مرةً أخرى، في تونس والسودان والمغرب تحديداً، يُجربُ الكُداحُ والفقراءُ والمقصيون اجتماعياً النزولَ للشوارعِ في احتجاجاتٍ شعبيةٍ سلميةٍ، ضد التفقيرِ والغلاءِ والتهميشِ والتقشفِ التمييزي، وطلباً للإنصافِ والمساواةِ وتكافؤِ الفرص.
مِنْ تونس، قبل سبع سنين، انطلقتْ شرارةُ "التغيير الديموقراطي" أو ما سُميَ بالربيعِ العربي الذي صار معروفاً بالربيعِ الأمريكي أو الربيع الصهيو- أمريكي، لِتَعُم الشرارةُ فيما يشبه "رمش العين" أو "جناح الفراشة"، معظمَ المجال العربي المتعطشِ للتغييرِ والازدهار، وللحريةِ والعدالةِ والكرامة.
بيد أن الأوضاعَ، بعد هذه السنين وكل التضحياتِ والخيباتِ والأحلامِ والأماني، أفضتْ فقط إلىإسقاطِ رأسِ الأنظمة في تونس ومصر وتداولِ السلطة بين أدواتِ وبقايا الأنظمةِ السابقةِ والإخوان أو الجيش أو هما معاً، وإلى غزوٍ(الناتو)المتوحشِ في ليبيا، وإلى توطينٍ دولي لتنظيماتِ الفاشيةِ والإرهاب وكذا للقواعدِ الأمريكية في العراق وسوريا وكل المنطقة، وإلى الحربِ السعودية القذرةِ على اليمن... وإلى تهميش قضية فلسطين وتَغَولِ الكيان الصهيوني ومعه انكشفَ ضعفُ وهَرَمُ الأنظمةِ العربية السائدة وتواطؤُ ومؤامراتُالرجعياتِ المحلية، إماراتٍ خليجية وتنظيماتٍ مافيوزية ودعوية، إخوانية أو وهابية وتكفيرية...
عموماً...الحراكات بدأتْ عفوية، كردّ فعل على الاضطهادِ والأزماتِ الاجتماعية الاقتصادية والشعورِ بالغبنِ والضياع، وعلى خيانةِ الأنظمِةِ التي سرعان ما انهار بعضها (...)،الشعوبُ هتفتْ "الشعبُ يريدُ التغيير والحياة"، ويريدً "رحيلَ النظام وإسقاطِ الاختياراتِ التفقيرية والتبعية" (...)، وكلالتغييرات التي حصلتْ كانتْ بفعلِ حراكِ الشعوب، ولَوْأن مَنْ استغلها حتى الآن جهاتٌ وفئاتٌ لم تكنْ على قطيعةٍ أو صراعٍ مع الأنظمةِ السابقةِ وطبقاتها السائدة...
في المغرب العربي والسودان والأردن "جرتْ محاولاتٌ احتجاجيةٌ، تم استيعابُهادون أنْ تُغَيرَالأنظمةُفي سياساتها واتجاهاتها وولاءاتها الخارجية... خلال السنواتِ السبع، تبادلتْ قوى بقايا النظمِ القديمةِ السلطةَ، عجزتْ، فازدادتِ الأزمات، ولم يحصدْ المنتفضون وطلائعُهم إلا الاعتقالات والتهجير والتنكيل". وهكذا، بقيَ التغييرُ المنشودُ في حدودِبعضِ الشكلياتِ،دون أنْ يمس الجوهرَ، بكل تأكيد...
وفي الوقتِ الذي يواصلُ فيه العربُ والإقليمُ والعالمُالانشغالَ بالحصيلةِ والنتائج،يستقيمُ"حِلْفُ المقاومةِ قوةً متحدةً ومنتصرةً، تُغَيرُأحوالَ العالمِ والإقليم (...) وما حصلَ ويحصلُ في العربِ ليس أمراً عابراً، ولا هو طارئاً حتى لَوْ كان مَنْأشعلَ الشرارةَ منظماتٌ ووسائطُ تواصلٍ اِستغلتها أمريكا"، بدهاءِ وخُبثِ ووحشيةِ ما أصبح معروفاً بحكامِ العالمِ المعاصر... أعني " مافيات أصحاب المال" وأدواتهم المحسوبةِ على العربِ في المنطقة.
وبالموازاة مع ذلك، تُواصلُ الشعوبُ وقواها الحية الحقيقية لَمْلَمَةَ الضرباتِ والخيباتِ والجراحاتِ القاسية، ومعها تطلعاتها وأهدافها في الحريةِ والكرامةِ والعدالة، مِنْ أجلِ استئنافِ معاركِ الوحدةِ والحريةِ والتحريرِ والتحررِ واستعادةِ التحكمِ في زمامِ الأمورِ والإشعاعِ الحضاري الإنساني، عائدةً إلى صُلْبِ "الثورة الشعبية الاجتماعيةالثقافية"، في تونس والسودان والمغرب مثلاً...
لذلك، وفي ظل تصاعدِ الاحتجاجاتِ الاجتماعية هنا وهناك، تُطرحُ اليومَ أسئلةٌ من هذا القبيل؛ هل يَنِم الظرفُ الراهن عن حالةٍ ثوريةٍ لم تنضجْ كل شروطها ومقوماتها بعدُ، أم نحن فقط، أمام بدايةِ حقبةٍ جديدةٍ تستوجبُ مشروعاًمجتمعياً، مُوَثقاً ومَوْثوقاً، علمياً وعميقاً، للإنهاضِ والنهوضِ والنهضةِ والازدهار؟
وهل تُلَبى مصالحُ الشعوبِ الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، من كرامةِ الأفرادِ إلى كرامةِ الأوطانِ وكل الأمة؟ أمْ تُفتحُ جغرافيةُ بلداننا- لا قدر الله-على مزيدٍ من الفوضى المدمرةِ والتدخلاتِ الأجنبيةِ في السر والعلن، كبيئةٍ مُخَصبَةٍ لتوليدِ وتَوْطينِما تبقى أو ما يُعادُ تشكيلُهُ من تنظيماتِ الفاشيةِ والإرهابِ والتوحش، ومِنْ مشاريعِ الإلهاءِ والتفتيتِ واستدامةِ التخلفِ والتبعيةِ والانحطاط؟