عمر بن اعمارة: فڭيڭ أو الهجرة من صقيع المدينة إلى دفء الواحة؟

عمر بن اعمارة: فڭيڭ أو الهجرة من صقيع المدينة إلى دفء الواحة؟ عمر بن اعمارة

فڭيڭ، في السنين الأخيرة، وكلما حللت في هذه الواحة وصرت جزءا منها، إلا وشعرت وأحسست بإله الكون أقرب مني وإلي أكثر من قربه مني خلال وجودي بأي مكان آخر، وأنه يتجلى لي في كل لحظة وفي كل مكان، فأينما وليت وجهي فثم وجه الله، بل أكثر من ذلك أحس أنه يشمل هذه الواحة برعاية وعناية خاصة. وفي لحظات عديدة أسائل نفسي عن سر ومعنى وكذا مصدر هذا الشعور وهذا الإحساس؟

هل هو شعوري بالانتماء إلى هذه الأرض، وحبي لها أكثر من حبي لغيرها من أماكن هذا الكون الشاسع، يطفو ويظهر كلما نزلت ضيفا عليها وتراميت في تربتها وبين أزقتها، بساتينها ونخيلها، جبالها، فضائها وأهلها وتنفست من عبق نسيمها؟

هل لأن هذه الواحة تجيد السمع، وتحسن الإصغاء والإنصات إلي، وتتحاور معي في صمت وبلغة نفهمها معا أنا وهي، وبالتالي تبوح لي ببعض من أسرارها وتستوعب جزءا وافرا من فائض همومي، عكس الأمكنة الأخرى، الصماء والبكماء، التي تلتهمني، وفي رتابة قاتلة تحولني إلى  نظير سيزيف؟

هناك في واحتي كل شيء ينطق ويتحدث إلي، ولكل شيء هناك معاني ودلالات وخصوصيات، ذاكرة ونسيان وتاريخ، وكل شيء هناك يحمل من الأسرار، ما حول العدم إلى وجود والموت إلى حياة، ما حول القبح إلى جمال والظلمة إلى نور، هناك  اللامكان  تحول إلى مكان وأحدث الزمن المنفرد.

هل لألفة المكان والاستئناس المتبادل بيني وبينه؟ لقد صار جزءا مني بعد أن كنت جزءا منه. لقد استوطنني المكان بعد ما سكنته، وصرت أحمله بعد أن حملني.

أهي حفاوة الاستقبال وحرارة الأحضان ودفء الأسرة الصغيرة والكبيرة، بعيدا عن صقيع المدينة، جفائها وشحها الممتد إلى كل الجهات، بعيدا عن مجاملة زائدة عن اللزوم حتى تحولت إلى فائض من نفاق مستشري لا يحتمل، بعيدا عن واقع طافح  بطمع آتى على الأخضر واليابس؟

هل هي ذكريات الطفولة تحضرني وترحل بي إلى الزمن الجميل، إلى لحظات امتزجت فيها الفطرة بالبراءة وبعض من شغب ومشاكسة و"شيطنة" المراهقة؟ الطفولة التي كنا في لحظات عديدة منها نناجي الله، نطلبه أن يعطينا النجاح وأن يشفينا، ندعوه أن يعطينا المطر، نرجو منه أن يفك كربة القمر في لحظات الخسوف.. هذا الكوكب الجميل الذي ارتبطنا به في مناسبات وأفراح عديدة، إذ كنا ننتصب بقاماتنا النحيفة فوق سطوح منازلنا بعد الغروب للبحث ولرؤية الهلال بالعين المجردة ومهللين إعلانا وفرحا بقدوم شهر رمضان أو أحد الأعياد الدينية. الطفولة التي جعلتنا ننسج علاقة خاصة مع الشمس حيث منحتنا من أسرارها كيف نعمل على ضبط الوقت ونستغني عن الساعة وعقاربها، وذلك في أوقات الاستيقاظ من النوم، أوقات الذهاب إلى المدرسة، أوقات الأكل، أوقات الولوج إلى منازلنا، أوقات اللعب، أوقات الذهاب إلى البساتين والرجوع منها.

