مصطفى المنوزي: غرور صاحبة الجلالة أو إرهاب الحقيقة الإعلامية

مصطفى المنوزي: غرور صاحبة الجلالة أو إرهاب الحقيقة الإعلامية مصطفى المنوزي

بكل تجرد، علينا جميعا أن نبذل مجهودا جبارا لكي نفلح في بناء المسافة الضرورية المفترضة مع كل ما يجري من وقائع، ونترك من له الصلاحية للحكم عليها، ما دامت تصنف ضمن التصرفات المخالفة للمنظومة الجنائية، دون أن نتساهل في السماح للتمثلات الثقافية والأخلاقية أن توجه القدر والقضاء. غير أن ظاهرة ننازع الاختصاصات، والتطاول على الصلاحيات، غالبا ما تحول دون بلوغ سقف النزاهة المتطلبة، أو على الأقل الانطلاق من عتبة الأخلاقيات المفترضة. ولعل التضخيم في دور الإعلام بالتمويه والتوهيم بكونه فعلا يشكل سلطة رابعة، تحول بفعل هذه السلطة الوهمية إلى فزاعة، دون أن تملك أي قوة قانونية تشرعن للترهيب الفكري والابتزاز الاجتماعي، اللهم  استعمال سلاح "الأخلاق" دون ترخيص، لأن المكلفة قانونا برعاية وازع الأخلاق الحميدة والنظام العام، هي مؤسسات يخولها الدستور هذه الصلاحية.

وقد يبدو ظاهريا أن الأمر يتعلق بتحولات حثيثة على صعيد الأمن القيمي، لكن دون أن ينجح المختصون في ضبط البوصلة بتحديد المنحى وتشخيص الوقع الإيجابي في الصيرورة المحتملة، مما يهدد بتضخم المهام واحتكار الأدوار باسم "الأمر الواقع". والحال أن الأمر يحتاج إلى تقييم/ ملاءمة للسلوكات وتقييدها بالقانون بدل الأخلاق، لأن الانتصارات التي حققها نظام الحسبة في المشرق، سوف تتكرر بصيغة ثانية في مغربنا باسم النهي عن الفساد والفحشاء، وهو انتحال أخلاقوي للصفة والصلاحيات، وتارات كثيرة تغلف "النوايا" بنفحة دينية.

صحيح أن الدولة تحاول تطويق المجتمع بتناقضاته، وبتوظيف كل التمثلات الممكنة من أجل تكريس قاعدة "بقاء الحال على ما كان"، باستعمال وسائل الإشاعة والإعلام وتحريف رسالة المنظومة التربوية من الأسرة إلى المدرسة، ثم الوقت الحر.

صحيح أيضا أنه علينا الدفاع باستماتة عن حرية التعبير وتكريسها حقا مقدسا، لكن ينبغي التمييز في هذا الصدد بين الرأي والنشر، لأن لكل منهما ضوابطه، وعلينا تعزيز حرية الرأي بحرية الفكر والمعتقد، في حين تظل حرية النشر مشوبة غالبا بعيب الريبة والتردد والاشتباه، مادامت المعلومة محتكرة كسلطة، تتماهى من خلالها، قسريا، الحقيقة النسبية مع القوة المطلقة، بنفس القدر الذي تتماهى فيه المنافسة بين السياسة المالية واقتصاد الدين.