محمد البالي: مرجعيات الاشتراكي الموحد (2/2)

محمد البالي: مرجعيات الاشتراكي الموحد (2/2) محمد البالي

في سياق اهتمامنا بالخطاب السياسي في المغرب المعاصر، استوقفتنا أرضيات الحزب الاشتراكي الموحد المعروضة في مؤتمره الرابع، الذي انعقد بمدينة بوزنيقة أيام 19 و20 و21 يناير 2018. ويعتمد هذا العرض ترتيب المؤتمر في تقديم هذه الأرضيات، واختياره الأرضية العامة التي سترسم استراتيجية الحزب وخطه السياسي حتى ميلاد الحزب اليساري الديمقراطي. وينطلق هذا الموجز الوصفي المقارن، من لغة ومضامين القول المكتوب في سياقاته الخارجية، لبيان وظيفته المرجعية، بانتباه أكثر إلى مكون الدين في الخطاب. لذلك، يمكن اعتباره مقدمة أولى في الإصلاح الديني موضوعا من مواضيع الانتقال إلى مجتمع المعرفة والعمل في دولة ديمقراطية؟

ب- أرضية حزب لمجتمع... عناصر الجديد

في هذا الأفق الجديد، عناصر جدة فكرية وسياسية، موزعة بين المبادئ والمواقف والتحركات، ومنها: البيئة والإيكولوجية الاشتراكية - المغاربية بدل المغرب العربي – الأمازيغية - ثالوث الإرهاب - الخط الثالث - بناء الحزب اليساري الديمقراطي - الملكية البرلمانية وجبهة الانتقال - الانتخابات والحكومة: شروط المشاركة - العلم والمعرفة ومحورية التعليم - الاحتجاجات الجماهيرية - الدور الريادي للشباب - دمج المناصفة والمساواة... ويمثل الإصلاح الديني أبرز عناصر الجديد.

- الإيكولوجيا الاشتراكية:

حماية البيئة... حماية الإنسان، واحد من عناوين التوجهات الاستراتيجية الكبرى حيث نجد خمس فقرات عن مضمون الإيكولوجيا الاشتراكية ومواقفها. فهي تحمل الرأسمالية المفرطة مسؤولية ما وصل إليه العالم من وضع بيئي كارثي يهدد استمرارية الجنس البشري. وترى ضرورة اعتماد نمط مغاير من التنمية، يربط الإنتاج والاستهلاك بمتطلبات المنفعة الاجتماعية والبيئية معا. ولذلك ترفض خوصصة الخدمات العامة وتحارب أنماط الدعاية المفرطة لمنتوجات استهلاكية ثانوية أو مضرة بالبيئة.

- بناء الحزب اليساري الديمقراطي:

في محور البرنامج (الباب الثالث)، عرض سياسي جديد وعناوين أفق الانتقال الديمقراطي.

ويتمثل العرض الجديد في بناء الحزب اليساري الديمقراطي. حزب أكبر من نواته الأساس: فيدرالية اليسار الديمقراطي. وينتظر أن يتزامن اندماج أحزابها واندماج مكون رابع يتشكل من فعاليات وأطر سياسية مستقلة وفعاليات تقدمة من أحزاب يسارية وكيانات مدنية، ليكون الحزب الجديد فضاء جديدا للفعل السياسي النقي والنبيل والفاعل، يدفع فئات الشباب والمواطنين إلى الإيمان بجدوى العمل الانتخابي في مسار التغيير. إنها الرجة السياسية التي تتوقع الأرضية أن تغير وجه السياسة في المغرب. هل هو بديل الحزب الاشتراكي الكبير الذي سكن أدبيات الاشتراكي الموحد منذ انطلاقته؟

- الملكية البرلمانية وجبهة الانتقال:

 من أرضية الديمقراطية هنا والآن المعتمدة في المؤتمر الثالث، إلى أرضية الأفق الجديد التي اعتمدها المؤتمر الرابع، انتقال من مطلب التغيير الديمقراطي الملح (إبان فورة 20 فبراير)، إلى البحث عن جبهة ديمقراطية واسعة تتجمع فيها القوة لتحقيق ذاك المطلب، إنها أداة للعبور بالمغرب من حكم سلطوي متمثل في ملكية شبه مطلقة (تنفيذية) إلى نظام ديمقراطي. وهي في ذات الوقت واحدة من ثلاثة مداخل للانتقال إلى الديمقراطية: جبهة - دستور الملكية البرلمانية - إجراءات قانونية وحقوقية وسياسية واقتصادية مصاحبة. وتقترح الأرضية "أن تضم الجبهة كل الديمقراطيين، بمختلف مشاربهم، من ليبراليين وإسلاميين وقوميين ونشطاء الحركة الثقافية الأمازيغية، وكل التعبيرات التي ترى أن المهمة الجوهرية المطروحة عليها، في المرحلة الراهنة، هي قيادة نضال مشترك من أجل إقامة نظام الملكية البرلمانية". وتشير الورقة في "مفهوم الانتقال الديمقراطي" أنه مسلسل يفرض التزامات جديدة على الجميع؛ ممثلي النظام القائم من جهة، وممثلي باقي الأطراف السياسية من جهة أخرى، ومنها جبهة الانتقال.

