هل استطاعت حكومة بنكيران أن تربح الجولة الأولى من تحديها وتعنتها بتمرير قوانينها الخاصة بما تسميه إصلاح التقاعد، وذلك بعدما تم التصويت عليها من طرف الغرفة الثانية بالبرلمان؟ وهل تمكنت الأغلبية بقيادة البيجيدي من اختراق الجبهة النقابية ولي أذرعها بعد انسحاب بعض أطرافها وامتناع بعضها الآخر عن التصويت في عملية اعتبرها بعض المتتبعين بالصفقة المشبوهة؟ خلفيات ما وقع يشرحها محمد الوافي، عضو الأمانة الوطنية للاتحاد المغربي للشغل، في الحوار التالي الذي أجرته معه "أنفاس بريس":
+ كيف تفسر تمرير قانون التقاعد والمصادقة عليه من طرف الغرفة الثانية في هذا الظرف بالذات؟
- إن السياق الذي تم في إطاره تمرير قوانين الحكومة الخاصة بالتقاعد لم يكن وليد اليوم، بل بدأ منذ طلع علينا رئيس الحكومة بمشروع قرار ما يسمى إصلاح التقاعد، وهو القرار الذي لم يسبق أن طرحه في برنامجه الحكومي مع الأحزاب المتحالفة معه إبان الانتخابات.. ولم تبدأ إرهاصات هذا القرار إلا سنة 2012، كما لم يشرع رئيس الحكومة في محاولات تمريره إلا في سنة 2013.. وقد تصدت وأجلت المركزيات النقابية هذا المشروع لمدة حوالي 4 سنوات، بعدما شعرت بأن مستقبل الطبقات العاملة والفئات الشعبية العريضة بات مهددا بفعل السياسات الليبرالية المتوحشة اللاشعيية، والتي تستهدف جيوب العاملين والموظفين والفقراء عموما. وبفعل نضال هذه المركزيات وحسها الوطني، تم تأسيس تنسيقية نقابية بدأت تشتغل من 2013 بشكل جماعي ومتشبثة بالعمل المشترك، على الأقل في حده الأدنى. وكان من نتائج ذلك أن قاومنا بوحدتنا النقابية، أولا مشروع رئيس الحكومة، وتبلور ذلك ثانيا في تنظيم الوقفات الاحتجاجية والمسيرات والإضرابات، كما تشبتنا ثالثا بموقفنا في الدفاع عن مصلحة الموظفين عبر جميع المنابر الإعلامية وفي المحافل الوطنية، كغرفة المستشارين وفي الندوات وكذلك مع حلفائنا بالخارج كالاتحاد الدولي للنقابات.. وخضنا بالتالي صراعا مريرا مع الحكومة التي كان لها حلفاء يساندونها من الأغلبية إضافة إلى ما تتوفر عليه من سلطة وقوة، وهي من العوامل التي ساعدتها في تمرير مشروع قانونها الفاقد للشرعية.. وهو ما تجسد من خلال واقعة حضور وزيرين في أشغال لجنة المالية والتخطيط في مجلس المستشارين.. وبالرغم من انسحاب النقابات يقوم الوزيران بعرض مشروع الحكومة حول التقاعد وسط الهرج والمرج أمام ثلاثة مستشارين فقط من أصل 120 مستشار!! أليست هذه مهزلة تؤكد بأن المشروع المقدم فاقد للمصداقية؟! ثم ومن الجانب القانوني، فإن المسطرة تقتضي مرور على الأقل 48 ساعة ما بين المصادقة عليه في اللجنة وعرضه في الحلسة العامة للغرفة الثانية، وهو ما لم يقع، وتم خرق سافر للمسطرة من طرف الحكومة، التي قدمت المشروع للجلسة العامة مباشرة بعد مصادقة لجنة المالية دون احترام المدة.. وكل هذه الاختلالات المرتكبة تفقد المشروع الحكومي شرعيته ومصداقيته.
