فاطمة الزهراء علام: هكذا يتحقق التحديث الأمثل لمنظومة الوظيفة العمومية

فاطمة الزهراء علام: هكذا يتحقق التحديث الأمثل لمنظومة الوظيفة العمومية فاطمة الزهراء علام

تعاني الوظيفة العمومية المغربية من عدة إشكالات، ناجمة عن غياب المحاسبة وسوء التوظيف وعدم توصيف المهام، الأمر الذي ينعكس سلبا على مستوى الأداء وفعاليته. وفي هذا السياق عملت وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة سنة 2013، تحت شعار إدارة حديثة في خدمة المواطن، على تبني مجموعة من المقتضيات القانونية والتنظيمية من أجل تدبير محكم وجيد للموارد البشرية، من خلال تبني مجموعة من البرامج الإصلاحية، كالورش الإصلاحي لمراجعة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، معتمدة في ذلك على منهجية تشاركية، من خلال الاستعانة بخبراء دوليين ووطنيين، وفتح فضاء تفاعلي على موقعها الرسمي أمام كافة الفاعلين للمساهمة بمقترحاتهم وتعليقاتهم. علاوة على تبنيها أسلوب التدبير التوقعي للوظائف والكفاءات، يقوم على تحديد الفائض أو العجز داخل كل إدارة، وتحديد أساليب معالجته، قبل تحديد الحاجة إلى التوظيف، ثم تحليل هذه الحاجة كما وكيفا.

وبعد مرور خمس سنوات على هذا المشروع الإصلاحي، فتحت وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية مشاورات وطنية، وفق مقاربة تشاركية، لموظفات وموظفي الإدارات العمومية والجماعات الترابية، عن طريق حثهم على تعبئة الاستبيان المتعلق باستطلاع الرأي حول مراجعة منظومة الوظيفة العمومية، وتشجيعهم على المشاركة الإيجابية والفعالة في إعادة هيكلة هذه المنظومة. ويشتمل هذا الاستبيان، إضافة إلى أسئلة عامة تتعلق بالمشاركين، على ثلاثة عشر سؤالا تهم أربعة محاور تتعلق بمنظومة الوظيفة العمومية وهي على التوالي: الموارد البشرية؛ جودة الخدمات؛ المردودية والأداء والنجاعة بالوظيفة العمومية؛ المناصب العليا ومناصب المسؤولية.

والملاحظ أن الاختيارات المقدمة، للإجابة على الأسئلة المطروحة في المحاور الأربعة، أحالت، سواء بعبارة النص أو إشارته، على مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. على أن هذه الإحالة ليست كافية لإبراز الأهمية التي يكتسيها هذا المبدأ، والدور الذي يمكن أن يلعبه في ظل ما تعيشه المنظومة الوظيفية اليوم من مشاكل، حيث أقره دستور المملكة لسنة 2011 في الفصل 154، الذي نص على ضرورة إخضاع المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، وأن تخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها الدستور. كما حث الفصل 155 منه أعوان المرافق العمومية أن يمارسوا وظائفهم وفقا لمبادئ احترام القانون والحياد والشفافية والنزاهة والمصلحة العامة.

لقد كان المأمول أن يتناول الاستبيان المساءلة والمسؤولية من خلال مراحلها، التي تبدأ بتحديد الأهداف ومراقبة تنفيذها وتحقيقها بالفعالية المطلوبة، وتحديد المسؤول عن تقييم مدى نجاعة تنفيذ مختلف المهام في مرحلة ثانية، وإبراز ما إذا كانت هذه المساءلة والمحاسبة ستتخذ شكلا هرميا، يسائل فيه الجميع، كل حسب مسؤوليته في مرحلة أخيرة. وبمعنى آخر كان من المفروض تحليل وتفكيك هذا المبدأ، الذي بوأه دستور 2011 مكانة هامة، بدلا من وضعه كخيار ضمن خيارات أخرى .

إن التحديث الأمثل لمنظومة الوظيفة العمومية يتحقق من خلال مساءلة كل ذي مسؤولية ومحاسبته، في إطار شفاف قادر على إلزام جميع الأشخاص والسلطات، المخولة لهم إدارة الموارد العامة، بتوفير كل المعلومات المرتبطة بإدارة جميع الموارد من الناحية المالية والتدبيرية ومحاسبتهم على ذلك. ففي السويد مثلا يمكن لجميع المواطنين الحصول على أي معلومة بعد تقديم طلب بذلك، بما في ذلك أجور المدراء والإقرارات الضريبية للوزراء، حتى تسهل عملية مساءلة كل من يتحمل مسؤولية عامة، وتتاح السيطرة على كل الاختلالات بسهولة. وتتم هذه العملية بعيدا عن أي انتماءات حزبية أو علاقات عائلية أو أي اعتبارات أخرى، وأبرز مثال على ذلك هو تقديم الوزيرة السويدية "مانا سالين" استقالتها من الحكومة، بعد أن تمت محاسبتها من طرف الرأي العام السويدي بسبب قيامها بملء خزان سياراتها الخاصة بالبنزين على حساب الدولة، مستخدمة في ذلك بطاقة الائتمان الممنوحة لها من الحكومة، بقيمة لا تزيد عن، 60 دولار (ما يعادل 550 درهم تقريبا)، واعتبر سلوكها هذا تبذيرا للمال العام، رغم أن الوزيرة أثبتت بالوثائق أنها أعادت المبلغ في اليوم التالي، إلا أن الرأي العام السويدي اعتبر هذا التصرف استغلالا للمال العام اضطرت معه الوزيرة إلى تقديم استقالتها فورا .

- فاطمة الزهراء علام، إطار بالإدارة العمومية وباحثة