محمد حمزة :إضراب هيئة التدريس و البحث و الشرود الحكومي عن الزمن الجامعي

محمد حمزة :إضراب هيئة التدريس و البحث و الشرود الحكومي عن الزمن الجامعي محمد حمزة
 بعد إضراب 20 فبراير، قررت النقابة الوطنية للتعليم العالي خوض إضراب ثاني يومي 14و15مارس تنفيذا للخطة النضالية التي سطرتها اللجنة الإدارية. تخوض النقابة هذا الإضراب، الذي أجلته مند أربع سنوات مراهنة على الذكاء الجماعي بين النقابة و الوزارة الوصية والذي لم تستوعبه هذه الأخيرة، في ظرفية عصيبة سمتها تفاقم الأزمة الاجتماعية وتخلي الدولة تدريجيا عن أدوارها الاجتماعية و هو ما أدى إلى تفاقم حدة الفوارق الطبقية و المجالية ،والإجهاز على مكتسبات الشعب المغربي وضرب القدرة الشرائية للطبقات الوسطى و الدنيا من خلال تحميلها وزر إصلاح صندوق المقاصة في مناخ اقتصادي محلي متسم بالريع و الزبونية والإعفاءات الضريبية و التغاضي عن التملص الضريبي إلى جانب معالجة أزمة التقاعد الناتجة عن العبث واستغلال النفوذ وإهدار الأموال و تنفيذ املاءات الصناديق الدولية، وتخلي الدولة تدريجيا عن أدوارها الاجتماعية. وهو ما تعكسه الاحتجاجات المشروعة التي تعرفها العديد من جهات الوطن من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وينبئ باحتمالات انفجارات شعبية أخرى نتيجة عجز الحكومة عن تقديم أجوبة للمطالب المشروعة و لجوئها للقمع و الاعتقالات العشوائية . تخوض النقابة هدا الإضراب أيضا ، ضد سياسة الدولة و الحكومة الرامية إلى التخلص من المرفق العمومي بصفة عامة و التعليم العالي على وجه الخصوص، و إضفاء الشرعية القانونية على قطاع الريع والتي سمي "شراكة عام – عام" و نعث زورا بالعمومي وفتح المجال للرأسمال الطفيلي في الاستثمار في قطاع التعليم والذي يندر بأوخم العواقب على المدى المنظور بإحالة الخدمة التعليمية إلى عمل تجاري محض. إن النقابة الوطنية للتعليم العالي نقابة تدافع عن المطالب المادية والمعنوية لمنخريطها ومنخرطاتها، لكنها تدافع و بنفس القوة عن الجامعة العمومية المفتوحة لبنات و أبناء الشعب المغربي الراغبات و الراغبين في تعليم جيد ، منتج ، عصري ومجاني .. لقد فشلت حكومة عمليا في اعتبار التعليم أولوية وطنية وفشلت في اعتبار التعليم استثمار استراتيجي ، فشلت ايضا في إيجاد الحلول للمشاكل التي يتخبط فيها قطاع التعليم العالي العمومي. انها تعيش حالة شرود عن الزمن الأكاديمي . المعركة التي تخوضها النقابة الوطنية للتعليم العالي هي معركة ضد سياسة المجازات التي تنهجها الوزارة و الحكومة، وضد الحوارات الشكلية والتنصل من الالتزامات، والاستخفاف بالمطالب، و ضرب المكانة الاعتبارية للسيدات و السادة الأساتذة الباحثين وضرب قدرتهم الشرائية وتجميد أجورهم منذ سنة 2002 وتأجيج السياسات الزبونية والفئوية لضرب وحدة الأساتذة الباحثين ووحدة إطارهم النقابي. ففي غياب شريك حكومي ، تفاجئنا الوزارة الوصية ببلاغات مشوشة على إضراب يومي 15و16 مارس والتي تذكرنا بالعهود