كمال هشومي: لا أستبعد تحالف الاتحاد الاشتراكي مع العدالة والتنمية شريطة وضوح البرنامج

كمال هشومي: لا أستبعد  تحالف الاتحاد الاشتراكي مع العدالة والتنمية شريطة وضوح البرنامج

مجموعة من الأسئلة ارتأت "أنفاس بريس" أن تحيلها على الدكتور كمال هشومي (أستاذ بكلية الحقوق الدار البيضاء)، بخصوص استعداد الأحزاب لاستحقاقات 07 أكتوبر من السنة  الجارية، وتلكؤ الحكومة بخصوص القوانين التنظيمية للانتخابات، والتحالفات الممكنة مستقبلا، وتراجع دور المعارضة في القيام بالمهام المنوطة بها دستوريا، فكان معه الحوار التالي :

+ نحن على مشارف استحقاقات 07 أكتوبر 2016، ومع ذلك ما زالت الحكومة تتلكأ في إخراج القوانين المصاحبة لهذه المحطة بعد لإقرار دستور 2011؟؟

- للأسف وبكل موضوعية، أصبحت مقتنعا أن هناك من يعاكس المسار الذي نهجه المغرب بتراكم الانجازات والاختيار نحو انتقال ديمقراطي رصين هادئ وحكيم، والمسؤولية في نظري يتقاسمها الجميع أكيد، لكن يبقى حظ الأغلبية الحاكمة كبيرا في هذا الشأن، والمتجلي في مجموعة من التخبطات والمبادرات الترقيعية التي ترتبط بتدبير الشأن العام، وما طرحتم اليوم فيما يخص القانون التنظيمي المرتبط بالانتخابات الذي سيحتكم إليه المتنافسون ليوم السابع من اكتوبر من السنة الحالية خير دليل على ذلك، وإن كان دليلا بسيطا فيما يخص تفعيل روح الدستور الذي توافق عليه المغاربة، والذي يبدو أنه لم يعد أفقا ديمقراطيا بسبب هذه التصرفات والمبادرات. فمن المفروض أن يكون القانون التنظيمي الانتخابي قد تم تقديمه للمجلس الوزاري، وتم عرضه بالبرلمان من أجل المناقشة والمصادقة، حتى يتسنى للجميع أحزابا ومواطنين من التهييء الصحيح، وفي جو من الوضوح والشفافية لهذا التمرين الديمقراطي، في فترة انتقالية تتطلب الوضوح من أجل الانتقال إلى ترسيخ ديمقراطي حيث سيادة دولة المؤسسات وفصل السلط، والوضوح بين الاختيارات السياسية ووفق أقطاب وتكتلات واضحة. لكن للأسف لغاية اليوم ما زالت هناك كواليس وتوافقات تصنع من أجل الاتفاق حول شروط اللعبة، وهو شيء ليس عيبا لكن يجب أن يتم وفق شروط واضحة، توافق الروح الديمقراطية للمسار الذي يفرضه هذا المسلسل الديمقراطي، ويجب أن ننتبه أنني استعمل مصطلح روح القانون أي المرجعية والسياق والهدف الذي من أجله توافق المغاربة وناضلت من أجله القوى الوطنية الديمقراطية عبر مسارها ومنها حركة 20 فبراير. هذا من جهة، ومن جهة أخرى أود أن أطرح مشكلا آخر لا يتم الانتباه اليه هو مشكل التقسيم الانتخابي المعتمد حسب الدوائر الانتخابي والذي دائما ومنذ أول دستور لسنة 1962 يتم بمرسوم لوزير الداخلية يتم التنصيص عليها ضمن مواد القانون التنظيمي للانتخابات المعنية، حيث ينص هذا القانوني على "تحدث الدوائر الانتخابية" بمرسوم.

وكما أشرنا فمن البديهي أن إحالة هذا الاختصاص إلى السلطة التنظيمية لا يشكل تجديدا قانونيا في القانون الدستوري المغربي. غير أنه وفي إطار روح الانفتاح والحوار الديمقراطي وبهدف توسيع التفكير و إثارة الاقتراحات أكثر ما يمكن لدى الفاعلين في الحياة النيابية، فإن الحكومة يكون من المفروض ألا تتجاهل التساؤلات والمخاوف التي تبقى مشروعة والتي ما فتئت تثيرها مسألة التقسيم الانتخابي في كل زمان ومكان. وحتى بالنسبة للتشريعات التي تدرج هذا الاختصاص في مجال القانون، فإنها عليه ان تنتبه إلى كافة الاحتياطات اللازمة. وإن هذا الانشغال ينجم عن المخاطرة المحتملة للمس بالمبادئ التي يتعين على كل تقسيم الارتكاز عليها أي المساواة والتمثيلية.

