حسن بيريش: عبد الإله بنكيران.. وعد المغاربة بالمستحيل وفشل في إنجاز الممكن..!!

حسن بيريش: عبد الإله بنكيران.. وعد المغاربة بالمستحيل وفشل في إنجاز الممكن..!! حسن بيريش

1- الصمت بعدة لغات:

في المسافة بين صمت السياسة وسياسة الصمت، يقف عبد الإله بنكيران ليقول لنا:

هنا حدودي لا أتجاوزها.

إنه لا يفتر عن الكلام.

غير أنه يصمت بعدة لغات.

وما بين كلام يوازي الصمت، وصمت يبلغ حد الجهارة، تصبح السياسة مفتاحا للمناورة. ويغدو المنصب غاية.

هنا تكمن محنة بنكيران:

كيف يصمت في أوج كلامه.

وكيف يتكلم في عز صمته.

والحل دائما جاهز:

أن يقول كل شيء ولا شيء في الوقت نفسه..!!

هذا الحل يقتضي مهارة خاصة في تبني خطاب شعبوي يشحن بطارية الآمال بهواء الكلمات.

ورئيس الحكومة -حين كان رئيسا- ضليع في الاحتكام إلى هذه المهارة.

2- الإحباط ظل للسياسة:

بنكيران طراز وحده في السياسة.

إنه قاد العمل الحكومي غير المتجانس بنفس الطريقة التي قاد بها حزبه العدالة والتنمية:

- أمل يسبقه إحباط.

- إحباط يلحقه أمل.

في المحصلة:

وحده الإحباط ظل للسياسة.

وكل الوعود ممنوعة من الصرف.

بيد أن من كان رئيسا للحكومة ما زال -للعجب- مصرا على إقناع المغاربة بأنهم يعيشون زمن الأمل، وهو نفسه فقد هذا الأمل..!!

ما من غرابة.

لأن الطبيعة الشخصية لبنكيران هي نفسها طبيعته السياسية.

الفرق في الدرجة لا في النوع.

إنه لم يكن يمارس السياسة باعتباره رئيساً لحكومة المغاربة.

بل مارسها بحسبانه زعيما للعدالة والتنمية.

لذلك الحكومة عنده هي الحزب.

والحزب عنده هو الحكومة.

كان يسير بسرعة كبيرة.

لكن بواسطة الكلام لا الإنجاز.

لذلك نلمس -ويلمس هو أيضا- أن أي خطوة كان يخطوها إلى الأمام تعقبها خطوتين إلى الوراء.

بيد أن الكلام سائر لا يتوقف..!!

3- الذاكرة في مواجهة النسيان:

كان بنكيران يدرك أن هامش التحرك أمامه واسعا.

غير أنه أدمن الانتظار.

وكان يعرف أن له اختصاصات دستورية.

بيد أنه فضل الركون إلى التعليمات.

- هل لأنه فعلا كان يعلم أكثر من غيره أن رئيس الحكومة في المغرب هو مجرد (منفذ!!) للسياسات العمومية التي تصاغ داخل المؤسسة الملكية!؟

- أم لأنه كان مرنا إلى حد يجعله يقنع بحمل عصا مايسترو الجوقة دون أن يحركها على إيقاع النغمات السياسية؟!

في حالتيه معا:

رئيس الحكومة السابق كان يتقن -جيدا- الانحناء السياسي أمام عواصف المخزن.

وبرع جدا في إرغام ذاكرته على نسيان ما قاله للمغاربة إبان الحملة الانتخابية:

"إذا أحسست  بأن أحدا ما يفرض علي ما لا أريد وما لا أقبل سأترك الجمل بما حمل..."

ما أصعب إشهار الذاكرة في مواجهة النسيان، حين يكون الثمن منصب رئاسة الحكومة..!!

4- من المعارضة إلى الحكم:

مثل أي رئيس حكومة سابق، نجح بنكيران في التخفف من أعباء قناعاته، ليساير وضعا هو فيه مجبر على أن يكون خيطا في نسيج ما هو معمم وموروث.