البائدة ، والدي لن يزيد الوضع إلا تأزما. فالمطلوب ايقاف مسار تغيير الفضاء الجامعي وحملة تصفية الجامعة العمومية بشكل أحادي ؛وسياسة إقصاء وتهميش مكونات الجامعة ،و الابتعاد عن أسلوب التشويش و تصفية الحسابات وفرض أمر واقع ،والذي لن يزيد الوضع إلا تأزما ،و لن يخدم منظومة التعليم العالي و البحث العلمي من جهة . وأجرة ما تم الاتفاق عليه بين الوزارات السابقة و النقابة الوطنية للتعليم العالي و انجاز برنامج وطني لإنقاذ المدرسة و الجامعة العموميتين من جهة أخرى. نحن في حاجة لحكومة مواطنة ووزارة مؤمنة بالحوار المسؤول والمنتج و في مستوى التصدي للأخطار التي تهدد التجربة الجامعية المغربية. وهذا يتطلب سن سياسة وطنية اشراكية و ديمقراطية ،والابتعاد عن السياسات الصغيرة التي تهدف الى تهميش السيدات والسادة الأساتذة ونقابتهم المناضلة و المواطنة و وتهمش الجامعة العمومية . نحن الآن في حاجة إلى تبني ثقافة العلم و المواطنة التي تُشجع الكفاءة والإبداع الأكاديميين وتؤمن بالدور الوازن الذي يمكن أن يلعبه التعليم العمومي كقاطرة أساسية وسريعة للتنمية نحو التقدم والنماء والولوج اليسير إلى مجتمع المعرفة. إن الجامعة المغربية بمفهوم جامعة و وطنية عمومية و عصرية في خطر و لحد الآن كل محاولات الإصلاح باءت بالفشل و لم تحقق أهدافها لأنها ظلت تقنية بل تقنوية .وبما أن مضامين البرامج لم تساءل، و شروط التكوين لم تتحسن بل بالعكس تدهورت وبما أن بنيات البحث العلمي لم تتعزز و الهياكل المؤسساتية لم تتدمقرط بالرغم من شكلية اللجان الإنتقائية لرؤساء الجامعات و العمداء و المدراء، فإن الواقع الجامعي أضحى غرسا يغالب الموت. إن مشروع قانون الإطار الجديد / القديم والذي اعد في غياب المعنيين (الطلبة و الإداريين و الأساتذة) و بدون إشراك النقابة الوطنية للتعليم العالي والنقابات الديمقراطية المناضلة ، هو أوضح تجسيد لتهميش المدرسة و الجامعة العموميتين عبر عملية الخوصصة و التسليع و التفويت للقطاع الخاص و تقنين الأداء في التعليم العمومي . ان إضفاء الشرعية القانونية على الجامعات المؤدى عنها ، يعتبر مدخلا لتراتبية جديدة تنذر بتوزيع جديد للفضاء الجامعي إلى مؤسسات جامعية "نافعة" و أخرى "آيلة للسقوط" أو غير نافعة ،وذلك عبر آليات الدعم. القانون الجديد يحول "استقلال الجامعة" إلى مفهوم يساعد الدولة على التنصل من مسؤولياتها في ضمان التمويل الأساسي و مناصب الشغل الأساسية و إحالة ذلك على الجامعات في إطار محيط اجتماعي اقتصادي محدود أصلا في حجم إنتاجه و مشبع بثقافة معاملاتية تزدهر فيها الزبونية و احتقار البحث العلمي و نسائه و رجاله . إن النهج الذي يبدو أن الوزارة ستسلكه لاستنساخ مسألة العرضيين والمتقاعدين سيؤدي حتما إلى قتل البحث العلمي المغربي. كما أن خضوع الحكومة لتوصيات المؤسسات المالية الدولية لانجاز تقويم هيكلي جديد سيؤدي حتما إلى اتساع قاعدة الفقر و التهميش نتيجة لتنازل الدولة عن كثير من الخدمات للحد من