الحسين وبا: أربعة مفاتيح لحل معضلة المدرسة الابتدائية

الحسين وبا: أربعة مفاتيح لحل معضلة المدرسة الابتدائية الحسين وبا

بالرغم من كل الجهود المنصبة والإصلاحات المقامة قصد النهوض، سواء بالمنظومة التربوية أو بالمدرسة المغربية أو بالتلميذ المغربي، فإن خلاصات وعائدات هذه التصورات الحديثة، الرامية إلى الإصلاح والتغيير، لم تتوصل بعد إلى رسم صورة كاملة واضحة المعالم عن محيط المؤسسة التعليمية الوطنية داخليا وخارجيا ومكوناتها المتباينة والمتفاوتة الأهمية والعناية من مؤسسة إلى أخر. ذلك أن بعض المؤسسات لا تتعدى رقعتها الجغرافية حد الإدارة وحجرات دراسية وساحة ومرافق صحية، بينما تتخطاها أخرى إلى مكتبة وقاعة متعددة الوسائط وملاعب رياضية وقاعة للحفلات والعروض الفنية ومسجد و...

صحيح أن الخطاب التربوي والسياسة التعليمية بشكل عام قد تغير بين الأمس واليوم بشكل غير مسبوق، ولعل الهيكلة الجديدة التي عرفتها الوزارة ونظام الأكاديميات الذي يدعم السياسة الجهوية وسياسة القرب ونظام الامتحانات واستقلالية الثانوية وولادة تعددية الكتاب المدرسي التي تتضمن في محتوياتها تعزيز التنافسية وتقوية التشجيع لدى المؤلفين ودور النشر، مما حذا بالمؤسسات التعليمية، بمختلف أسلاكها ومستوياتها، أن تتنفس الصعداء، وخاصة المؤسسات التعليمية الابتدائية التي ظلت تعاني الانتظار لسنوات طويلة، ولمبررات واهية وحجج ضعيفة نرتبها على الشكل التالي:

- أنها مرحلة ابتدائية ظرفية يتلقى فيها الصغار دروسا وتعلمات بسيطة يتمكن بواسطتها هؤلاء الصغار إلى الانتقال من عالم الجهل إلى عالم النور. مع العلم أن هذه المرحلة تعد حجر الأساس لتشكيل شخصية المتعلم،وحلقة أساسية  حاسمة لا يمكننا فصلها عن باقي الأسلاك (الإعدادي/ الثانوي/ الجامعي).

- وإلا بماذا نفسر الاعتناء بالأسلاك الأخرى (بدءا بالملاعب الرياضية/ ومستودعات الملابس/ ومكاتب الحراسة العامة/ والاقسام الداخلية/ والمكتبة المدرسية لإعارة الكتب المقررة و...) دون المدرسة الابتدائية؟

وبالتالي:

- لماذا ظلت المؤسسات الابتدائية غارقة دوما في شكلها وتشكيلتها الروتينية (المدير، المدرسون، الحارس). وتأسيسا على هذه الصورة التقليدية نقول: آن الأوان لإعادة هيكلة المدرسة الابتدائية، التي تعد الأرضية  الأولى الخصبة لإنبات كل التعلمات والمعارف الجديدة في وجدان  وذاكرة المتعلم.

وعلى ضوء التحولات التي يعيشها العالم، وخاصة على مستوى علوم التربية والشبكة المعلوماتية، نرى أنه أصبح من البديهي إحداث إطارات جديدة بالمدرسة الابتدائية وعلى رأسها :

1- المستشار التربوي، باعتبار أن رئيس المؤسسة وحده غير جاهز بعد للقيام بجميع ما تتطلبه قضايا وإشكالات المدرسة الابتدائية (تدبير شؤون الإدارة، مراقبة وزيارة الفاعلين التربويين، السهر على إصلاح و صيانة تجهيزات المؤسسة/ تحديد مواعيد استقبال آباء و أولياء أمور التلاميذ وزيارة المديرية الاقليمية... إلخ.. وبناء عليه فإحداث إطار مستشار تربوي بهذا السلك التعليمي رهين باقتسام كل هذه الأعباء وخاصة التي لها طبيعة تكوينية/ تربوية/ بيداغوجية.

