المهندس محمد بنجلون: حفر المقالع بأوروبا تتحول إلى بحيرات ومنتزهات وحفر مقالع الإسمنت عندنا تتحول إلى مطارح وكاريانات!

المهندس محمد بنجلون: حفر المقالع بأوروبا تتحول إلى بحيرات ومنتزهات وحفر مقالع الإسمنت عندنا  تتحول إلى مطارح وكاريانات!

ما يقع الآن من حديث  وسجال واحتجاج حول النفايات القادمة إلى المغرب، كضيف مزعج، ينبغي أن لا ينسينا أن هذه "السلعة" لم يتم جلبها من أجل فقط طمرها ودفنها في أرض المغرب، بل لغاية حرقها في أفرنة مصانع الإسمنت لما تنتجه هذه السلعة من طاقة حرارية تضاعف إنتاج وأرباح هذه المصانع، وبالتالي فالسؤال يجب أن يركز حول لوبي هذه المصانع المكون من شركات (هولسيم، لافارج، إسمنت الأطلس، إسمنت المغرب، إسمنت تمارة)، لأنه غالبا ما يصاحب تطور هذا النوع من الصناعة تأثير سلبي على البيئة.. والوقوف على حقيقة مستوى هذا الترابط على اعتبار أن السعي نحو تحقيق النمو الاقتصادي يجب أن يلازمه الحرص على الحفاظ على البيئة، لأن كلاهما يشكل مانعا تبادليا للآخر، وهذا ما يعكسه سلبيا واقع صناعة الإسمنت في المغرب.. ففضلا على ما تحدثه هذه المصانع من انتشار أتربة وغبار (الباي باس) الممزوج بالغازات المنبعثة من أفرنتها، وما يسببه كل ذلك من تلوث للبيئة المحيطة تساهم هذه المصانع في "تشرميل" حقيقي للمجال، وذلك بعد تخليها عن المقالع المنتهية اعتمادها واستغلالها وتصبح هذه الأخيرة فضاء لمطارح جديدة وبؤرة للسكن العشوائي و،،، محرقة أخرى للبيئة. "أنفاس بريس" التقت من جديد بالمهندس الخبير في شؤون البيئة محمد بنجلون، وناقشته حول مختلف هذه  الجوانب في الحوار التالي  :

+ كيف تحولت مصانع الإسمنت إلى مصدر تلوث  للبيئة وأداة "تشرميل" للأرض والمجال؟

- لقد اشتغلت كمكتب الدراسات في بعض المشاريع الهندسية الصناعية والبيئية مع بعض مصانع الإسمنت منذ 1996 كلاكاديم بمكناس ولاسيور بوجدة وفاس ومصنع حد حرارة بأسفي ولاسينوكا ببوسكورة الدار البيضاء، وكانت مختلف هذه المصانع يضرب بها المثل في ذلك الوقت بين 1996 و2000 في النظافة وعدم التلوث، بل وكان ممنوعا منعا كليا استيراد النفايات السامة من الخارج.. ثم قمنا في تلك الفترة بدراسة كبيرة حول النفايات الناتجة عن المحطة الحرارية للجرف الأصفر وهي عبارة عن رماد الفحم الحجري الذي كان يستعمل في هذه المحطة، حيث لوحظ أنه كانت ترمى في البحر أنداك حوالي 260 طن في اليوم من هذا الرماد، وكان يشكل فعلا كارثة بيئية ومصدر تلوث لساحل البحر.. فتبين لنا بعد إنجازنا لبعض التحاليل القيمة العالية لهذا الرماد، واقترحنا على (بنهيمة)، كان مديرا في ذلك الوقت للمكتب الوطني للكهرباء، نتائج دراستنا والتي خلصت إلى امكانية إعادة استعمال هذا الرماد كمادة أولية لإنتاج الإسمنت، ومكون رئيسي له إلى جانب الطين.. واستطعنا بالتالي أن نحول هذا الرماد من نفاية ترمى في البحر إلى ما أعتبره بمثابة "الذهب" في صناعة الإسمنت بالنظر لجودته، وكان ذلك سنة 1998. ولم يكن يسمح بدخول المغرب ولو مقدار غرام من النفايات من الخارج لاستعمالها في صناعة الإسمنت.. ويعني ذلك أنه في تلك الفترة كانت الهندسة تقوم بواجبها، وكانت الدراسات تؤدي مهامها في  المواكبة .

