في صبيحة مثل هذا اليوم، الثالث عشر من يوليوز 1971 تم إعدام عشرة ضباط، من بينهم خيرة أطر جيش التحرير المغاربي، وبدون محاكمة، وبعدها تم اتخاذ قرار إبعاد المؤسسة العسكرية عن صناعة القرار السياسي مع الإبقاء على مجرد سلطة الاستشارة والتنفيذ، وبغض النظر عن الاجراءات المصاحبة من تعديل مدونة العدل العسكري وتكليف أغلب الأطر العسكرية بمهام «إقليمية» ودولية وكذا « قومية» في سيناء والجولان والصحراء لاحقا، فإن أهم الاختلالات أن «العزوف»العسكري عن السياسة لم يمنع من اكتساب سلطة معنوية جديدة، تعوض عن مساطر نزع أو انتزاع مكتسبات «صناعة» النفوذ والقرار، وذلك من خلال مراكمة بعض عناصر امتلاك «السلطة المالية والتي لا يمكن الاستهانة بها في ظل نظام سياسي كان معتمدا على الريع والزبونية، وإن كان هذا لا يمس في العمق بوطنية القطاع، خاصة في مجال حماية الثغور، مما يستدعي معه تمتيع كافة الجنود والضباط الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل حماية الحوزة والسيادة والأمن العام الضروري للاستقرار.
وإذا كان معلوما لدى الجميع أن صمود المغرب في صحرائه لم يكن فقط بفضل القدرات وحدها، ولكن بفضل الإرادات أيضا، إرادات التحرر التي خلفها المؤسسون الذين التحقوا بالجيش الملكي، مباشرة بعد حل جيش التحرير، إثر الصراع المفتعل بين الحركة الوطنية وبين القصر حول من سيتملك هذه «القوة» التحررية. ولأن المجال لا يسع للتفصيل في لوائح الإعدام التي كان كل واحد من الطرفين يعدها لتصفية العناصر الوطنية في الجسم العسكري، ولعل لغز اغتيال المقاوم محمد الناصري الملقب بعباس المسعدي، لمجرد إحدى الأسماء التي يمكن القياس عليها كمثال، فإن المطلوب، والمناسبة شرط، التفكير في دمقرطة المؤسسة العسكرية، مادام الإبعاد عن السياسة، يعوض بالإقتصاد الذي يمارس السياسة عن طريق التدبير المفوض للمؤسسات المعنوية وعن طريق سياسة الأمر الواقع الذي يفرضه طلب الأمن والاستقرار لصالح النظام السياسي والذي يترأسه الملك «دينيا ودنيويا»، حيث إن القائد الأعلى للجيش هو نفسه أمير للمؤمنين، والدمقرطة لا تعني سوى انه ينبغي أن يتم توسيع دائرة الحق في التعبير عن المطالب الاحتماعية والفئوية لأفراد الجيش تفاديا لأي ممارسات سرية ، فكثير من الآراء تجاه العلاقات الاستراتيجية مع « الحلفاء » في الخارج يتم التعبير عنها بواسطة منابر إعلامية أو عبر قنوات أمنية أو مالية أخرى، فقد صدق الدكتور محمد الغماري في إحدى تحليلاته، عندما اشترط ضرورة خلق ميكانيزمات تحول دون «الانتقال من حالة الجندي المشتكي إلى حالة الجندي المتمرد، مثل ما عشناه في السبعينات ». صحيح أنه لا أحد يستطيع الدفع بمطلب دمقرطة المؤسسة العسكرية إلى مداها الاستراتيجي الوطني المنشود، غير أنه بالرجوع إلى التقرير النهائي لهيأة الإنصاف والمصالحة يتضح بأن المغاربة استطاعوا التأسيس لعدة تسويات للقطع مع ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، أولها التوافق الوطني حول الدفاع عن الصحراء المغربية، بفضل الوعي الوطني واستمرار الحس التحرري، وإن بدرجات وخلفيات متباينة لدى الأطراف، ثم الاتفاق الوطني حول الخيار الديموقراطي، رغم التعثرات والمثبطات الكابحة لتفعيل مقتضياه، ليبقى مطلب الحقيقة الوطنية كمدخل لأية مصالحة وطنية بين الدولة والمجتمع، هذا المطلب الذي لم تستطع المؤسسة العسكرية الانخراط فيه ليكتمل «الإجماع » المفترض، فمادام تعاون هاته المؤسسة لم يقع بالمتناع عن تسليم الأرشيف ورفع اليد عنه لفائدة مطلب طي صفحة الماضي، فإنه مطلوب ممن له الصلاحية أن يعمل على جبر الضرر الجماعي والفردي من خلال فرض إشراك مكونات المؤسسة العسكرية البشرية والعلمية واللوجستيكية، في جميع المجالات الهندسية والطبية والاجتماعية والمالية حتى، من أجل سداد البياضات التي تعاني منها بنيات التجهيز الأساسية، خاصة وأن مسلسل تفعيل الحكم الذاتي يقتضي التدرج من الآن في إدماج القوات المسلحة في مسلسل التنمية والبناء الديموقراطي بتمثل قيم التحرر الوطني والدفاع عن السيادة الوطنية، بعد أن تصير الحاجة إلى الجيش تنموية بمقاربة حقوقية، يؤطرها الإنصاف والاعتراف، وسط المجتمع، أكثر منها أمنية ودفاعية على امتداد الحدود «المهددة»، في سياق الاستعداد النفسي والتربوي للانتقال من «اقتصاد الحرب» إلى «اقتصاد السلم» الاجتماعي والبناء الديموقراطي. فلتكن البداية من إطلاق عملية دمقرطة المجلس الأعلى للأمن..