في حوار أجرته "أنفاس بريس" مع الأستاذ نوفل البعمري، المحامي المتخصص في ملف أقاليمنا الصحراوية، أكد على أن تفويت رئاسة جبهة البوليزاريو لإبراهيم الغالي هو "نموذج لم يعد له مثيل في العالم إلا بكوريا الشمالية "، معتبرا معركة المغرب لن تكون أبدا مع البوليساريو مادامت هذه المنظمة الوهمية قد اختارت تسليم إرادتها للنظام الجزائري، بل هي معركة متعددة الجوانب متفرعة عن شقين. وذلك بحكم أن المواجهة العسكرية لم تعد مطروحة لاعتبارات جيواستراتيجية تهم أمن أوروبا بالأساس. وبالتالي فإن المعركة سياسية من خلال الفارق السياسي الذي أحدثه المغرب ونظامه، ومن جهة ثانية الحل السياسي الذي طرحته الرباط وأصبح يحظى بمصداقية متزايدة..
++ كيف تقرأ ترشيح إبراهيم غالي الفردي لمنصب رئاسة جبهة البوليزاريو وحصوله على نسبة 93.19 في المئة للتحكم في رقاب المحتجزين بالمخيمات؟
لدي فقط ملاحظة على السؤال، إذ لا يجب طرح الأمر وكأنه يتعلق بترشيح كما جاء في سؤالكم، أو أننا نتحدث عن ترشح وترشح مضاد، وتعدد المرشحين، كما لو أن الموضوع يتعلق بتنافس ديموقراطي عادي، بل نحن أمام فرض اسم لقيادة تنظيم البوليساريو للقرون المقبلة، مادام أن محمد عبد العزيز ظل في منصبه لحين وفاته. فنحن أمام أي شيء آخر إلا أن يسمى مؤتمرا، المعارضة سمته بالفضيحة، ومنها من سمته بمذبحة الديموقراطية، وهما وصفان يلخصان الوضع وما جرى. فالبوليساريو ومن ورائها النظام الجزائري حاولا أن يمثلا معا مسرحية بئيسة الإخراج، فرغم أن الأمر يتعلق بترشيح وحيد دفعت بالحاضر "بالتصويت"عليه، محاولينإيهام العالم وكأننا أمام تنافس حر حسمته صناديق الاقتراع الزجاجية التي أصر إبراهيم غالي على التقاط الصور أمامها. ما حدث هو تكريس لنفس الوضع القائم ويلخص طبيعة النظام الشمولي المسيطر بالمخيمات وعلى سكانها، وهو نموذج لم يعد له مثيل في العالم إلا بكوريا الشمالية. وبالعودة للمؤتمر السابق الذي انعقد في دجنبر الماضي برز اسمه في ذلك الوقت بل وتم تعديل القانون الأساسي ليكون على مقاسه وح،ده حيث نص على أن من سيخلف محمد عبد العزيز يجب أن يكون له ماضي عسكري وتلد مهام عسكرية، وهو ما ينسحب فقط على إبراهيم غالي لسببين: الأول أن جل أعضاء الأمانة العامة للجبهة يعتبرون من القيادات السياسية، وهو الوحيد من تقلد لسنوات طويلة مهمة وزير الدفاع
++ لماذا اختيار ودعم شخصية إبراهيم غالي لهذه المهمة القدرة من طرف قصر المرادية بالجزائر؟
تنصيب وفرض إبراهيم غالي جاء لعدة اعتبارات يمكن تلخيصها في أنإبراهيم غالي ينتمي للرعيل الذي سيطر على تنظيم البوليساريو بعد اغتيال الولي السيد، وهنا لابد من فتح قوس حيث أن ملف اغتيال الولي السيد يجب أن يفتح خاصة وأن هناك تقارير استخباراتية وإعلامية تتحدث عن اغتياله من طرف النظام الجزائري بسبب ما صرح به في حضور جنرالات جزائريين بكونهم هم من أخطأوا في حق الشعب الصحراوي، وما كان لهم رميه في حضن النظام الجزائري.
لنعد للسؤال، كما قلت إبراهيم غالي واكب عملية السطو على تنظيم البوليساريو وتحويلها من جبهة لمقاومة الاستعمار الإسباني إلى أداة في يد الاستخباراتية الجزائرية ولم يسجل عليه أنه انتقد يوما ممارسات الأجهزة الاستخباراتية الجزائرية، بل كان جزءا من أداتها للسيطرة على الجبهة، وعينها داخلها، وبالتالي تنصيبه اليوم هو تأكيد على استمرار نفس الخط ونفس العقلية التي خذلت سكان المخيمات وحولت شعبها وتنظيمها إلى مجرد أداة للتسول في الأسواق العالمية، وإلى حجرة في حذاء المغرب كما وصفها بومدين. يضاف إلى هذا اختيار إبراهيم غالي جاء لمعنى قبلي، فهو ينتمي لقبيلة ركيبات ولاد الطالب وهي من القبائل الموجودة بالمخيمات التي تدين بولاء مطلق للجزائر ولعسكرها، وأغلب أفرادها تربوا في حضن استخباراتها العسكرية. لذلك فالسيطرة عليه أمام المعطى القبلي تظل مضمونة، والذي يعرف ما يمر منه النظام الجزائري من تصدع داخلي وصراع أجنحة سيتأكد بأنه لن يغامر في تنصيب قائد آخر غير إبراهيم غالي التي تعرفه جيدا وتعرف ماضيه. . ومن جهة أخرى، ابراهيم غالي هو شخصية بالإضافة إلى تاريخه الدموي هو شخصية مطلوبة للعدالة الإسبانية بسبب شكايات تتعلق بجرائم تعذيب واختطاف واغتصاب للنساء....و النظام الجزائري عينه سفيرا لديها لتوفر له الحماية الدبلوماسية، كما أنه يعي هذا جيدا إذ لا يستطيع مغادرة الجزائر، ومن ثمة، يبقى التحكم فيه بسبب أنه مطلوب للعدالة الإسبانية جد سهل.