هل هو من سخاء أمي وكرمها معي؟ وذلك  بإكثارها من الدعاء والرجاء من إله السماوات والأرض بأن يحفظني ويرعاني وأن يهديني ويرضى علي ويمنحني العمر الطويل والرزق الحلال الوافر. وهي التي تردد دائما وباستمرار: "ليس بيننا وبين الله إلا حجاب كالذي يفصل التمر عن النوى".

هل لكوني في فكيك أستحضر بعضا من صور لأبي، وهو معتكف على كتابه "القرآن الكريم" في غض للسمع والبصر بشكل كلي دون أن يكترث ولو لذبابة أو لأزيزها؟ وهو الشيخ الورع المتقي الصامت، الذي تعلمت منه أن الدين عمل ومعاملة، الدين أخلاق وقيم، الدين ليس في القول والشكل، بل في السلوك اليومي، مع الجيران، مع الناس كافة دون فرز أو تصنيف، مع الحيوانات، بل حتى مع الأشياء، وأن جوهر الشيء في باطنه لا في ظاهره.

هل لأوجه الشبه والتماثل القائم بين الأمكنة التي نزلت فيها الرسالات السماوية وهذه الواحة؟ ربما لا ينقصها من زمن النبي إلا الكعبة والنية ولا تزيد عن ذلك الزمن إلا بالكهرباء والسيارة والأنترنيت.

هل من سحر الطبيعة وتنوعها؟ قرب الجبال، تعددها وتنوعها، كثافتها وتسلسلها، الحضور القوي واليومي للشمس، معاينة الشروق والغروب بشكل يومي، قرب السماء وصفاؤها، قرب القمر ووفرة نوره، النجوم وكثرتها، الظلام الممتد في كل الجهات، السحاب، السكون والصمت، الرياح، التراب، الحجر، الرمال، الفيافي والخلاء، الزواحف، الدواجن، الطيور والعصافير، الحشرات، الذباب، البعوض، الماء، النباتات، الأشجار، النخيل (تلك الشجرة التي جاءتنا من الجنة).

في الليالي الصيفية، على سطوح كل المنازل لوحة فنية تغري الجميع، هدوء وسكون تام إلا من بعض الأصوات، منها المطربة ومنها المزعجة لبعض المخلوقات الطيبة التي تتقاسم معنا هذا البلد: ضفادع، بعوض، جنادب "تبزبسين" "les grillions" ظلام مترامي الأطراف، كيف لظلام ألا يصنع الجمال في حضرة قمر منير وسماء صافية تؤثثها نجوم وهاجة بكثافتها غير المعتادة وغير المرئية في أماكن أخرى؟ لدرجة قال أحد الظرفاء: "في سماء فكيك توجد النجوم بكثافة أكثر من أي سماء في مكان آخر من هذا العالم".

هل لبساطة الناس، عفويتهم وتلقائيتهم، طيبوبتهم وتسامحهم؟ لا تصنع، لا استعراض لعضلات المال، أو السلطة أو العلم أو الجسد، لا لباس فاخر، لا بحث عن تميز ما. هناك في الواحة حتى المكان في طبيعته وطبعه غير مجبول وغير مؤسس لأن يستوعب ويظهر أكثر مما هو أساسي من حياة الإنسان وضروري لحياته.

هل لكثافة حضور قبور ومقامات الأولياء التي تسكن قلب وكل أركان وهوامش الواحة؟ وما للأولياء من رمزية وعلاقة بما هو روحي! وأنا المتسائل باستمرار عن سر ومعنى هذا الحضور القوي والكثيف؟ هل زمنهم تمدد وامتد إلى زمننا؟ ألا أحمل الآن نفس الإحساس والشعور الذي كان يسكنهم في زمنهم دون أن يعني ذلك أنني من طينتهم وأنتمي إلى عالمهم؟ قد أجازف وأقول أين وجدت أولياء الله فاعلم أن الله هناك قريب والشيطان بعيد.

