من هنا تطرح الأسئلة حول ما إذا كان تدين الأفراد والمجموعات يهتدي بجوهر النصوص الدينية (آيات قرآنية وأحاديث نبوية)، أم أنه يلتف حولها ليجعل التدين مجرد «لباس الراهب»، أي مجرد قناع يخفي الجوهر الخبيث في الإنسان، ومن ثم تتفجر تناقضات الظاهر والباطن في سلوك المغاربة؟ "أنفاس بريس"، وتعميما للفائدة، تعيد نشر سؤال "كيف أصبح رمضان أكثر الأشهر نفاقا بالمغرب؟"، والذي وجههته أسبوعية "الوطن الآن" لفعاليات مدنية وحقوقية وأئمة وباحثين في الحقل الديني. وفي ما يلي وجهة نظر، إبراهيم بلغزال، خريج دار الحديث الحسنية: أعتقد أن طقوس رمضان ليست طقوس نفاق وانما هي عبادات قديمة ومشروعة أقرها الله ورسوله، وقد كانت محطة عبادية مهمة يتزود فيها الناس لآخرتهم ولدنياهم، فيحسنون الصيام والقيام والأخلاق والمعاملة. فيكون عندهم رمضان وما بعده ليس كما كان قبله. لكن للأسف الشديد وكما أشرت في سؤالك صار الشهر الكريم محطة للرياء ولسوء الخلق وللغش في العمل بل ان البعض جعل من صلاة الليل سبيلا للمعصية لكونها تسمح للنساء بالخروج من البيت ليلا وهو الأمر الذي يكون غير متيسر خارج رمضان. أعتقد أنه لا يجب إلقاء اللوم بالكامل على العامة، فالناس مقلدون فقط، بل ان أفعالهم لا يحكمها العقل والمنطق والدين والأخلاق، انما يحكمها التقليد، تقليد الزعماء والعلماء والدعاة والنخبة والسينما والاعلام وغيرها من المؤثرات. غير أن ما يستفاد من ممارسات الناس لطقوس رمضان يكشف عن خلل جسيم في التدين الشعبي، وأهم ما يمكننا فعله هو تحديد أسباب هذا الخلل الذي جعل التدين لا يؤدي إلى تحصيل مقاصد الدين بل يؤدي الى مقاصد عكسية ظاهرها رباني وباطنها الرياء .... لعل السبب في هذا الخلل هو الهزات العنيفة التي تعرض لها التدين المغربي، الهزة الأولى برأيي كانت على يد المستعمر الفرنسي الذي ضيق على العلماء من خلال إيقاف التدريس بجامعة القرويين لمدة أربعين سنة، مما أدى إلى تناقص حاد في أعداد العلماء المتشبعين بثوابت التدين في المغرب. أما الهزة الثانية فكانت عبارة عن الغزو المشرقي للمغرب في المجال الديني، ساعدهم على ذلك نقص عدد العلماء بالمغرب، إضافة إلى طفرة البترول التي أتاحت للتيارات السلفية والوهابية والإخوانية السيطرة على الجامعات في العالم الإسلامي وفي المغرب. ومع توالي غاراتهم على مظاهر التصوف المغربي والمذهب المالكي والعقيدة الأشعرية رافعين شعار الدليل في وجه المذهب والطريقة والعقيدة، بدأ الوهن يدب في مفاصل التدين المغربي، حتى رأينا الأبناء ينعتون تدين آبائهم وأجدادهم الأصيل بالبدعة والضلالة. كما أن خريجي الكليات الدينية صاروا ذوي نزعات سلفية متشددة. ومع كل الخراب الذي سببه التدين المشرقي للمغرب لم تستطع السلفية ولا الإخوانية أن تملأ الفراغ، مما أدى إلى تدين منقوص نشاهد الآن آثاره. وعلى هذا وإجابة عن سؤالك الثاني نلاحظ أن امتلاء المساجد في شهر رمضان هو من جهة إشارة إلى حاجة الناس إلى الدين، لكن مع غياب المفاهيم الدينية الأصيلة من جهة وغياب الموجه والقدوة والأسوة الحسنة من العلماء والدعاة من جهة ثانية. كل هذا أدى إلى ظهور نمط من التدين الموسمي المنقوص. والعجب كل العجب ممن مازال ينادي بالسلفية على الرغم من انكشاف أمرها وافتضاح سوءتها في أحداث الخريف العربي من خلال توظيفها للدين في أغراض سياسية دنيوية وشخصية، ما أدى الى تخريب أوطان وتدمير حضارات كبيرة دون أي أمل في الخروج من الفتن