- الإصلاح الديني: تتوزع مضامين الحقل الديني عناوين مختلفة في أرضية الاشتراكي الموحد، وباستثناء محور التنظيم (الباب الخامس)، تبرز في المقدمة وفي العبارة الشارحة للعنوان المحوري الأول: التوجهات الاستراتيجية الكبرى (الباب الأول)، وفي عنوانين من عناوينه الفرعية: موقفنا من المسألة الدينية - رفض الإرهاب والعمل على تقويض أسسه الفكرية والإيديولوجية. وفي الخلاصات السياسية الكبرى (الباب الثاني)، تبرز في عنوانين فرعيين هما: صعوبات في التدبير الديني الرسمي - احتداد النقاش حول الهوية والقيم.

وأما محور البرنامج (الباب الثالث) ومحور التحالفات (الباب الرابع)، فيتطرقان للعلاقة بالتيارات والحركات الإسلامية. فتقبلها الأرضية ضمن مكونات جبهة الانتقال إلى الديمقراطية بميثاق ملزم. وتحصر العلاقة معها، خارج ذلك، في الحوارات الفكرية الفردية العلنية المستقلة.

وبفحص متون عناوين المقدمة والبابين الأول والثاني، يمكن الوصول إلى المضامين التالية:

- التراث الديني والثقافي المشرق واحد من الينابيع الثلاث التي يستمد منها الاشتراكي الموحد مبادئه ومنطلقاته النظرية والسياسية.

- الدين مكون في هوية المجتمع، وبذلك تنطلق من إنسانية الثقافة، بالسعي إلى الرقي بالإنسان وتمتيعه بحياة فكرية وروحية وجمالية مكتملة.

- مصالحة بين العلمانية والدين، وفي هذا تقدم نقدا للعلمانية الفرنسية، وتعتبر أن العلمانية أكبر ضامن للحرية الدينية ولممارسة الشعائر. وفي الفقرة الثانية من العنوان الفرعي: موقفنا من المسألة الدينية، نلفي الشرح التالي: "العلمانية تقوم على الفصل بين الدين والدولة، وتجعل من الدين قضية شخصية تعني الفرد في علاقته بخالقه".

- اعتبار الدين الإسلامي ملكية جماعية للمغاربة، ومدلول الدولة المدنية فصل الدين عن الدولة، وليس عن المجتمع. لحمايته من التوظيف لأغراض غير دينية.

- الإصلاح الديني: بعد أن كان ثاويا خلف كلام نقد الخطاب السلفي المتزمت ونقد التوظيف السياسي للدين، تصرح الأرضية بأن الحزب، معني بالدعوة إلى إصلاح ديني، فقد جاء في المهمة الثامنة من المقدمة: "اننا نخوض معركة التنوير والحداثة، وهي معركة مفتوحة أمام مساهمة علماء الدين المتنورين، وتستهدف في الأصل، استئناف جوانب المشروع الفكري لعلماء النهضة الذي انطلق في القرن التاسع عشر". وتحت عنوان: موقفنا من المسألة الدينية، وردت صيغة الإصلاح الديني في التركيب التالي: "ليست هناك ديانة يمكن أن تعفي نفسها من اختبار الإصلاح الديني". الصيغتان تجعل هذه الإصلاح مهمة ضمن المشروع الديمقراطي الذي يناضل من أجله الاشتراكي الموحد.

إلى جانب التصور لا تقف الأرضية عند الموقف، بل تقترح:

- نشر ثقافة التنوير والحرية، والدفاع عن قيم العقل والعلم والمعرفة والاجتهاد.

- تخليص الدين مما ألحق به من عناصر الخرافة وثقافة الخنوع والاستغلال والتكفير.

- مقاومة الثقافة التقليدية الموسومة بالتزمت، التي أنتجت قراءة حرفية وظاهرية للنصوص الدينية في قضايا كالإرث والزواج والإعدام... وحرمت الاجتهاد وشرعت الإقصاء والميز والقتل.

- إشراك رجال الدين المتنورين.

وبتجميع وترتيل عناصر الحقل الديني، نلاحظ تعميما بدل تفصيل، وعدم التطرق إلى آليات تشغيل مقترحات هذا الإصلاح، وعدم الإشارة إلى مدخل أساس، ويتمثل في إعادة قراءة النص القرآني اعتمادا على التطورات المعرفية والمنهجية في علوم اللغة والخطاب وعلوم الإنسان عامة، والعلوم الحقة والتجريبية، بما لا يتعارض وقيم الإسلام في الحرية والعدل والمساواة، وانطلاقا من مبادئ الرحمة والتعايش والعالمية.

