الأستاذة فاطمة زهيد: البعد عن قيمة رمضان هو السبب في ما نراه اليوم من سلوكيات شاذة

الأستاذة فاطمة زهيد: البعد عن قيمة رمضان هو السبب في ما نراه اليوم من سلوكيات شاذة

عند حلول كل رمضان تطرح من جديد أخلاقيات التدين في المجتمع المغربي، وذلك على ضوء المقاصد الكبرى التي أحاطها التشريع الإلهي بفريضة الصيام. وبهذا الخصوص تفيد كل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بأن جوهر المقاصد هو الإمساك عن كل الشهوات، وعن كل الأعمال التي من شأنها أن تلوث لسان المرء وسلوكه اليومي.

من هنا تطرح الأسئلة حول ما إذا كان تدين الأفراد والمجموعات يهتدي بجوهر النصوص الدينية (آيات قرآنية وأحاديث نبوية)، أم أنه يلتف حولها ليجعل التدين مجرد «لباس الراهب»، أي مجرد قناع يخفي الجوهر الخبيث في الإنسان، ومن ثم تتفجر تناقضات الظاهر والباطن في سلوك المغاربة؟

"أنفاس بريس"، وتعميما للفائدة، تعيد نشر سؤال "كيف أصبح رمضان أكثر الأشهر نفاقا بالمغرب؟"، والذي وجههته أسبوعية "الوطن الآن" لفعاليات مدنية وحقوقية وأئمة وباحثين في الحقل الديني. وفي ما يلي وجهة نظر الأستاذة الجامعية والفاعلة المدنية فاطمة زهيد:

"مع الأسف نحن نفتقد للتوازن بين الفقه الإسلامي والواقع، وفي نظري المتواضع يبدو لي أن هناك فصلا بين رمضان كممارسة ورمضان كعبادة، لأن رمضان كعبادة شيء ورمضان كممارسة شيء آخر، وهو ما يجعل رمضان يتحول إلى مجرد عادة بدل أن يكون شهر عبادة، وأقول أن علينا مسؤوليات كبيرة لأن الله سبحانه وتعالى أعطى لهذا الشهر مكانة متميزة. وبالتالي فيلزمنا استقباله بإعداد روحي وفكري وأخلاقي وتقوائي.

وأعتقد أن البعد عن قيمة رمضان هو السبب في ما نراه من سلوكيات اليوم، بدءا من مائدة الإفطار وما تحمله من إسراف، حيث تمتلئ عن آخرها بما لذ وطاب من شهوات، فهذا يبعدنا عن الغاية من شهر رمضان في ارتباطه بالجوع والعطش.. وفي هذا الإطار أشير إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم «واذكروا بجوعكم وعطشكم جوع يوم القيامة وعطشه». فالغاية من ذلك هو أن نشعر بالفقراء والمشردين والذين لا يجدون ما يسدون به رمقهم وقت الإفطار وأن نتخلص من الأنانية الاجتماعية التي نعيشها. ولنأخذ أيضا مثال الصلاة من خلال الآية الكريمة «ومن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له»، فيمكن من خلالها أن نقيس ممارسة رمضان، فلا معنى للصلاة في غياب معاملة حسنة للجار أو الأهل في البيت، إذ تتحول الصلاة إلى مجرد ركوع وسجود بخلاف مفهومها القيمي، أي أن تستشعر وقوفك أمام الله عز وجل.

وأعتقد أن ما يحدث من مفارقات خلال شهر رمضان مرتبط بتحول القيم لدى المجتمع المغربي. وأشير أن إقبال الناس على المساجد خلال رمضان لا يمكن تفسيره بالتظاهر أمام الناس أو النفاق، بل هذا الإقبال يتم بحسن نية ويأتي في سياق موجة التدين التي تأتي مع حلول رمضان. والمشكل الذي تعانيه المجتمعات الإسلامية بصفة عامة هو غياب الربط بين العبادة والممارسة، لذا ينبغي أن يشكل إقبال الناس على المساجد في رمضان استمرارية في التقرب إلى الله خلال باقي الشهور، في معاملاتنا مع الناس، مع الجيران، في مقرات العمل... وهكذا يمكن لرمضان أن يشكل خطوة تصالحية مع مجتمعنا ومع أقاربنا وجيراننا ومع المواطنين الذين نخدمهم في الإدارات، حيث سيحدث التوازن بين اعتقادنا في رمضان في بعده الروحي والقيمي والفكري وممارساتنا في الواقع خلال الشهر الكريم. فمجرد امتناعنا عن الأكل والشراب من طلوع الفجر إلى غروب الشمس طاعة لله عز وجل، ينبغي أن يعلمنا الامتناع أيضا عن باقي محرمات الله عز وجل، ومنها: الامتناع عن سرقة حقوق الآخر، الامتناع عن سرقة وقت الآخر في المدارس والإدارات العمومية، عدم احتقار الآخر، عدم مد أيدينا لمال الآخر... وبصفة عامة إطاعة الله في معاملاتنا مع الآخر. ولو تمكنا من تصريف شهر رمضان الذي يتضمن عددا من تجليات طاعة الله عز وجل في سلوكاتنا ومعاملاتنا، فمن المؤكد أننا سنكون من أحسن خلقه عز وجل".