+ في اعتقادك ما هو سبب تراجع الصراع المحموم منذ اعتلاء هذه الحكومة لسدة الحكم بين الأغلبية والمعارضة، خلال الفترة الأخيرة؟؟

- تطبيق هذه المبادئ يبقى أحيانا مجرد شعار لا يتم احترامه ومراعاته إذ يتم الى اللجوء إلى بعض الاستثناءات خدمة لأجندات معينة. هذا السياق الغير السليم الذي بسطناه لا يمكن أن يؤدي إلا إلى مؤسسات -أعيدها وأكررها- غير صلبة قد تعصف بها أي رياح ولو كانت درجة سرعتها بطيئة، فحماية لدولة المؤسسات هو تقوية والفصل بين السلطات وتكاملها، وأساسا السلطة التشريعية الذي تعتبر تفويضا من الشعب لحكمه، والسلطة التنفيذية في الواقع هي امتداد للسلطة التشريعية تشتغل تحث رقابتها بناء على توافقات وأسس ديموقراطية تختزل في العدد، وهي طريقة لغاية اليوم تعتبر ديمقراطية إلى حد ما باعتبار النظام المعتمد. الشيء الذي يجعل من الحزب الذي يحصل على المرتبة الأولى خلال الانتخابات يقود الحكومة بشرط أن يضمن أغلبية لحكومته بناء على تحالفات. هذا الأمر يجعل الرئيس المعين يبحث مبدئيا التحالفات مع الأحزاب التي تليه في الترتيب أو القريبة منه إيديولوجيا وفكريا، أو قد تتدخل أمور وترتيبات أخرى تجعل من العملية غير خاضعة لأي منطق، ما دام أن الدستور لم يقنن هذه العملية، لكن الشرط الوحيد من حيث العمل هو ضمان أغلبية مصاحبة للسلطة التنفيذية مدافعة وحامية لها من الأقلية التي تتحول إلى معارضة.

وفي حالتنا اليوم وبعد مضي ما يقارب الفترة التشريعية الكاملة يبدو انه رغم الصراع المحموم بين الأغلبية والمعارضة منذ بداية الحكومة الحالية، وما عرفته في الثلث الأخير من تدبيرها، فانه (الصراع) بدأ يخفت نوعا ما، فبعد التأسيس لقاموس سياسي متنوع وجديد على مستوى تبادل الاتهامات بحدتها وقوتها، يبدو أنه يصعب القيام بدراسة علمية موضوعية من أجل التقييم. فمن جهة أولى فالحكومة ترفض كل التقييمات التي تقدمها المؤسسات الاستشارية والاستراتيجية ومنها الدستورية؛ سواء تعلق الأمر بمستوى معدل النمو المسجل أو المحتمل، أو مستوى الارتقاء بالحقوق والحريات، ووضعية الاقتصاد ودرجة فعاليات المشاريع الكبرى المهيكلة... وغيرها، تجد الحكومة رافضة كل تقييم سلبي وإن كان مبني على مؤشرات موضوعية وواقعية، وحتى تلك المدرجة كذلك من بعض المؤسسات الدولية المانحة إلا إذا كانت في صالح الحكومة، مما يطرح السؤال اليوم عن جدوى دسترة مجموعة من الهيئات، وغيرها من المؤسسات التي تكلف الدولة ميزانية مهمة، وتحتضن خبرات مغربية ودولية في اختصاصات متنوعة لكون الحكومة لا تنظر بعين الرضا إلى تقاريرها وتوصياتها، ومنها على سبيل الذكر لا الحصر؛ المندوبية السامية للتخطيط، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مجلس المنافسة، الهيئة المركزية لمحاربة الرشوة، بنك المغرب.... إلى غيرها من المؤسسات. ومن جهة ثانية، ما يزيد من تعميق المشكل وترك مساحة مهمة للحكومة من أجل اللامبالاة، هو تشتت المعارضة عبر مكوناتها الغير المنسجمة والتي في اعتقادي لا تشتغل ككتلة واحدة ووفق أهداف عامة مشتركة ومتكاملة، بالفعل قد تختلف في أهداف خاصة ترتبط بأجندات أحزابها، ولكن الهدف العام هو معارضة التوجهات والبرامج الحكومية التي ترى فيها المعارضة بأنها غير شعبية، وليست في صالح المواطن، أو تلك التي لا تخدم المسار الديمقراطي التي يتكلم عليه دستور 2011.

لكن للأسف رأينا كيف يتم نقض الاتفاقات المبرمة بين مكونات المعارضة بسرعة والضرب الغير المباشر فيما بينهم، زد على ذلك مسلسل الانقسامات والصراعات الداخلية التي أعتقد أن خيوطها بدأت تنكشف وفق انكشاف مسلسل مقصود ومرتب، مما يقوي الحكومة ويجعلها متحدية للجميع وغير آبهة بكل ما تنبه إليه هذه المعارضة، والمثال بين فيما يخص مسلسل الزيادات ومختلف الاختيارات التي اكتوى بها المواطن، ولكنه لا يعبر بالشكل القوي عن تظلماته، لأنه في اعتقادي لم يجد من ينصت إليه من أحزاب المعارضة بالشكل القوي، والثقة اللازمة التي يمكن أن تتملك المواطن تجاه هذا الحزب أو ذاك، هذا فضلا عن الخطاب التيوقراطي والشعبوي للحزب الحاكم الذي يبدو أنه لا زال مؤثرا بشكل كبير على الكتلة الناخبة لمجتمعنا بتعميق نسبة الأمية والفقر والنفور من المشاركة في الانتخابات.