لذلك كان رئيس الحكومة يردد -في قرارة قلقه- كل صباح وهو ذاهب إلى مكتبه، المثل الشعبي:

"للي ضربتو يديه ما يبكي".

ويردد كل مساء وهو يغادر مكتبه مثلا شعبيا مغايرا:

"أح على غدا.. أما اليوم عدا".

ما بين 20 يوليوز 2008، تاريخ انتخابه أمينا عاما للعدالة والتنمية، و29 نونبر 2011، تاريخ تعيينه رئيساً للحكومة:

تدرب بنكيران -بمهارة- على المقارنة بين امتيازات زعيم المعارضة، ومزايا مايسترو العمل الحكومي.

وخلال المائة يوم فقطمن جلوسه على مقعده الوثير، أدرك كل مواطن "تفرج" على الخرجات الإعلامية لرئيس الحكومة، أن بنكيران:

وقع وثيقة الطلاق مع عارض يعارض معارضة.

وارتبط أبديا بامتياز مع حكم يحكم حكومة..!!

فهل انطبقت قولة المفكر عبد الله العروي حول عبد الرحمن اليوسفي على عبد الإله بنكيران:

"ليس المهم كيف دخل إلى الحكومة. المهم كيف سيخرج من الحكومة"؟؟!!

5- غيوم اليأس في سماء الوطن:

يوم دخل إلى دار المخزن، قال بنكيران للمغاربة:

"لكم الشكر لأنكم غرستمونا في قلوبكم بالمحبة وأخرجتمونا نخلة باسقة تسر الناظرين."

ويوم غادر مقر رئاسة الحكومة، قال بنكيران للمغاربة بشكل ضمني:

"اغفروا لنا أيها المواطنون.. فنحن لم نكن في الحكم، بل كنا بالقرب منه فقط.."!!

كان زعيم البيجيدي قويا حين وظف خطابه الشعبي ليزرع بذور الأمل في نفوس المغاربة.

ثم استعمل دهاءه السياسي ليخفي تبدد الشعور بالتغيير لدى الناس.

تساقطت الكثير من أمطار التغييب السياسي. بيد أن بنكيران ما تمكن يوما من إزالة غيوم اليأس المتراكمة في سماء البلاد وقلوب العباد..!!

6- السياسة ورطة كبيرة:

وعد بنكيران جميع المغاربة الذين أجلسوه على مقعد رئاسة الحكومة بالمستحيل.

لكنه لم ينجز لهم حتى الممكن.

فأصبح الشعور بخيبة الأمل الآفة التي يقتسمها كل المغاربة منذ سنة 2011!!

كان يظن أن رياح التغيير قد تهب وفق ما تشتهيه المرحلة العصيبة..

ثم جاءه اليقين من داخل مطبخ القرار السياسي.

وأبى أن يصدق أن السياسة في المغرب غير مسموح لها أن تغادر الكلام إلى الفعل!!

7- لست وحدي مطيعا:

قال بنكيران عن نفسه في الماضي:

- لست وحدي اتحاديا.

وقال عن نفسه في الحاضر:

- لست وحدي إخوانيا.

وسيقول عن نفسه في المستقبل:

- لست وحدي منفذا فاشلا..!!

8- تدنيس طهارة الصمت:

في إحدى خرجاته الإعلامية، التي يكون فيها التنكيت حاضرا بقوة، وضع بنكيران كفه على فمه وقال:

"راه وحد الكلمة خايبة في فمي خليوني ساكت.."

يبدو أن السي بنكيران أبدا لم يجد لحظة من زمن ضغوطات العمل، حين كان رئيسا للحكومة، ليقرأ قولة صامويل بيكيت الرائعة:

- لابد من تدنيس الصمت.

9- مآل الإعفاء الحتمي:

يوم أعفى الملك محمد السادس عبد الإله بنكيران من منصبه رئيسا للحكومة، شعر ملايين المغاربة بالارتياح!!

ويبقى السؤال:

- هل كانت فرحة الناس برحيله صدفة!!؟؟

- أم كان جلوسه على مقعد رئاسة الحكومة هو الصدفة!!؟؟