تفاجأ الرأي العام المغربي بموجة الغضب التي اجتاحت صفوف حزب الاستقلال على إثر تدوينة فيسبوكية نشرتها الشابة عزيزة الشگاف، عضو المكتب السياسي لحزب الجرار، في صفحتها الشخصية بالفيسبوك، تنتقد فيها تصريحات عراب الحزب بالجهات الجنوبية الثلاث وعضو المكتب التنفيذي للحزب؟؟ فما السر من وراء هذا الانزعاج الاستثنائي؟ إذا ما علمنا أن انتقاد شخص ولد الرشيد هو شيء روتيني اعتدناه في الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي؟ وما الذي دفع عزيزة إلى التحول من السياسية الهادئة الحكيمة إلى لبوؤة غاضبة شرسة؟
لكي نوضح للقارئ أكثر حيثيات هذا الحدث سنحاول اعتماد منهجية أكاديمية متجذرة في تاريخ منطقة الصحراء لنحلل أصل هذا المشكل ومسبباته. هنا سنحاول الإجابة عن الاستفهام المطروح حول شخص (عزيزة الشگاف).. عزيزة الشگاف هي شابة صحراوية من قبيلة أولاد الدليم أكاديمية بامتياز، والدها سيدي أحمد الشگاف أحد أعيان القبيلة وأحد رجالات المقاومة الشرسين شارك في معارك ضد الاستعمار الإسباني وفقد رجله في معركة تيليوين التاريخية، وشارك في وفد القبائل الصحراوية التي بايعت الملك محمد الخامس سنة 1956، وتعرض للنفي رفقة عائلته خارج الأراضي التابعة للاستعمار الإسباني وبالتحديد في مدينة طانطان، حيث كانت الطنطان ملاذا آمنا للكثير من العائلات الصحراوية النازحة من الساقية الحمراء ووادي الذهب بحكم انتماء أفرادها لجيش التحرير أو من كانوا يقبعون في سجون الاحتلال الإسباني آنذاك.. وظلت هذه العوائل لمدة زمنية طويلة صابرة في اللجوء حتى استرجع المغرب أقاليمه الجنوبية سنة 1975، فعادت في سلام واطمئنان لتمارس حياتها الطبيعية في أرضها التي ناضلوا بالسلاح وتحملوا ظروف النفي والاغتراب من أجل استرجاعها.
وحتى لا نبتعد كثيرا عن الموضوع فعزيزة الشگاف شابة مثقفة عصامية عضو المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة بسيطة جداً تعيش في شقة متواضعة رفقة زوجها وأبنائها، تمارس السياسة بهدوء ومتشبعة بمبادئ إنسانية سامية وروح وطنية عالية بعيدة عن الأضواء، تنأى بنفسها عن المعارك السياسية والانتخابوية.. والدليل على ذلك هو الحراك الذي عرفته جهة الداخلة حول الحكم القضائي الابتدائي القاضي بإقالة رئيس جهة الداخلة الخطاط ينجا على إثر الدعوة التي دفعتها عزوها الشگاف مرشحة حزب الأصالة والمعاصرة.
وللتذكير فعزوها الشگاف هي شقيقة عزيزة الشگاف وتنتمي إلى نفس الحزب، ولكن الأخيرة فضلت عدم الخوض في هذا الصراع السياسي ولم تدل بأي كلمة أو موقف تؤيد من خلاله شقيقتها ورفيقتها الحزبية في معركتها السياسية، وهذا سلوك نادر في المجتمع الصحراوي. واستمرارا في سرد الأحداث، وخصوصا في قضية رئاسة جهة الداخلة، وبعد التطور السريع الذي عرفته هذه القضية، عقدت قيادة حزب الاستقلال إلى جانب رئيس جهة الداخلة مؤتمرا صحفيا حول هذا الصراع وأدلى الأمين العام حميد شباط بتصريحه وكذلك الخطاط ينجا وحمدي ولد الرشيد.
تصريح هذا الأخير أمام وسائل الإعلام، وفي مقر حزب الاستقلال، هو ما أثار حفيظة الشگاف وحرك مشاعرها، حيث أن ولد الرشيد قال بالحرف الواحد إن الصحراويين لم يعرفوا المغرب قبل 1975، وهذه ليست المرة الأولى التي يدلي بها، فقد سبق له أن ذكر هذه الجملة في قبة البرلمان وصفق له البرلمانيون وقبل رئيس الحكومة رأسه.. وفي هذا إنكار لكل الصحراويين الذين ربطتهم أواصر البيعة بالملوك العلويين منذ قرون مضت، وكذاك إنكار ممنهج لكل الصحراويين الذين شاركوا في جيش التحرير وبايعوا محمد الخامس والحسن الثاني.. وبطبيعة الحال ابنة سيدي أحمد الشگاف الذي بايع محمد الخامس سنة 1956 لن تتقبل مثل هكذا تصاريح من مسؤول سياسي صحراوي يتحمل تسيير شؤون أكبر حواضر الصحراء والإشراف على تسيير حزب ينتمي له أغلبية المنتخبين الصحراويين. وما تدوينتها إلا أبسط رد على محاولة تزييف التاريخ المغربي وطمس حقائق تاريخية ومحاولة فرض ذاكرة جديدة وغير حقيقية عن الصحراء والصحراويين لا تسعد إلا من ترعرع في براثين مؤسسات المستعمر الإسباني.