"أنفاس بريس" تفتح دولاب الملك محمد السادس

"أنفاس بريس" تفتح دولاب الملك محمد السادس

بخلاف العديد من ملوك ورؤساء الدول الذين يحرصون على الظهور الرسمي بلباس مسكوك: بدلات قاتمة كما لدى أغلبهم، ولباس تقليدي كما في دول شرق العالم بشكل عام، يحرص الملك محمد السادس على تطوير السلوك اللباسي بحسب المقامات البروتوكولية، وبحسب نقط التواجد، حيث نراه مرة باللباس الأوربي القاتم، ومرات أخرى ب«لباس أمير المؤمنين»، أو بلباس المناطق الأطلسية أو الصحراوية، أو بآخر صيحات الشباب والموضة كما حدث مؤخرا في السينغال والإمارات.
فما هو الخطاب الدلالي الذي تحرص جلالته على إبلاغه في كل مقام من هذه المقامات؟

" أنفاس بريس" تفتح دولاب محمد السادس لاستعراض نوعية اللباس الذي يرتديه الملك في كل مناسبة والدلالات المصاحبة لكل مناسبة:
ليس اللباس اختيارا محايدا. إنه على العكس من ذلك حمال دلالات، ولذلك حرصت الحضارات منذ فجر الإنسانية على تضمين الألبسة معاني تتوافق مع الشروط السوسيو- ثقافية التي ترتبط بهذه الحضارة أو تلك. وهذا بالضبط هو الدرس السيميولوجي الذي تلقننا إياه الألبسة التي تبادلتها البشرية منذ الفراعنة والإغريق، وصولا إلى الزمن الحاضر حيث لا يزال اللباس التقليدي يسجل حضوره التاريخي كما في بريطانيا العظمى واليابان والهند، أو في هضاب التيبت، أو في مغارات تورابورا الأفغانية...
إن لكل لباس خطابه ورسائله التي لا تخرج عن دائرة الإشارة إلى الانتساب إلى هوية مفتخر بها كعنوان لحضارة عريقة، ودلالة على أن لا خصام بين التشبث بخصوصية محلية، وبين الانتماء إلى أفق الحداثة. كما لا تخرج عن نزوع إرادي لبعث رسائل ما.
وبالنسبة إلى السياق المغربي، فقد كان هذا الوعي حاضرا في هندسة الهندام لدى الملوك الثلاثة الذي تولوا عرش المغرب منذ فجر الاستقلال، وإن بدرجات حضور مختلفة.
لقد تكرست صورة المغفور له محمد الخامس بالجلباب والطربوش الوطني كأيقونة ثابتة في متخيل المغاربة، أيقونة اختزلت هوية المغاربة التواقين إلى الخروج من عهد الحجر والحماية إلى عهد الحرية والاستقلال. وقد زاد من هذه الحمولة الدلالية انفراد الملك بهذا الزي، مقارنة مع رجال الحركة الوطنية من السياسين والمقاومين والفقهاء الذين عاشوا معه مخاضات تلك المرحلة العصيبة من تاريخ المغرب الحديث. ولذلك نادرة هي اللحظات التي كان  يبدو فيها محرر الأمة بلباس أوروبي.
أما المرحوم الحسن الثاني فقد كان له الفضل في تنويع هذه الصورة بابتكار هندسة خاصة للباس تتماشى مع التحولات التي مست عالم الموضة، بدون أن يتخلى عن اللباس التقليدي بتنويعات مبتكرة. لقد كان يحرص في مقاماته الخاصة، في ساحات الغولف مثلا ، أو في سهرات الغناء أو في أسفاره الخاصة بأقمصة موردة وبسراويل وربطات عنق وبطرابيش ملونة. وإلى جانب ذلك كان أيضا يمزج، في بعض مقاماته الرسمية، بين البدلة العصرية والسلاهم العريقة أو العمامة «الزيانية»، كما كان يحدث أثناء زياراته إلى العمق الأطلسي للمغرب، أو كما رسخت الذاكرة صورته، وهو يصلي على رمال الصحراء خلال الزيارة التي قام بها للأقاليم المسترجعة في شهر مارس 1985 ، بمناسبة الذكرى العاشرة للمسيرة الخضراء.
ضمن هذا الأفق الحداثي لوظيفة اللباس في حقل التداول العام، واصل الملك محمد السادس تنمية هذا التنويع السيميولوجي بوعي جديد. يذكر المغاربة، بهذا الخصوص، أول ظهور رسمي للملك الجديد كان خلال مراسيم البيعة إثر رحيل الملك الحسن الثاني. كان اللباس مناسبا للسياق برسالة واضحة: احترام المقام حيث يظهر محمد السادس استمرارا لتقليد البيعة الراسخة في التقاليد السياسية والدينية المغربية. بجوار هذه الصورة الرسمية تداول المغاربة في الشارع العام، وفي نفس الوقت، صورة للملك بلباس رياضي وبطاقية مراكشة مزركشة مؤكدة انتماءه للمغرب الشاب. ولم يحدث ذلك صدفة كما نتصور، فالصور الملكية لا يمكن أن تسرق من الفضاء الحميمي الملكي. ومع ذلك فقد تدوولت ليستوعب المغاربة من خلالها فكرة أننا إزاء ملك شاب عصري ينتمي إلى زمنين غير متخاصمين. وهي نفس الفكرة التي عكسها أول خطاب لمحمد السادس حيث تم التأكيد على أن البيعة لا تتعارض مع طموح المغاربة في البناء الدستوري الديموقراطي.
منذ ذلك الوقت تواصل ظهور الملك بألبسة متنوعة تسير ضمن هذا الأفق. بل الأكثر من ذلك فإنه يحرص على التخاطب مع الرأي العام بلغة اللباس كلما أحس مهندسو الهندام الملكي الحاجة إلى إبلاغ رسائل ما. تماما كما حدث حين قام محمد السادس بزيارة سابقة إلى الإمارات العربية المتحدة،. هناك ظهر بقميص بدوائر صغيرة مزركشة الألوان يسير وفق آخر صيحات الموضة الأوربية. وفي نفس الوقت ظهر ببدلة سوداء بدون ربطة عنق موغلة في المعاصرة بمناسبة الافتتاح الرسمي لأحد مراكز  التسوق رفقة ولي عهد أبوظبي..
هذه هي خطابات ورسائل الملك الذي يجعل لباسه معبرا عن عهد جديد يعطي لكل مقام مقاله، ولكل سياق دلالاته المتجاوبة مع ما ينتظره المغاربة الحريصون مثله على أن فكرة التأصيل والتحديث ليست رهان الكلمات والرسميات فقط. بل هي أيضا رهان سلوك يومي.

