من أين أبدأ هذا الحساء (الحريرة) فالدولة رضي الله عنها ما قصرت في الطهو والطبخ (النصب) فطبخت (نصبت) لنا لا علينا هذه الطبخة السحرية الذيذة المذاق شكلا ومضمونا طبعا هم يقولون أنها لذيذة وما علينا إلا أن نوافقهم الرأي شئنا أم أبينا (فما يفعل الميت أمام غساله؟) هل يطبخ الميت طبخة أخرى يعالج بها جوعه وينام متدفئا عليها في ليالي الشتاء الباردة أم يصبر ويحتسب، بصراحة هو دائما يصبر ويحتسب ولكن السؤال الذي حير الفلاسفة القدماء والمحدثين هو إلى متى سيظل الإنسان المغربي والأستاذ المتعاقد يصبر ويحتسب؟ أإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؟ وهل ما يزال في خزينته صبر كما يزال في خزينة الدولة تِبْرٌ، لا شك أنكم أدركتم الطبخة التي أتحدث عنها، إنها حساء التعاقد..
بعد هذه المقدمة التي لا أدري كيف أصفها فأنا شاعر لا أعرف إلا المقدمات الطللية والغزلية وأحيانا الفلسفية.. قد أطلق عليها مقدمة في فنون الطبخ الحكومي الذي أصر من على منبري هذا في يومي هذا ومن مقامي هذا على ضرورة مشاركة الحكومة في ماستر شاف المغرب فلم أر في حياتي طباخة ماهرة ومبدعة تصنع الحساء (الحريرة) مثلها..
وإني وإذ أقول ما أقول وأنا في غير قواي العقلية والنفسية وكيف لعاقل أو متزن أن يتفوه بما أتفوه به الآن فلو كان يفكر قليلا ولا أقول كثيرا لَأَحجم عن هذا العمل اللامدروس والذي أسميه بالعمل المغامرة حتى يحافظ على حياته وحريته وعمله وماء وجهه ونظافة سجله العدلي وحتى لا يفصل عن عمله على الأقل كخطوة انتقامية من هذا المخلوق الضعيف (الاستاذ المتعاقد) ولنا في تاريخ وقصص الأساتذة المتدربين عبرة.. قد تظنون أنني لم أفكر في هذا كله ولكن والحقيقة تقال لقد فكرت مليا حتى مللت من التفكير فكرت لسنوات وسنوات آثرت فيها الصمت والصبر والاحتساب حتى يجزيني الله على صبري بالجنة أما جنة الدنيا فلا حظ لي فيها ولا نصيب فنحن خلقنا للآخرة وهم خلقوا للدنيا لكن ماذا لو دخلت إلى جنهم ودخلوا هم إلى الجنة وفازوا بحسنة الدارين وخرجت أنا"من المولد بلا حمص لاديدي ولا حب الملوك".. لعلهم يقولون في سجودهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار سيقولون لربهم غدا كان هذا دعاؤنا في الدنيا أفتعذبنا بما فعل السفهاء منا؟؟ أما نحن فسيقال لنا لماذا لم تدافعوا على حقوقكم لماذا لم تصرخوا في وجوه الظالمين لماذا "تَدَرْوَشْتُمْ" ألم تعلموا انه لا رهبانية في الإسلام وأن الحق حينما لا يعطى يؤخذ بالقوة وهذا كفيل لكي يدخلنا إلى جهنم فنندم ولات حين ندم على ضلالنا الذي كنا نحسبه الهدى الضلال الذي يكمن في مقولة "نصبر ونحتسب.."
أنا لا ادعوا إلى ثورة تسقط النظام ولا أحرض المؤمنين ولا الكافرين على القتال فإن هنالك من يتحين مثل هذه الفرص ليلفق لي هذه التهم الجاهزة والتي اصبحت تهما كلاسيكية.. في المقابل أنا أدعوا إلى ثورة فكرية تنير العقول وتسقط الجهل والظلم والظلام وأدعو إلى الإدماج والترسيم للأساتذة المتعاقدين حقي الأول والأخير..
بعد كل هذه المقدمات اجد نفسي مضطرا للدخول كرها في الموضوع وأرجو أن لا يكون خروجي كدخولي منه "فدخول الحمام ليس كخروجه" وأرجو ان يكون حماما اخرج منه نظيفا نقيا أنا والقارئ والمجتمع ولا يكون نار جهنم الدنيا فأخرج منها أسودا فاحما محترقا، إن في ذلك لذكرى لقوم يعلمون فافهم عني وأدرك المعنى..
الموضوع يا سادة هو حساء التعاقد الذي رأت فيه الدولة حلا لأزماتها المادية (ولأزماتنا أيضا) وأنا أقول وأنتم تعلمون ومن لا يعلم فعليه أن يعلم إلا إذا كان لا يريد أن يعلم والله أعلى وأعلم، أقول هو حل لأزماتهم المادية وتكريس لأزماتنا، الدولة تقول للمتعاقد إصعد لتأكل التين المسكين يصعد فرحا بأقصى سرعة قبل أن يتذوق أي تينة قد تقول له انزل من قالها لك؟ وهذا ما وقع للأستاذين المتعاقدين الذين تم طردهما بلا تعويض ولا أي درهم حتى على خمسة أشهر من تعبهما وعرق جبينهما فما نسمي هذا بربكم علما أننا أنفقنا العديد من النقود التي قد تصل على أقل تقدير إلى مليوني سنتيم قلت ما نسمي هذا بربكم؟؟ لن أجيب أجيبوا أنتم إذا أردتم بينكم وبين أنفسكم لتعلموا..