+ لكن من بين العوامل كذلك يتم الحديث في الكواليس عن مناورات تحكمت في تمرير الملف تتهم فيها مساهمة وتواطؤ بعض المركزيات النقابية؟
- أعتقد بأن الزمن اليوم ليس زمن المحاسبة أو التخوين وتبادل التهم بين النقابات، بل لا بد من استمرار المقاومة والنضال من أجل الوقوف ضد المشروع حتى بعد انتقاله إلى الغرفة الأولى وعرضه على مجلس النواب، وذلك بالتوجه إلى الفرق البرلمانية ورؤساء الأحزاب السياسية من أجل أن نشرح لهم بدورهم موقفنا ووجهة نظرنا، وذلك حتى نتمكن على الأقل -حتى ولو صادقت عليه هذه الغرفة أيضا- من أن نكسب الموافقة على بعض التعديلات التي نقترحها حتى تحفظ ماء وجه الموظف المقبل على التقاعد بعد سنوات من الجهد والكد، والذي يكافئه في آخر المطاف بنكيران بتقاعد بئيس وينزل بكل ثقله وقوته على جيوب الموظفين، ويفرض ما يسميه إصلاح أنظمة التقاعد والمعاشات المدنية، في الوقت الذي لا يناقش فيه رئيس الحكومة لا تقاعد البرلمانيين ولا تقاعد الوزراء، كما يتم غض الطرف عن محاسبة الحكومة التي هي المسئولة الوحيدة عن تدبير الصندوق المغربي للتقاعد منذ 60 سنة!!
+ كنتم تطالبون بأن يناقش ملف التقاعد في مؤسسة الحوار الاجتماعي من جهة، ثم طالبتم فيما بعد تعثر هذه الآلية بتكوين لجنة تقصي الحقائق.. كيف تفسر إخفاق الجبهة النقابية في محاولاتها؟
- لا ينبغي أن ننسى أننا أمام تحالف كبير بين الحكومة وحلفائها وشركائها، بدءا من صندوق النقد الدولي الذي يحرص على أن تنفذ مثل هذه التوجيهات سواء بالنسبة للمغرب ولدول أخرى مماثلة، والحكومة المغربية من أجل أن تبين مدى استيعابها لدروس هذا الصندوق الدولي، أقسمت أن تمرر مشروع التقاعد إرضاء لتوجيهاته، وربما أملا في الحصول على المزيد من الديون. وأعتبر شخصيا أن ما جرى في جلسة مجلس المستشارين التي تمت فيها المصادقة على مشروع الحكومة هو ارتباك فقط ولا يصل إلى المؤامرة، وإن كنت لا أستبعد أن تكون وراء ذلك أطماع انتخابية ربما من بعض الجهات من النقابات التي لها علاقات وطيدة مع الأحزاب. وأعتقد أنه لو لم يكن انسحاب بعضها لما كان التصويت لصالح المشروع.. ثم أؤكد مرة أخرى بأن عدم تصويتنا على المشروع ليس معناه بأنه لن يمر لأن الحكومة ستعرضه على الغرفة الأولى في جميع الأحوال. وجدير بالإشارة بأن هنالك معطى رمزيا مهما جدا يتمثل في كون هذا القانون فاقد للمصداقية والشرعية منذ بداية عرضه على لجنة المالية والتخطيط بالغرفة الثانية، وبالتالي فسيظل قانونا ضعيفا حتى ولو صودق عليه من طرف الغرفة الأولى، وسيبقى لنا الحق دائما في مطالبة الحكومة المقبلة أو الفرق البرلمانية في الولاية التشريعية القادمة بإعادة إثارته مجددا ووضعه في مجراه الطبيعي الذي هو الحوار الاجتماعي مع النقابات كي يحظى بالتوافق ويحقق الربح للجميع.. وهذا هو أملنا...