عشق الملك للعمامة الصفراء
يحرص الملك محمد السادس في زيارته لمناطق الجنوب الشرقي على المزج بين اللباس العصري المتكون من طقم رسمي بلون رمادي مفتوح وربطة عنق سوداء وقميص أبيض وعمامة من اللون ذاته ترمز إلى تشبثه بالتراث الأمازيغي أو باللون الأصفر اللون المفضل، وهي الطلة  التي ظهر بها أثناء زيارته للراشيدية سابقا  أثناء تدشينه لمشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. الملك محمد السادس حافظ أيضا على ارتداء العمامة السوداء نفسها التي ترمز إلى تشبثه بالتقاليد الأمازيغية مع استبدال الطقم الرمادي اللون بآخر أزرق فاتح وقميص أبيض أثناء زيارته لأرفود، حيث وضع الحجر الأساس لبناء مركز لتكوين النساء والشابات في مهن الخدمات الفندقية.
الطلة نفسها تميز دائما محمد السادس أثناء زيارته لعدد من المناطق المغربية، حيث ظهر أيضا مرتديا الطقم الرسمي باللون الأسود ونظارات شمسية ذات الطابع الكلاسيكي بعدساتها المربعة وعمامة صفراء أثناء زيارته لأوراش إعادة توظيف المنطقة المنائية لطنجة - المدينة
.

تفضيل الملك للجلابيب الفاسية والوزانية والبزيوية
في المناسبات الدينية مثل أداء صلاة الجمعة أو الأعياد الدينية، يحرص الملك محمد السادس على ارتداء جلبابه الأبيض المصنوع من قماش من النوع الرفيع يدعى «البزيوي» الذي يصنع بالآلة اليدوية (البزو).
والجلابة البزيوية لمن لايعرفها، هي مشهورة لدى أغلب المغاربة، وخاصة عاشقي اللباس التقليدي لما تتميز به من إتقان وجمالية وأصالة، وهي اللباس الذي يلبس في البرلمان وفي أغلب الحفلات والأعراس.
كما يفضل الملك محمد السادس ارتداء الجلباب الأبيض ذي اللون الساطع، وهي ذات قصة تقليدية عادية مصنوعة من قماش من حرير والمنسوج باليد بمدينة فاس بطريقة «السفيفة والعقاد»، وهو ما يدل على ذوقه الرفيع.
كما قد يرتدي الملك جلبابا يتسم بالبساطة أحيانا كما في زيارته لجماعة آيت فاسكا (الحوز) في غشت 2011، حيث ارتدى جلبابا تقليديا بالكامل سواء على مستوى القصة المخزنية أو على مستوى طريقة صنعه التي تمت باليد،وغالبا ما يتم صنع هذا النوع من الجلابيب بمدينة وزان المشهورة بجلابيبها عبر ربوع التراب الوطني. ومما زاد هذا الجلباب أناقة وجمالا هو القماش المستعمل من المليفة ذات اللون الأزرق الداكن.
كما قد يظهر الملك في زياراته للمدن المغربية بجلباب بلون أبيض هادئ وأنيق في قماش من مليفة ذات قصة قصيرة عند الكعب مصحوب بعمامة صفراء متناسقة بشكل كبير مع لون الجلباب.
ويتميز الجلباب ذو القماش الحريري المخطط بالأبيض أو الأخضر أو البني الفاتح أو الداكن أو اللون الأصفر البراق بقصته المخزنية التقليدية، ويتم صنع هذا النوع من الجلابيب باليد وتسمى بصنع «القطيب»، وترتديه الفئات الراقية جدا وأغلبهم من أهل فاس. وقد يرتدي الملك أحيانا نظارات شمسية كلاسيكية رباعية العدسات بلون بني متناسق مع لون العمامة الصفراء أو نظارات شمسية من نوع نظارات المفكرين لونها يكون متناسقا مع لون الجلباب والعمامة.