إننا سنعيش مرحلة القبول بالتحكم في القرار مقابل الحماية من المتاب.. لهذه المعطيات ظل إبراهيم غالي الشخصية الأنسب لقيادة الجبهة لاستسلامه الطوعي للإملاءات الجزائرية، ولسهولة التخلص منه في حال حدوث أي طارئ دولي أو تغير تكتيكي داخل النظام الجزائري.
++ كيف تتوقعون المواجهة القادمة في ملف الصحراء مع الجبهة سياسيا وديبلوماسيا وعسكريا؟
كما نعلم مواجهتنا على الأقل في 15 سنة الماضية لم تكن بيننا وبين البوليساريو، بل هي بين المغرب والنظام الجزائري واللوبي المساند له الذي بدأ يحاول تخفيف الضغط على الجبهة وعلى الجزائر من خلال المحاولات التي ظل يقوم بها للنيل من المغرب والانقضاض عليه في ظل اختلال التوازن الإقليمي الذي فرضه المغرب بسبب انطلاقته وقيادته لإفريقيا، وأيضا تحوله لنموذج سياسي يحتذى به على مستوى الإصلاح الحقوقي والسياسي والمؤسساتي. إن معركة المغرب لن تكون أبدا مع البوليساريو مادام اختاروا تسليم إرادتهم للنظام الجزائري، بل هي معركة متعددة الجوانب فيها شقين بحكم أن المواجهة العسكرية لم تعد مطروحة لاعتبارات جيواستراتيجية تهم أمن أوروبا بالأساس. وعليه، فالمعركة سياسية من خلال الفارق السياسي الذي أحدثه المغرب ونظامه، ومن جهة ثانية الحل السياسي الذي طرحه المغرب وأصبح يحظى بمصداقية متزايدة. فليس على المغرب إلا الانطلاق في تنفيذه لأنه مشروع وحل طرف للشعب الصحراوي، وأغلبية هذا الشعب اختارت البقاء بالمغرب والولاء له، ومعركة دبلوماسية داخل أروقة الأمم المتحدة وأجهزتها خاصة وأن بان كيمون مطلوب منه في 26 يوليوز أن يقدم تقريره حول عملية المفاوضات التي تجري بين الأمم المتحدة والمغرب لعودة المكون السياسي للمينورسو، التي اقترح المغرب مؤخرا عودة جزئية تشمل 25 عضوا، وهي معركة لن تتوقف مادام اللوبي الموجود داخل الأمانة العامة للأمم المتحدة اختار منذ مارس الماضي المواجهة المباشرة مع المغرب وخرج للعلن، وهي إشارة على قرب انتصار المغرب دبلوماسيا وأنه في تدبير هذا الملف يسير بفضل دعم حلفاءه وشركائه المتعددين والمتنوعين في الاتجاه الصحيح.
++ هل كان من الممكن اختيار شخصية بديلة لإبراهيم غالي قادرة على التعاطي مع راهنية ملف الصحراء المغربية وطرح الحكم الذاتي؟
يجوز طرح هذا السؤال لو كان سكان المخيمات يتمتعون بحرية الاختيار والرأي، والحال أنهم ممنوعون من حرية التعبير والتنظيم والاختيار الحر...وغيرها من الحقوق المدنية والسياسية المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. لهذا لا يمكننا إلا تأكيد هذا الواقع. واقع تنظيم عسكري تحول لمليشيا في يد النظام العسكري الجزائري. ويكفي أن نشير هنا إلى اعتقال المئات من أعضاء هذا التنظيم في ليبيا إبان ما سمي بالربيع العربي كجزء من القوات الليبية التابعة للقذافي وأبناءه. وبكل أسف، يبقى الوضع الحالي مؤشرا على استمرار نفس الركود الذي أصاب الملف، وظل سكان المخيمات ضحاياه الأساسيين.
قبل الختم دعني لو سمحت أتوجه لما سمي بانفصاليي الداخل الذين حجوا لحضور مسرحية تنصيب إبراهيم غالي، ونظرا للجرائم التي ارتكبها، هل يقبلون أن يدينو بالولاء لقائد مطلوب للعدالة بسبب اغتصاب النساء وتعذيب المعارضين؟ هل هذه هي الدولة التي ينشرون بها دولة يسوقها المجرمون والمطلوبون للعدالة؟؟؟ إنها مفارقة حقيقية في الوقت الذي يسمح فيه المغرب لهؤلاء بالتحرك بحرية وتأسيس الجمعيات "الحقوقية " هؤلاء "الحقوقيين" يختارون بدل النضال هنا وعلى أرضهم، يختارون؛ أن يرفعوا شارة النصر تحت يافطة حقوق الإنسان لتنظيم يقوده مجرم مطلوب للعدالة. أليست الجرائم التي ارتكبها تتعارض مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان؟؟ أم أن هؤلاء النشطاء لا يؤمنون بهذه المبادئ إلا عندما يتواجدون بالأقاليم الجنوبية؟؟.