هل لأن الشيطان قليل الحضور والتواجد في هذه الواحة، وبالتالي المسافة بيني وبينه عريضة مما يمنحني مساحة من الزمن للتفرغ لنفسي ومساءلتها بعيدا عن قلق فكري طافح وفائض وفزع لا متناهي؟ هل لأن في فكيك المكان والزمان يأخذان معاني ووظائف وأبعادا غير التي تعودنا عليها وألفناها في الأماكن الأخرى، وبالتالي هذا ما يجعلني أهيم وأسبح في البعد الروحي؟

هل لكوني تقدمت في السن، ولم أعد أنتمي إلى نادي الشباب، وأصبحت من قدماء هذه الأرض ومن كهولها، وصرت أميل أكثر إلى الهدوء والسكون والسلم وإلى كل ما هو بسيط، طبيعي ومسالم بعيدا عن صخب وضجيج، حركية وتلوث، فتن ومعارك المدينة؟ هل كل تلك العناصر المذكورة سلفا متداخلة ومتفاعلة فيما بينها؟ أو ربما لا هذه ولا تلك، بل فقط  التشبث والتقيد بسماع آذان الصلاة كمقياس لضبط المواعيد بعيدا عن عقارب الساعة و ضغوطاتها، فما أجمل وأعظم أن يكون موعد عملك أو سفرك أو أكلك أو نومك أو استيقاظك أو أنشطتك مقرونا بسماعك ذكر اسم إله الكون وتذكيرك به: ما بعد آذان صلاة الفجر كموعد للسفر، ما بعد آذان صلاة الظهر كموعد لتناول وجبة الغداء، ما بعد آذان صلاة العصر كموعد للالتقاء مع الأصدقاء بمقاهي "تاشرافت"، ما بعد آذان صلاة المغرب كموعد للوليمة (الصدقة)، ما بعد آذان صلاة العشاء كموعد لتناول وجبة العشاء، وبعد ذلك النوم أو اللقاء بالأصدقاء قصد السمر والسهر.

هذا التقسيم القديم/ الجديد والمنفرد للزمن الذي يستحضر ما بعد آذان الصلاة كأوقات محددة للمواعيد على الأقل أربع مرات في اليوم. "الله أكبر" أربع مرات في كل آذان للصلاة مما يجعلك تسمع هذه العبارة بصوت مرتفع على الأقل ست عشرة مرة في اليوم إن لم يكن اثنتين وثلاثين أو ثمان وأربعين أو ما يزيد عن ذلك حسب موقع تواجدك في لحظات الآذان، فالمآذن متعددة ومتقاربة فيما بينها، فبين مئذنة ومئذنة توجد مئذنة. "حي على الفلاح" أليس في هذا النداء الذي ينادي به و إليه كل مؤذن مرتين في كل آذان للصلاة ما يغري و يشد إلى التقرب أكثر من وإلى إله الكون؟

