تميزت خطابات الملك محمد السادس في المدة الأخيرة بنفس نقدي واضح، وبلغة مباشرة وقوية خارج أي تلميح، حيث أكد على ما يجمع المغاربة وما يوحدهم؛ وهو توجه يقوم أساسا على التشبت بالهوية، وعلى الحفاظ على «تامغرابيت» (الخصوصية المغربية) ومكافحة جميع أنواع التطرف.
وألح الملك في أكثر من مناسبة على التدين المغربي، وعلى عدم حاجة المغاربة إلى من يأتي من الخارج ليعلمهم الدين. غير أن هذا التوجه الملكي الواضح ينبغي أن يكون مسنودا برجالات ونساء مساحين باستراتيجية لتنزيله على أرض الواقع ولإدارته على الوجه الأكمل، وذلك بتجنيد مسؤولين وكفاءات في مختلف الطوابق الإدارية مقتنعون بهذه الرؤية بدل الاكتفاء بمؤسسات ضعيفة ومخترقة، وتعمل من أجل إضعاف دور إمارة المؤمنين في التدبير الديني.
إن تنزيل هذه الرؤية الواضحة القائمة على تطهير التدين المغربي من التأثيرات الوهابية أو الداعشية أو الإخوانية تتطلب مؤسسات قادرة على المواجهة، وعلى الترافع من داخل المرجعية المغربية التي راكمت ممارسة إسلامية تمتد على مساحة 12 قرنا، وعلى تحصين التدين المغربي الذي يحتاج إلى رؤية غير مخترقة من طرف سفراء الأصولية.
إن ما نعيشه من فوضى دينية يحتم وضع تصور مستعجل لتصريف رؤية الملك في برامج ومشاريع وتنزيلها على أرض الواقع، وربط المسؤولية بالمحاسبة. ذلك أن السؤال الذي ينبغي طرحه على وزير الأوقاف أحمد التوفيق هو: إذا كانت ميزانية الوزارة قد تضاعفت في ظرف 10 سنوات، فما هو السر في استمرار الاختراق الأصولي لمؤسساتتنا الإدارية وبالمجالس العلمية المحلية؟ ولماذا تحولت هذه المؤسسات إلى محاضن وأبواق للوهابيين والإخوانيين؟ لماذا أصبحت ضرائبنا تمول إنتاج التطرف وتنبث أعداء التدين المغربي؟