اختارت الجزائر، كما كان منتظرا، ابراهيم غالي لاعباً بديلاً خلفا لمحمد عبد العزيز المراكشي على رأس البوليساريو؛ وهو ما يشي - حسب ما قاله متتبع لـ "أنفاس بريس"- بأن قصر المرادية يراهن على استمرار "الحرب الباردة" بينه وبين المغرب، كاستراتيجية للحفاظ على توازناته الذي تكاد تعصف بها الإشكالات السياسية والاقتصادية التي تزداد تعقيدا في الجزائر.
ويعتبر ابراهيم غالي من مؤسسي "الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب" إلى جانب الوالي مصطفى السيد ومحفوظ علي بيبا والبشير الدخيل، والشيخ بيد الله، فضلا عن مجموعة أخرى من طلبة جامعة محمد الخامس بالرباط. وهذا ما جاء في كتاب "رسالة باريس/ يموت الحالم ولا يموت الحلم" للراحل محمد باهي:
"في مدينة الزويرات الموريتانية، ومن مركز صناعة النحاس بهذا البلد العربي الإفريقي، جمع الوالي مصطفى السيد عددا قليلا من الكوادر القادمين من جنوب المغرب ومن مجموعة طلاب جامعة مـحمد الخامس بالرباط وبعض القادمين من طرفاية ومن أبرزهم محفوظ علي بيبا أو محفوظ العروسي، (ويلقب اليوم بالوزير الأول، وكان من بين أعضاء الوفد الذي استقبل مؤخرا بالقصر الملكي في مراكش)، وابراهيم ولد الغالي، وهو من مدينة السمارة العاصمة الروحية للصحراء ، وزير الدفاع في ما يسمى بالجمهورية العربية الصحراوية منذ تأسيسها حتى اليوم، جمع هؤلاء مع مـحمد ولد الزيو المقاتل السابق في جيش التحرير المغربي، ومن آخرين، "وعقدوا مؤتمرا سريا في نقطة ما بين الصحراء المغربية وموريتانيا (يوم 10 مايو 1973) أعلنوا فيه عن إنشاء الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب وانتخبوا أمينا عاما لها الوالي مصطفى السيد مع لجنة تنفيذية نشرت لاحقا بيانا أعلنت فيه أن الجبهة أُنشئت كتعبير وحيد للجماهير مع اختيار العنف الثوري والكفاح المسلح وسيلة لاستعادة الشعب الصحراوي العربي الإفريقي لحريته الكاملة ومن أجل إحباط مناورات الإستعمار الإسباني".
إبراهيم غالي (أو ابراهيم ولد الغالي، كما يدعوه المقربون منه) -وهو مسمار بوتفليقة على حائط البوليساريو- سبق له أن شغل منصب وزير الدفاع منذ لحظة التأسيس، كما كان من بين الأعضاء الذين اختارتهم اللجنة التنفيذية للجبهة من أجل مقابلة الملك المرحوم الحسن الثاني، إلى جانب محفوظ العروسي "الوزير الأول الصحراوي" وهو من قبيلة العروسيين ومن فرع الطرفاوي وبشير مصطفى السيد شقيق الوالي مصطفى السيد، مؤسس جبهة البوليساريو. وهذا ما استرعي انتباه محمد باهي الذي تستحضر "أنفاس بريس" هذا المقطع من قوله: "النواة المؤسسة لجبهة البوليساريو تنتمي كلها إلى المناطق الصحراوية المغربية التي لا يثور حولها أي نزاع، أي أن أفرادها من مواليد طرفاية وطنطان..".
ولد إبراهيم ولد الغالي في 16 شتنبر 1949 بالسمارة، وهو من قبيلة الركيبات. يتوفر على تجربة عسكرية حين كان يركب إلى جانب مصطفى ولد السيد موجة "العنف الثوري" ضد المستعمر الإسباني، لكنه، مع ذلك يعتبر كالعجين الطيع في يد جنرالات الجزائر الذين حولوه إلى دمية نشطة يحركونها كيفما شاؤوا وفق الأجندة المعادية للرباط، فالجزائريون يعرفون كل نقاط ضعفه منذ أن كان وزيرا للدفاع، وهم الذين حولوه إلى جسر لتسول السلاح من ليبيا، ومن مصر الناصرية، ومن المعسكر الشيوعي الآسيوي الذي كان يقوده الجنرال ذائع الصيت: جياب. بل الأدهى من ذلك حولوه إلى ورقتهم الرابحة التي لا تعارض ولا تناقش ما تجود به قريحة مدير المخابرات العسكرية الجزائرية المُقال قبل أشهر: الجنرال توفيق، الذي بنى مساره المهني على أساس معاداة المغرب.
ومن دلالة ضعف شخصيته ما قاله زميله السابق المحجوب السالك، منسق خط الشهيد، التنظيم الصحراوي الذي دأب على فضح انتهاكات "قيادة البوليساريو الفاسدة": "اختار الولي مصطفى السيد ابراهيم ولد الغالي لقيادة الجبهة عبر تعيينه أمينا عاما، وبعد سنة وشهور من تواجده في هذا المنصب، أثبت عجزه في تسيير الجبهة أو قيادتها، رغم أن عددنا ساعتها لم يكن يتجاوز 54 مقاتلا، إضافة إلى مناضلين قلائل كانوا يتواجدون ما بين طنطان والزاك والتندوف وبئر أم اكرين والزويرات واطار ونواكشوط والعيون والسمارة والداخلة، فما بالك اليوم وقد أصبحنا مؤسسات وجيشا وشعبا يقاسي مرارة العيش تحت الخيام، وحتى أنه وتأكيدا لفشله لم يتم انتخابه في المؤتمر الثاني ضمن قيادة البوليساريو، المعروفة باللجنة التنفيذية، بل كان مجرد عضو في لجنة العلاقات الخارجية، دون الحديث عن سوء أخلاقه المبنية على الانحلال الخلقي، التي يعرفها الجميع بالمخيمات، والذي كانت من بين ضحاياه عشرات الفتيات الصحراويات بالمخيمات اللواتي تم الزج بهن في السجون بسبب حملهن اللاشرعي. وكذا ملفه السيء الصيت في ما يتعلق بمرحلة الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، والاختطافات والسجون والاغتيالات التي مورست في حق مئات الصحراويين المعارضين لفساد القيادة وتلاعبها بمصير الناس الأبرياء، حيث ورد اسمه في اللائحة التي نادت المحكمة العليا الإسبانية بضرورة توقيفهم والتحقيق معهم حول جرائم الاختطافات والاعتقالات بالمخيمات الصحراوية جنوب التندوف، وهذا ما دفع الجزائر إلى تعيينه كسفير للبوليساريو في الجزائر، بعد أن كان ممثلا لها بمدريد خوفا من اعتقاله، وما قام به من أعمال يندى لها الجبين، في ما يتعلق بجوازات السفر وتسهيل الفيزا للفتيات الصحراويات من المخيمات للخروج من الجحيم نحو أوروبا، أمور يعرفها سكان المخيم قبل غيرهم ويتحدثون بها".
هذه شهادة رجل كان قريبا منه، وفرقت بينهم القناعات والاختيارات، غير أن ردود الفعل الدولية على تعيين ولد غالي زعيما للبوليساريو تؤكد أن السجل الشخصي للرجل غير نظيف. حيث استنكرت منظمات غير حكومية وخبراء دوليون تعيينه رئيسا، واعتبرت أن هذا التعيين يكتسي دلالة بالنظر إلى كون الحركة ليست سوى دمية في يد الجزائر.