مصطفى ملكو: الحوكمة وأسباب النّزول..

مصطفى ملكو: الحوكمة وأسباب النّزول.. مصطفى ملكو

بداية، لا بدّ من التذكير أنّ مُفردة "حوكمة" Gouvernance رأت النور في الولايات المُتّحدة الأمريكيّة، كردّة فعل على التداعيات السلبيّة لمسلسل الحداثة الّتي جعلت من الإنسان عَبداً لرأس المال وعنصراً لاإنسيّاً déshumanisé من وسائل الإنتاج.

من خلال هذه المعاينة البئيسة، رام رُوّاد الحوكمة إلى تصحيح الاختلال القائم بإعادة التوازن في العلاقة المتوتّرة بين قوّة رأس المال وبين قوة العمل داخل منظومة اقتصاد ـ اجتماعيّة économico-social شَيّئت Chosifier الجنس البشري وجعلت منه قَنّاً vassal ليس أكثر من حلقة في مسلسل خلق الثروة و اكتنازها من طرف القلّة.

إن دعاة الحوكمة، ومنهم الفلاسفة الجدد، وعلى رأسهم يورڭن هابرماس Y.Habermas ما انفكّوا يحذّرون من أدْلَجة العلم والتكنولوجيا حَتّى أصبحتا تهديدا، بيد بشر، للبشريّة جمعاء.

هكذا، ترتكزُ الحوكمة على مبدأين أساسيّين يحظيان بنوعٍ من القدسيّة، هما الإنصاف والأخلاق اللّذين تسبقان وتتجاوزان لتشملَه، مبدأَ القانون الوضعي الّذي يمثِّلُ القاعدة الشرعيّة للعيش المُشترك والتساكن المجتمعي.

وجب التنبيه هنا أنّ القاعدة القانونية التي تمثِّلُ عصب الديموقراطية الليبرالية لا تقيمُ وزنا ولا تعير اعتباراً لما يُسمّى بالحقوق الأخلاقيّة وواجبات أخلاق التضامن الاجتماعي.

ومن هنا أتت الحوكمة لتصحيح هذه الاختلالات المرتبطة بسيّادة قانون وضعي آلي، أي ميكانيكي، قُدَّ حسب أهواء ومصالح من بيدهم الحلّ والعقد، حتّى تماهت قوّة الحق La force du droit والقانون مع حقّ و شرعنة القوّة  Le droit de la force.

من هنا نخْتِم بالقول، إنّ الحوكمة لا يمكن أن تكون إلا صالحة ومنصفة لأنها تُحيلُ إلى الحكم الرشيد يعني الحكم الصّالح.