الوهابي عبد الكريم القلالي يعلن عمالة المضيق "إمارة أصولية"!

الوهابي عبد الكريم القلالي يعلن عمالة المضيق "إمارة أصولية"!

من يتحكم في الحقل الديني بالمغرب؟ هناك من لا سيتردد في القول: "إن الحاكم الفعلي هو إمارة المؤمنين"، وسيشير بغير قليل من الثقة إلى أن ما تلى عمليات 16 ماي الإرهابية بالدار البيضاء يثبت أن الحقل الديني أصبح أرضا محررة، بعدما انتهجت الدولة استراتيجية شاملة لتطهيره من أمراء الدم وشيوخ الظلام.. غير أن الواقع شيء آخر، فالإرهابيون ما زالوا يشيدون صروح دولتهم بيننا، وما زالت وزارة الأوقاف، ومعها عدد من المجلس العلمية المحلية، تستعين بـ "الفقه الوهابي" و"الفكر الإخواني" من أجل تعميم التطهير.. والحال أن حقيقة ما تقوم به هو "تعميم الظلام، وإسدال التعصب، واستبضاع الحرب" على من يحملون فكرا مخالفا، لنسمه عقلا أو تنويرا.

مناسبة هذا الكلام، تأتي مرة أخرى من الشمال، وتحديدا من عمالة المضيق-الفنيدق، حين استعان المجلس العلمي المحلي بالمدعو عبد الكريم القلالي، وهو خطيب معروف بنزوعه السلفي الوهابي، كما يعرف عنه أنه لا يترك فرصة تمر دون أن يحمل السيف، ليشن حروبه، التي تتم بالوكالة، على التقدميين والحقوقيين واليساريين، وكل من يحمل تصورات مختلفة عما يعتقده، وعما يعطل مشروع دولة الخلافة. ولعل أبرز حروبه هي قيادته لحملة توقيع واسعة لتكفير الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي حين طالب بالمساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، حيث اعتبر الإسلاميون أنها محاولة اعتداء خطيرة على المرجعية الإسلامية، وعلى النص المؤسس الذي عالج موضوع إرث المرأة؛ وكان يقوم بذلك جهارا ويدعو إليه بصرف النظر عن كونه موظفا وداعية من دعاة "الإسلام الرسمي"، مما يوضح أن للرجل ظهرا قويا يسنده، وحافزا شديدا يدفعه إلى "إعلان الويل والثبور وعظائم الأمور"، كلما أحس الإخوان المسلمون أن قلعتهم قد تتعرض لزلزال يمليه "التحول في الوعي الجماعي"، وليس "التربص الإيديولوجي والسياسي" كما تحاول آلتهم الدعائية أن تكرس.

لقد استعان المجلس العلمي لعمالة المضيق-الفنيدق بهذا "الفقيه الظلامي" في سياق تنظيم المجالس العلمية، بمناسبة شهر رمضان، لقاءات تواصلية مع القيميين الدينيين من أئمة وخطباء ووعاظ للحديث عن خصوصية الشهر والتعبئة الشاملة للانخراط في أجوائه التعبدية من حيث اختيار مواضيع الدروس والخطب المتناغمة مع ثوابت المغرب العقدية والفقهية والسلوكية. ولقد كانت الصدمة، فعلا، قوية وكبيرة بالنسبة لعدد من الملاحظين حين أسند تأطير اللقاء التواصلي للمدعو عبد الكريم القلالي وكأن المغرب، بطوله وعرضه، لم يلد عالما جليلا في مستوى التسامح الذي يفرضه العصر والتحولات والوعي الحقوقي الجديد. والسؤال هو:

كيف يمكن إسناد هذه المهمة لفقيه متطرف سبق له أن استخف وازدرى بأحد مؤسسي الدولة المغربية المهدي بن تومرت، كما سبق وبينا ذلك؟

هل هذا هو النموذج الذي يريد تثبيته المجلس العلمي للمضيق الفنيدق وفرضه على الخطباء والوعاظ المحليين، الذين لا نعدم من بينهم علماء وفقهاء متشبعون بالتدين المغربي، ليرسم لهم خط السير؟

من المسؤول عن فرض مقاربة التطرف على الخطباء من خلال "تسييد" القلالي على غيره، وتمكينه من الزعامة الدينية محليا؟

ألا يمكن النظر إلى الأمر من خلال تثبيت "الزعيم" كدعامة محلية للإخوان الوهابيين؟

أليس في الأمر انقضاضا على الحقل الديني وقضما للمساحة المخصصة للإسلام الذي تروج له الخطابات الملكية والمذكرات الوزارية؟

من المسؤول عن تكريس القلالي زعيما دينيا، والحال أنه يدين بالولاء للأصوليين وليس للدولة المغربية، ولا لأمير المؤمنين، والدليل على ذلك ما كتبه في يوليوز 2013: "سيسجل التاريخ أن مرسي رجل وقف العالم ضده بسلاح المال والقوة والإعلام، وتم الانقلاب عليه بعد سنة من حكمه، وهو رئيس أعزل رصيده القوي إيمانه بالله ثم الجماهير المؤمنة، التي تهتف باسمه لأنه نادى بتطبيق شرع الله، والتصدي للمؤامرات الخارجية التي صيرت مصر عقودا من الزمن تابعة ذليلة باعت كل شيء، وانزعج المستفيدون من ثروات مصر من قرارات مرسي وخططه التدريجية، لإعادة الأموال المنهوبة إلى مستحقيها من فقراء مصر ومن جياعها، لذلك يرونه فاقدا للشرعية بسبب خروج المستفيدين من الفساد ضد الرئيس مرسي؛ فالشرعية الوحيدة التي يريدها العلمانيون وأسيادهم من قوى الاستكبار العالمي هي تلك الشرعية التي توفر الحماية للمفسدين، وتلتزم باتفاقات الظلم والعار، وتنزع أنياب المقاومة ومخالبها في قطاع غزة"؟

إن الرجل يحلم بدولة الخلافة، ويدعو إلى تطبيق شرع الله.. وينظر إلى مرسي كأنه من الصحابة والخلفاء الراشدين، وينادي بالحرب على المخالفين.. فهل يمكن تسليم رقاب المغاربة، بتعدد مشاربهم واعتقاداتهم واختلاف أفكارهم وقناعاتهم الإيديولوجية والسياسية، لمثل هذا الأصولي الذي يتماهى، في العمق، مع ما يحلم به أنصار داعش وخليفتهم "سيدنا" أبي بكر البغدادي؟