قد نأكل تينة واثنتان وثلاث ورباع وخماس وسداس وسباع وثمان وتساع وعشار وحداش وطناش وخيرنا من يبقى في أعلى الشجرة دون أن تغير الحكومة رأيها.. أنا أجتهد وأبذل من روحي وراحتي لأجل تلامذتي ولأجل بنائهم وبناء عقولهم ونفوسهم وأتعرض لمضايقات كثيرة مضطر لتلافيها وتجاهلها وعدم الالتفات إليها رغم أنها تؤذيني لأني مجرد أستاذ متعاقد.. أنا أحب مهنتي وهذا ليس من قبيل الكلام الخشبي وإنما من صميم القلب وأحظى بحمد الله باحترام تلامذتي الذين يرونني فيما يرونني فيه أستاذا أعلى منهم مكانة وعلما ومقاما وعملا وهذا يشعرني بالفخر والاعتزاز والرضى ولكن في حال تلقيت مكالمة هاتفية من المدير يقول لي فيها تعال لتوقع محضر تسريحك من العمل فما سيكون شعوري ساعتها وهل سيبقى شعور الفخر والاعتزاز هو هو أم سيتحول إلى شعور في الجحيم لن أجيب اجيبوا انتم بينكم وبين انفسكم لتعلمو فانا هنا فقط لطرح الأسئلة الأسئلة المعروف إجابتها سلفا إلا للذي لا يريد ان يعرف إنها أسئلة أسهل من أسئلة الاستاذة المبجلىة المرسمة الموقرة دوزيم؟؟؟
كيف سيكون تقدير الناس لك بعد فصلك بعد أيام أو شهور أو حتى سنوات من تسلمك لوظيفتك وممارستك لعملك أقسم لن تكون بخير وهنا لم أستطع إلا أن اسمح لنفسي أن تجيب فإني لم أسطع مع هذا السؤال صبرا..
أيها الناس اسمعوا وعوا هذا ليس حلا لأزمة الشغل والعاطلين وإنما تكريس لعقدة لعينة عبر حساء التعاقد المهين، إنه تلاعب بمصائر الناس فمنا من ستزوج وأنا من بينهم أنوي أن افعل وقد يصير لي أبناء وقد أفصل وقد اعيش أنا وابنائي بعد ذلك في الشارع وتكون الدولة بذلك قد حلت مشكلتي وقضت على بطالتي ولكن بالعودة إليها مجددا مثقلا بحمل كبير أليس الأمر اشبه بقرض ربوي على من لا يملك تسديده؟؟؟
بصفتي أستاذا متعاقدا لا يحق لي أن أخطئ ولا يحق لي أن أعبر عن رأييي ولا ان أناقش مديري ولا مفتشي ولا من له سلطة علي تؤدي إلى طردي إلى الشارع علي أن أكون ذليلا خانعا لا أرفع رأسي إلا لكي ألقي التحية في حال سمح لي برفعه أثناء ذلك وهذا هو الحل الذي تتحدث عنه الدولة الموقرة عالية المقام..
يا عالية المقام إنه بصفتي أستاذا متعاقدا فإنه يسرني أن أخبرك إن كنت لا تعلمين وسأعتبر هذا من حسن ظني بك الذي يوغل في أعماق السذاجة يسرني أن أخبرك بأني أعاني لا استقرارا نفسيا وماديا وأسريا واجتماعيا وأي شيء آخر فيه "إِيًّا" فهلا وضعت حلا آخر بديلا يحد من حجم المأساة والكارثة فأنت بارعة في طهو الحلول المشكلات لكن هذه المرة أرجوك أن تبتعدي عن طبخ الحساء فقد قهرتنا به..
هذا يا عالية المقام غيض من فيض فأنا أراعي أن المقال لا يجب أن يكون طويلا جدا حتى اتمكن من نشره في الجرائد الإلكترونية فقط لذا أوجه لك رسالة أخيرة إما أن تصالحي هذه الفئة وتتصالحي مع عموم المواطنين أو إن حالك لن يكون أحسن من حال التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا..
ثم اعلمي أني مواطن متشبث بقيمي الوطنية التي أدرسها الآن لتلامذتي يا عالية المقام ومحب لوطني ولديني ولمن يريد الخير لهذا البلد وإذا أردتِ الخير لهذا البلد فالأمر بسيط للغاية لا يحتاج إلى التنظيرات الكثيرة والمخططات الخماسية والسداسية والفُعَالِيَة إنما يحتاج منك لإرادة صادقة ولوضع الرجل المناسب في المكان المناسب ولصون ماء وجه الشعب وتحقيق كرامته بالشغل وإدماج الأستاذ المتعاقد والقضاء على شبح البطالة..