2- مساعد أو مساعدة اجتماعية: إذ لا يخفى على أحد، أن المدرسة العمومية تعج بأبناء الفقراء والمحتاجين، هؤلاء الذين رمت بهم الأقدار -كرها- في غياهب الصعوبات والاحتياجات المعيشية وحرمواـ بالتالي، من إحياء حياة كريمة، نجد أولادهم يتأثرون بهذا الوضع المادي والاجتماعي إلى حد بعيد، وخاصة على مستوى السلوك، حيث تصير ثقافة العنف لديهم سلوكا طبيعيا، ومغادرة الدراسة أمرا عاديا ومألوفا. ولعل ظاهرة العنف التي أصبحت متفشية اليوم بمؤسساتنا التعليمية بشكل عام لدليل مفحم على عدم قدرتنا على مقاومة ومعالجة هذه المشاكل الاجتماعية الحادة.

3- مساعد أو مساعدة نفسانية: لا يمكن ضمان نجاح العملية التعليمية دون فحص ومعرفة الجوانب النفسية لتلاميذ المؤسسة، كما أنه لا يمكننا تحقيق الجودة التعليمية المتوخاة في حضور أطفال يعانون اختلالات نفسية واضطرابات عصبية متفاوتة الخطورة. وفي الأخير عوضا أن تنتج مدارسنا أشخاصا أو شخصيات فاعلة ومتفاعلة مع قضايا وطنها محليا وإقليميا وجهويا، ستنتج شخصيات مترددة، (مرتبكة ومنطوية غير قادرة على تصريف مواردها، لا تشارك ولا تبادر ولا...). وهذا هو الفشل الذي ظل معشعشا بتعليمنا مدة 40 سنة خلت.

4- منشط تربوي: حتى لا تذهب جهود الإصلاح المبذولة اليوم هباء، وحتى تنتقل إرادة الإصلاح من لغة الأقوال إلى لغة الأرقام والأفعال المجسدة على أرض الواقع، نقول أنه آن الأوان لإحداث إطار "منشط تربوي" رسمي بالمؤسسات التعليمية مهمته هو إعادة الروح إلى الحياة المدرسية: فنا وترفيها وتنشيطا، طبقا لمقتضيات الاتفاقية الأممية الخاصة بحقوق الطفل التي صادقت عليها بلادنا في يوليوز 1991م. لكن لن يتأتى هذا إلا بإحداث قاعة لهذا الغرض، وصدق من اعتبر أن المؤسسة التي تفتقر للأنشطة الموازية وتأهيل الحياة المدرسية إلى كل ما يرغب فيه الطفل ويجد فيه متعته وراحته النفسية، هي مؤسسة ميتة، وجودها كعدمها، إذ ليست المدرسة، كما يقول نايل مدير المدرسة: سامر هيل - معدة دوما للدروس والنواهي والتوجيهات والأوامر والواجبات، وإنما المدرسة هي الفضاء الاجتماعي والثقافي والتربوي والرياضي والوجداني الذي يجد المتعلم فيه متنفسه واستقراره النفسي والوجداني ليحقق في النهاية بواسطة هذه الأنشطة المتنوعة كل رغباته الدفينة وميولاته المتدفقة (بدءا باللعب الهادف/ ربط العلاقات/ التعاون/ التشارك والاستشارة/ التمثيل/ الأناشيد/ الرسم/ المسابقة/ الرياضة/ المنافسة الثقافية/ غرس النبات...الخ).

والسؤال: هل تستطيع أن تبرهن الوزارة الحالية عن فراستها بالقطع مع كل التصورات الموروثة والتقليدية، خاصة وأن آمال وانتظارات كل مكونات المجتمع المغربي أضحت معقودة عليها..؟!