+ ما هو التغيير الممكن في الخريطة السياسية الحالية (أغلبية ومعارضة)؟ وهل من المستساغ الحديث اليوم عن تحالفات سياسية قبل نتائج الانتخابات؟

- كل هذه الأسباب وغيرها ربما جعلت أحزاب المعارضة اليوم تتحرك عشية الانتخابات التشريعية وفق استراتيجيات مغايرة، قد يبدو أنها تسعى أو على الأقل أنها أصبحت مقتنعة بعدم جدوى المعارضة خاصة مع مختلف فئات المجتمع المغربي، وأساسا بعد استسلام الطبقة المتوسطة التي لم تعد تلعب دورها التحكيمي الانتخابي، وربما توصلت بقناعة كأحزاب أن مواقع القرار الاجتماعي والاقتصادي من خلال المشاركة في الحكومة شرط أساسي للتواصل الايجابي مع الناخبين، وتوسيع الكتلة المدعمة لكل حزب، وهو عكس القاعدة المعمول بها عامة، فحينما يتحمل حزب ما تدبير قضايا الشأن العام فان شعبيته دائما تتراجع لأن اكراهات الحكومة تكون حاضرة، والمنتخب طلباته واكراهاته لا تنتظر. لكن في حالة المغرب، وخاصة في الفترة الحالية يبدوا أن العكس هو الذي يحصل، ولنا في حزب التقدم والاشتراكية نموذجا على ذلك، حيث استطاع توسيع مقاعده المحلية والجهوية بتوسيع مشاركته الكبيرة على امتداد مشاركته الحكومية منذ نشأته. وربما الشيء الذي يدفع الأحزاب إلى محاولة مغازلة بعضها خاصة تلك المؤثرة انتخابيا من أجل التعبير عن حسن النية. وللتاريخ فإن حزبا وحيدا لغاية اليوم هو الذي يعبر عن بعض الشروط من أجل نسج بعض التحالفات المحتملة المستقبلية، وهو حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي رغم إصراره على التحالف مع الكتلة الديمقراطية فإنه لا يستبعد التحالف خارجها وأساسا مع حزب العدالة والتنمية شريطة وضوح البرنامج المشترك والحفاظ على التراكمات الحقوقية والديمقراطية. أما حزب البام فمنذ مدة وهو يؤكد معاكسته للحزب الإسلامي البيجيدي ويغازل فيما مرة الاتحاد الاشتراكي ويريد أن يرسل رسالة واضحة بكونها متحالفان، لكن تصرفات هذا الحزب غير واضحة اذ لم يحترم الاتفاق الذي أبرم ليلة تكوين مجالس الجهات والمجالس المحلية.. ولعل آخر لقاء لمؤسسة المشروع التابعة لحزب الاتحاد الاشتراكي وتصريحات كاتبه الأول تبين وبوضوح أن قيادة هذا الأخير واعية جدا بضرورة لعب الدور المحوري والغير المكمل في أي ترتيب مستقبلي. ونفس الشيء تجاه حزب الاستقلال، هذا الأخير الذي يعتبر نفسه مهاجما بقوة من طرف الدولة وأساسا من حزب البام ووزارة الداخلية، ويعبر بأنه مستهدفا مما جعله يصرح بعنف ضدهما في مناسبات متفرقة مؤخرا، وبالمقابل يغازل نوعا ما العدالة والتنمية منذ آخر انتخابات محلية وجهوية. أما حزب التقدم والاشتراكية فإنه رغم كونه طبيعته العددية غير مؤثرة، فإن دوره اعتباريا أكثر منه سياسيا، لكن يجب التنويه بكونه استطاع أن يكون الحزب المستفيد سياسيا خلال هذه المرحلة، وقد لعب دوره بذكاء كبير.. وبالمقابل فإن التقارب المحتمل مع أحزاب الكتلة الأخرى وخاصة الاتحاد الاشتراكي مع العدالة والتنمية، فإن أكبر متضرر على مستوى الأعداد والمواقع الحكومية سيكون أكيد هو حزب التقدم والاشتراكية... هذا  على الأقل ما يبدو جليا من خلال الفترة الراهنة التي عرفت وبمناسبة شهر رمضان لقاءات متنوعة للقيادات الحزبية سواء من المعارضة أو من الأغلبية. أما فيما يخص الأحزاب الأخرى فإن واقعها وسلوكها يبين أنها مجرد أعداد تكمل خطة مرسومة مسبقا. ورغم كل ذلك فانه لا يمكن الجزم بتكهنات المرحلة المقبلة، إذ إن التحالفات تفرضها نتائج الانتخابات وتداخلات أخرى مختلفة.