وباستحضار أدبيات موازية، يظهر أن مشروع الإصلاح الديني لم يصر بعد ورشا، على غرار الأوراش الأخرى، ولم يتمكن الجميع بعد من استحضار الدين مكونا من مكونات الهوية المغربية؛ فبقراءة لغة وعبارات البيان الختامي الصادر عن المؤتمر الرابع، تنضوي عبارة "الإصلاح الديني" ضمن دلالات عبارات: نهضة ثقافية، إشاعة الثقافة التنويرية، باستدعاء نوع من التأويل. لكن ثمة ما لا يقبل التأويل بغير الحذف، صياغة الفقرة السابعة عشرة بالتعبير التالي: "يدعو مختلف القوى اليسارية والوطنية إلى الدفاع عن مكونات الهوية الثقافية المغربية المتنوعة المتعددة بروافدها العربية والأمازيغية والحسانية". فهل اعتبرت صياغة البيان الدين الإسلامي عنصرا من الرافد العربي؟، ألن يقف المتلقي على تعارض بين التوجهات الاستلراتيجية الكبرى في الأرضية العامة في والبيان العام؟

التوجهات الاستراتيجية الكبرى

البيان العام

نعيد التأكيد على أن الحزب الاشتراكي الموحد "يستمد مبادئه ومنطلقاته النظرية والسياسية:

- من الرصيد الإيجابي للفكر الاشتراكي،   

- والديمقراطية في جميع أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية واللغوية والتنموية،

- والقيم العقلانية للحضارة العربية والأمازيغية والإسلامية.

يدعو مختلف القوى اليسارية والوطنية إلى الدفاع عن مكونات الهوية الثقافية المغربية المتنوعة المتعددة بروافدها: العربية والأمازيغية والحسانية".

وإذا ربطنا الخطاب المكتوب حول المسألة الدينية، بديمغرافية الثقافة داخل الاشتراكي الموحد، كما استخلصناها من الملاحظات الأولى، حول استمارات قلة من المشاركين في البحث الأكاديمي الذي رافق المؤتمر الوطني الثالث، ومن الخطاب المروي بين أعضاء هذا الحزب، ومن تنوع ممارساتهم الثقافية السلوكية، يمكن المغامرة بملاحظة التنوع الثقافي التالي، بين أعضائه ومناصريه: علمانيون لا دينيون - علمانيون منفتحون - ديمقراطيون مسلمون. وكلهم ينافح من أجل دولة مدنية تفصل الدين عن الدولة. وليس هذا التنوع الثقافي وليد انفتاح العشرية الثانية من القرن العشرين، فقد سبق لزعيم تيار يساري أن اقترح، في مجلس وطني، قبل المؤتمر الثالث، تأسيس تيار إسلامي داخل الاشتراكي الموحد، معارضة لبعض بيانات المكتب السياسي التي أبدت دعما لحركات مقاومة (ذات شعارات دينية)، وردا على من كان يدعو للتنسيق مع الحركة الإسلامية المغربية المعارضة.

فهل سينتظر المعنيون بخطاب هذا الحزب، من مناضليه ومؤيديه ومتابعيه، ورقة تفصيلية؟ أم أنها مجرد دعوى للمثقفين من ذوي الاهتمام ولعلماء الدين المتنورين.

كلام ثالث: بعد انخراطه ومساندته حركة 20 فبراير، ينخرط الاشتراكي الموحد اليوم في دعم النضالات الشعبية من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. وقد جعلها شعارا للمؤتمر، وألفها في خطه السياسي. هذا الالتحام بالفئات الشعبية، يعتبر قاعدة وأساس استراتيجية النضال الديمقراطي التي تقوم، في خطابه، على الربط بين النضال الجماهيري والنضال المؤسساتي، باعتبار الانتخابات وسيلة سلمية لتغيير موازين القوى، بحزب يساري ديمقراطي، لفائدة خيار التغيير بالانتقال الديمقراطي إلى دولة حديثة شعارها: ملكية برلمانية. فهل يصدق الوصف الخارجي: حزب إصلاحي بنفس ثوري؟ أم وصف جل المنتسبين: ثوري ببرنامج مرحلي إصلاحي؟

هل ستستمر هذه الاستراتيجية داخل الحزب القادم؟ هل تتطور الينابيع المرجعية للتوجهات الكبرى؟ وما موقع الإصلاح الديني في البرنامج القادم الانتقالي والديمقراطي؟ 

للقارئ كلام... وللمحلل تفسير وتأويل... وللناس مواقف وسلوكات... ويحلمون بما يؤمنون ويعانقون الذي يعشقون...

- محمد البالي، باحث في الخطاب المغربي المعاصر