في فڭيڭ لا شيء غريب هناك، لا غربة ولا اغتراب ولا تشييء، هناك انفراد المكان والزمان، هناك الأنا والجمع، الجد والجدة، الأب والأم هناك، الأهل والأصدقاء هناك، البيت الذي رأيت فيه النور وتعلمت فيه كيف أحبو وكيف أمشي وكيف أتكلم وأنصت هناك، الأزقة والمساحات التي لعبت ومرحت فيها هناك، الوحل الذي لطخت به ثيابي وكذا جسدي هناك، المدرسة التي تعلمت فيها هناك، هناك تعلمت ركوب الحمار وكذا قيادة الدراجة، البساتين التي تعلمت واشتغلت وغرست ولعبت وصهرت ونمت فيها وأكلت منها هناك، النخلة التي رضعتها بعد أمي هناك، الصهاريج التي تعلمت فيها السباحة هناك، الجبال التي تسلقتها هناك، هناك ولدت وهناك ترعرعت وهناك ودعت طفولتي، مراهقتي وجزء من ذكرياتي، وباختصار كل جذوري هناك. أزقتها هي المكان الوحيد الذي أمشي عليه حافي القدمين (كما في شط البحر)، هي المكان الوحيد الذي أتجول فيه دون إنارة، أو حتى دون أن تشكل لي الظلمة مصدر خوف أو انزعاج (دون أن أنسى رحم أمي)، هي المكان الوحيد الذي أسير عليه دون أن أتحسس جنبي وجيوبي، دون أن ألتفت في جميع الاتجاهات، دون أن أكن في حالة استنفار. واحتي هي المكان الوحيد الذي لا أعير فيه أدنى اهتمام أو تركيز لإقفال باب المنزل، بل في مرات عديدة يبقى طوال الوقت نهارا وحتى ليلا مفتوحا دون حتى أن يوارى. هناك في واحتي حتى التراب طاهر، لم يكن ولم ينظر إليه مرة ما كغبار أو كأوساخ.. وأتذكر في الطفولة كم من لعبة صنعناها وكم من ألعاب لعبناها من طين ومن تراب (لعداد، خلوضة، غاتير، لفتوح، أخلول، أقشود، إبودا، تكحيين، تدرين)، بل كم منا كان يتذوقه أو حتى يلتهمه في غفلة من أهله وذويه، من منا لم ينم على الأرض وهو مفترش مباشرة التراب، دون حتى حصير، وهو موسد السطور أو مصاطب أو يده، ولو في لحظة قيلولة عابرة  تحت ظل نخلة؟ من منا لم يختلط عرقه ودمه بتراب الواحة؟ ومن منا لا يحمل في أحشائه نصيبه من تراب الواحة، قد يكن في حجم طوبة أو ما يزيد عنها؟ -ألم يخلق الإنسان من تراب؟- على جدران الواحة أصابع آبائنا وأجدادنا مرسومة ومنحوتة، على بساتين الواحة عرق وجهد آبائنا وأجدادنا مسكوب ومكتوب.

في فڭيڭ نعيش لحظات ونحن سواسية كأسنان المشط، لا فرق بين غني وفقير، بين عاطل ومشتغل، بين دكتور وشيفور (سائق)، بين أستاذ جامعي وطلبته، بين مهندس وفلاح، بين القادم من نيويورك والقادم من الماروك (المغرب)، بين عاقل ومعتوه وحكيم.

في فڭيڭ الفضاء العام غير قابل وغير مؤهل لعرض وتأثيث وبالتالي استيعاب بعض مظاهر البؤس الاجتماعي التي نحياها بشكل مكثف ويومي في المدن وحتى القرى والدواوير، لا مكان هناك للمتشردين أو الشحاذين والمتسولين، لا مكان هناك للنشالين، فضيق وقلة ذات اليد لا يعني بالضرورة أن تمد للآخرين، ليس هناك مساحة لبائعي السجائر المتجولين، ولا مجال لماسحي الأحذية، فتراب وغبار الواحة أنظف من الكريمات والملمعات المصطنعة، والشمس والرمال أحسن وأمهر ملمع، أو ربما الأصابع لا تشير والعيون لا تمتد ولا تصوب نحو الأرجل والأقدام من أجل تصنيف الناس وتقييمهم هناك.

أليس في الابتعاد عن صخب وضجيج المدينة والتخلص من عنفها المادي واللغوي والاستراحة من ضغط العمل والبحث عن القوت اليومي ما يمنحك مساحة من الزمن لتختلي بنفسك، تتصالح معها، تتحدث إليها وتستمع لها؟

في فڭيڭ أتحرر من صرامة الوقت والارتباط بعقارب الساعة وأرقامها، أتخلص من ثقل ورتابة متابعة ومراقبة أطفالي، أستقيل من وظيفة مقتصد، معلم وشرطي الأسرة، أكف عن مراقبة نفسي، لغتي، هندامي، لباسي، كل شيء في، أهجر أثاث فراش لم يصنع من أجلي وأفترش ما يشبه الأرض (تحلاس، تشضفين، إجرتال)، أبتعد كثيرا عن الجرائد، عن الكتب، عن الهاتف، عن المذياع، عن التلفاز، عن الأنترنيت، أتخاصم مع المرآة، وأضع أو بتعبير أدق وأوضح، توضع مسافة بيني وبين زوجتي، بل حتى أطفالي يتحررون من كونهم رهائن لي، لأمهم، للعمارة وللجدران الأربعة.

