل على قلة النصير والحليف بما يتاح لي من إمكانيات القول والفعل. وفي هذا السياق كذلك ينبغي التأكيد على أن وضعنا السياسي الراهن لا يبعث على الطمأنينة تماما، لا فقط لأننا صرنا بلا معارضة ولا يسار، ولكن لأننا سنكون واهمين إذا اعتبرنا أن استمرار تصدر حزب العدالة والتنمية «البيجيدي» للمشهد السياسي لن يؤثر على الحقل الديني، بل على العكس تماما فهذا الاستمرار سيزحف على إمارة المؤمنين بهدف إفراغها من مضمونها، فحين تنتهي «اللعبة» غدا، ويذهب أصحاب الفيء بالوزارة وبالمجالس العلمية بغنائمهم وامتيازاتهم الريعية سيتركون التدين المغربي في مواجهة مشاريع "الدعشنة" و«الأخونة» أو الانقلاب كما يجسدها المشروع الأصولي وكما أكدت ذلك التجارب الواقعية في كل من تركيا ومصر وليبيا واليمن على وجه الخصوص.

إن خطورة هذا الصمت المدمر المتواطئ هي ما يؤكد الحاجة إلى قيام جبهة وراء المؤسسة الملكية لوقف النزيف المستشري، ولدحر الزحف الأصولي المهدد للمغرب، علما بأن بعض سماسرة العمل السياسي والانتخابي المندسين في الأحزاب يرددون لازمة: «لا يمكننا هزم هؤلاء الأصوليين في الظرف الراهن إلا بالمال، على اعتبار أن العديد من منخرطي الأحزاب لا عقيدة مذهبية له». ومع ذلك فخطورة المال أنه يربي الناس على الجشع، وعلى عقلية مقايضة كل شيء بالمال، بما في ذلك الشرف والكرامة. ولذلك فإذا كان الالتجاء للمال ضرورة ظرفية في هذا السياق، فإن على الدولة الانتباه إلى تنمية الرصيد الرمزي للمواطن عبر تربيته على حب الوطن، وعلى حب موروث أجداده، وعلى كل القيم الإيجابية حتى تتشكل في قلب الناس وعقلهم عقيدة وطنية لا تباع ولا تشترى.

هذا هو قدرنا في المرحلة الراهنة، حيث يتحتم على كل المتنورين –من سياسيين وعلماء وجامعيين ومثقفين ورجال أعمال وإعلاميين- أن يضعوا أيديهم في يد بعض لخلق جبهة وراء مؤسسة إمارة المؤمنين إذا رغبوا في أن يجنبوا بلادنا الطوفان الأصولي و تسونامي «الدعشنة» و«الأخونة» القادم. في هذا الإطار ينبغي التوضيح أننا إذ ندعو إلى خلق هذه الجبهة لمواجهة المشروع الارتدادي والانقلابي للأصوليين لنسف تدين المغاربة، فليس معنى ذلك فقط الدخول في سياسة الأحلاف عبر خلق حلف ضد حلف، بل نقصد تحديدا الجبهة التي هي الإطار لإرساء مغرب التعدد والانفتاح، وترسيخ قيم المعرفة ونصرة الاجتهاد، وتثبيت معالم المواطنة الواعية بقيمة وجودها في هذا العالم.

وبعبارة واحدة فهي الجبهة التي ترفع مشروع المغرب الحداثي الديموقراطي الذي يقود وحده نحو مغرب التجديد والخلق والابتكار، والذي من شأنه وحده أن يحمي حاضرنا ومستقبلنا، وأمننا السياسي والاجتماعي والحدودي والروحي.