الإنفاق . إن معركة الدمقرطة واستقلالية الجامعة تعني أن الأساتذة الجامعيين ليسوا أقل شأنا من أعضاء المجالس البلدية التي تنتخب رؤساءها بشكل مباشر، ولهذا نطالب الانتقال من التعيين بالبرامج إلى التباري الديمقراطي بالدراية و البرنامج . فإذا كانت استقلالية المعرفة شرطا أساسيا لإنجاز كافة مهام الجامعة و تقتضي الاستقلال الأكاديمي والبيداغوجي والعلمي ، فإنها لا تعني الاستقلالية بأي حال من الأحوال تخلي الدولة عن مسؤوليتها في دعم ورعاية وتمويل الجامعة العمومية حصريا. المعركة التي تقوم بها النقابة الوطنية للتعليم العالي هي أيضا معركة ضد المقاربات التجزيئية لحل أزمة التعليم العالي ،بتبني إصلاح شمولي يرتكز على ثلاث عناصر متضامنة : التوجه البيداغوجي مركزية البحث العلمي و دمقرطة الهياكل . فاذا كانت عملية التقييم المستقل جزء من عملية البحث عن الجودة وان الاعتماد في أي عملية للتقييم والرصد والاقتراح على ذوي الاختصاص عملية جوهرية ، فان ماقامت به كتابة الدولة باختزال دور "الوكالة الوطنية لتقييم وضمان جودة التعليم العالي والبحث العلمي" في عملية لتفتيش السيدات والسادة الأساتذة الباحثين، كما ورد في مذكرتي كتابة الدولة في التعليم العالي والبحث العلمي ، ضداً على ما هو متعارف عليه عالمياً في ما يخص وكالات التقييم، وفي تعارض تام مع ما تستدعيه الوضعية الكارثية التي يعيشها التعليم العالي العمومي من تقييم شامل وجدي. التقييم ليس وصفة سحرية في غياب الدعم المالي الكافي وقلة الموارد البشرية وفوضى القوانين التنظيمية والاكتضاض و الواقع المزري ... التقييم يتطلب رصد جدي لواقع حال مؤسسات التعليم العالي . ورصد الواقع كفيل بجرد موضوعي لواقع الذات الجامعية : - مدى تأثير تهميش البحث العلمي على التكوين الجامعي ومردوديته ؟ - مدى تأثير ضعف التأطير الأكاديمي على مردودية التكوينات الجامعية المغربية ؟ - مدى تأثير ضعف البنيات التحتية و ضعف المنح الجامعية و ميزانية البحث...؟ ان المعركة التي تقودها النقابة الوطنية للتعليم العالي الان هي أولا معركة من أجل بعث الأمل في إمكانية تجاوز تأخرنا التاريخي بواسطة المعرفة و البحث العلمي . الأمل في جعل الجامعة قاطرة للتنمية و مدخلا لبناء المجتمع الديمقراطي الحداثي الذي يرسخ مبدأ تكافؤ الفرص و ينتج المعرفة و العلوم بجودة عالية و منفتح عن التطورات الثقافية و العلمية. مجتمع رابطة القانون و مركزية المعرفة. و الإصلاح المنشود للمدرسة و الجامعة العموميتين، لم يكن ولن يكون أبدا مجرد رتوشات وإجراءات شكلية، كما هو الحال الآن، بل نراه إصلاحا جذريا متسلحا بالحداثة والعقلنة قادرا على تأهيل تعليمنا وتحديثه ليكون سبيلا سالكا في اتجاه التقدم والدمقرطة الحقيقية. ولن يستقيم ذلك إلا بتنظيم حوار وطني واسع لأن المسألة التعليمية مسألة الجميع وليست مسألة قطاعية فحسب.
 
محمد حمزة ،أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم بنمسيك ،عضو المكتب الوطني للتعليم العالي