فڭيڭ، الواحة المحاصرة والممزقة الأطراف بفعل طاعون السياسة والمصلحة، اللامكان يتحول إلى مكان والمحدود فيها يتحول إلى اللامحدود، أو كما قال أحد حكماء الواحة عندما لاحظ هناك الأطفال يلعبون ويمرحون وهم في أمان وحرية تامة إذ خاطبهم قائلا: "لا عليكم يا أطفال لقد وجدتم كل الفسحة والرحابة في الأرض المحدودة التي تشكو الضيق".

أليس في الكف عن استعمال الإنسان كمجرد أداة لتأثيث فضاء يعرض فيه كأرقام صالحة للعد والتعداد وكآلات  للإنتاج وإن أصيب بأعطاب ما يجعله يسترجع إنسانيته ويتصالح مع ذاته؟

في فڭيڭ أحس بوجودي كإنسان لا كآلة إنتاج، كانتماء إلى علاقات اجتماعية، إلى أسرة كبيرة، إلى جماعة، إلى طفولة، إلى حلم أجهض، إلى وهم تحقق، إلى ثقافة، إلى تقاليد وعادات، إلى ذاكرة ونسيان وتاريخ، لا مجرد فاصلة في نص بدون طعم، أو رقم في عملية حسابية بدون حاصل.

في فڭيڭ أشعر بكينونتي نخلة ضاربة بجذورها في عمق الأرض، وبطول جدعها في رحابة السماء، وبخضرة سعفها (ترضوين) في بهجة الحياة، وبوفرة تمورها في حب الناس، وبعمرها المديد في تخوم التاريخ، صامدة لن تزحزحها أية ريح مهما عصفت وزمجرت، وليس مجرد ورقة صفراء في غصن شجرة تتساقط وتتهاوى على الأرض مع أي نسيم هب.

في فڭيڭ أتحدث بلغتي، لغة الأم التي رضعتها، وأول ما عرفت الله عرفته هناك وبهذه اللغة وتحدثت إليه بها، طلبته ورجوته بها، وكان يستجيب لي بها دون أن نحتاج أنا وهو إلى ترجمة أو مترجم أو تشويش من وسيط، كما لم أستعن يوما ما بكتب الدعاء المستجاب أو المستحب أو ببصمات الفقهاء، أو بمصفاتهم أو بتأشيراتهم، بل فقط البراءة والنية.

نعم في ديننا الله موجود في كل مكان وكل زمان، ودائم الحضور إلى جانبنا، وهو القريب منا وإلينا من حبل الوريد، أو كما تردد أمي دائما: «بيننا وبينه فقط حجاب كالذي يفصل التمر عن النوى»، وهو الذي يقول لنا دون ملل أو انقطاع: «أدعوني أستجب لكم أينما كنتم، أينما حللتم وارتحلتم». لكن هناك في فكيك أحس أنه أقرب مني وإلي أكثر من قربه مني وإلي في أي مكان آخر وفي أي زمن آخر غير زمن فكيك.

هناك في فڭيڭ تجد نفسك وتجتمع إليها بعد أن تكن بحثت عنها في كل مكان دون جدوى.

هناك في فڭيڭ منسوب الفتنة يدنو ويقترب من درجة الصفر.

هناك في فڭيڭ يتم العبور والانتقال من حالة كلب إلى حالة قط.

هناك في فڭيڭ ترسو وتخبو النفس المتوترة وتطفو وتبدو النفس المطمئنة.

هناك في فڭيڭ حقل مغناطيسي وجاذبية، للطبيعي، للفطري وللروحي. وفي مقامك هناك تقترب وترتشف منهم.

لن أقول كلما أحل بفكيك يزداد إيماني أو شكي. لن أقول بنظرية أو بفعل الحلول كما هو الشأن عند بعض المتصوفة، أو عند بعض الديانات الشرقية. لكن أقول هو شعور وإحساس. وهل من سر ومعنى لهذا الشعور ولهذا الإحساس؟