+ وماذا حصل ويحصل اليوم على مستوى المقالع المتخلى عنها بعدما كانت المزود الرئيسي للمصانع من المادة الخام من الأحجار؟

- نعم فمصانع الإسمنت تعمل بمقالع الجبال الصخرية ذات الاحجار الثابتة، والتي توفر خاصة مواد (الكالكير) و(لارجيل) كمقالع بوسكورة وبنسليمان وكذلك بالعيون الشرقية نواحي وجدة، حيث كان مصنع  لاسيور، بحيث كان لكل مصنع للإسمنت مقلع يستخرج منه الأحجار كمادة أولية لإنتاج الإسمنت، كما أن المقلع المختار يجب أن يكون قادرا على توفير 1 مليون واحد أو 2 مليون طن متر مكعب كي يضمن إنتاجا قويا على المدى البعيد كما هو الشأن بمقلع حد حرارة بأسفي أو المقلع الكبير بمكناس ومقلع بوسكورة. وطبعا فالمشكل الكبير الذي باتت تطرحه هذه المقالع هو في مآلها عندما ينتهي استغلالها وينفذ اعتمادها، إذ تصبح عبارة عن "حفر" واسعة وعميقة على شكل براكين تصل بعضها إلى عمق 30 متر و50 متر بفعل المتفجرات والبارود المستعمل لتفتيت الأحجار ونقلها إلى المصنع.. وهكذا بدأ الإفراط في التفجير (غير دير البارود وافرع) بغض النظر عما تحدثه قوة هذه المتفجرات من شقوق في الأرض والمنازل المجاورة للمقالع، لأن المهم بالنسبة للمصنع هو الإنتاج ولا  شيء غيره، بحيث لا تهمه آثار ذلك لا على الطبيعة ولا على الإنسان. فالهدف هو الإنتاج حيث  تتفاوت إنتاجية كل مقلع بين من بين 700 إلى 800 طن من الأحجار في الساعة! كما أن المصانع تنتج على الأقل 1000 طن في اليوم! وطبيعي إذن أن يبقى هاجس مصانع الإسمنت هو البحث عن المقالع البديلة، وتبقى المقالع القديمة التي تهملها بعد الاستغلال مكانا خصبا لكريانات السكن العشوائي ومطارح للنفايات. فأين هي إعادة هيكلة هذه المقالع التي يؤكد عليها قانون المقالع، حيث ينص على أنه بعد الاستغلال بجب إعادة هيكلة مقالع الأحجار بناء على مقتضيات دفاتر التحملات ومسطرة البحث العمومي التي تشرف عليها السلطة التي تفرض على صاحب رخصة استغلال المقلع أداء أتاوة تتراوح بين 2 و3 درهم عن المتر المكعب المستخرج من الأحجار.. وهل مصانع الإسمنت تؤدي هذه الأتاوة أم لا؟! علما أن الأتاوة هي من مستحقات الجماعة التي يوجد فوق ترابها المقلع، وهي مداخيل توظفها الجماعة لإنعاش تنميتها في بناء السور مثلا أو إنشاء منبت أو منتزه، كما يقع في فرنسا وألمانيا، حيث عاينت شخصيا كيف حولت هذه الدول حفر المقالع إلى "بحيرات" اصطناعية للنزهة والرياضة والترفيه، أما عندنا فلا تقدر مصانع الإسمنت إلا على جلب نفايات من إيطاليا!

+ هنالك قاعدة  تقول بإجبار كل جهة ملوثة على أداء ضريبة التلوث، إلى أي حد يتم تطبيق هذه القاعدة على مصانع الإسمنت pollueur payeur؟

- هنالك ما يسمى برنامج التتبع البيئي، يوقع عليها ويلتزم بها كل صاحب مشروع عندما يضع الدراسة الخاصة بمشروعه. ومعنى ذلك أنه كل سنة تقوم السلطة باستدعاء صاحب المشروع وتقف على وضعية المشروع ومدى تأثيره على البيئة؟ وفي هذا الإطار فأين هي مثل هذه الدراسات بالنسبة لمصانع الإسمنت ونحن نشاهد فقط استيرادها نفايات خطيرة من الطاليان؟ وأين هو برنامج التتبع البيئي؟ أين المواكبة؟ فهذا الوضع هو الذي يشجع، كما قلت، على إحداث السكن العشوائي في الكريانات أو المقالع المهملة.. وهنالك كريانات أخرى أصبحت مطارح الأزبال، بحيث أن 80% من المطارح في المغرب كانت في الأصل مقالع !!

+ وماذا عن الجانب العقاري والأراضي التي تختارها مصانع الإسمنت لإحداث مقالعها؟

- أكيد أن هاجس مضاعفة الإنتاج والأرباح يجعل هذه المصانع تلجأ في الغالب إلى أراضي الجماعات السلالية الشاسعة لأن مساحات المقالع المطلوبة تتراوح من 20 إلى 100 هكتار من أجل استغلالها لمدة طويلة وبكلفة زهيدة.. وما يقع في حد حرارة بأسفي من احتجاجات متكررة لذوي الحقوق من الجماعة السلالية لخير دليل على طريقة تعامل مصنع الإسمنت بهذه المنطقة مع "موالين الارض" حيث بدأت الساكنة تحتج في وقفات تعبر خلالها عن تذمرها من استغلال أراضيهم وأراضي آبائهم وأجدادهم من طرف المصنع، في ظروف ووفق شروط متجاوزة.. ولهذا فنادرا ما تلجأ هذه المصانع إلى أراضي الملكية الخاصة لقلة عرضها ولكلفتها المرتفعة، كما أنها لا تلجآ إلى أراضي المياه والغابات.. إذن فالمصانع في سعيها نحو الربح أولا تبحث عن الأراضي التي تستطيع أن "تتغلب" على أصحابها،،، وهي الأراضي السلالية.