المؤتمر الرابع لحزب منيب.. أيها الرفاق: هل هو يوم الفراق أم الوفاق؟

المؤتمر الرابع لحزب منيب.. أيها الرفاق: هل هو يوم الفراق أم الوفاق؟ نبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد

ثلاثة اعتبارات أساسية تجعل الحزب الاشتراكي الموحد، خلال مؤتمره الرابع (من 18 إلى 21 يناير 1918)، محاطا بترقب عميق من لدن مناضليه وعموم اليساريين المغاربة أولا، وكل المعنيين بالشأن الحزبي الوطني:

- حاجة البلاد إلى يسار حقيقي، خاصة بعد ترهل الأحزاب الديموقراطية التقليدية، وبعد تعثر الانتقال الديموقراطي، وإجهاض التناوب الذي انطلق سنة 1998.

- الأداء التعبوي والتواصلي للحزب أيام الحملة الانتخابية لتشريعيات أكتوبر 2016، والذي كان من ثماره التفاف قطاعات واسعة من المواطنين حوله، وخاصة من الشباب.

- التجاذبات التنظيمية والسياسية والفكرية التي رافقت عملية التحضير لهذا المؤتمر، والتي قد يهدد بعضها بتفجير وحدة الحزب.

فهل سيكون الحزب في مستوى هذا الترقب فيذوب خلافاته الداخلية، وينخرط جديا في التفاعل مع تلك الحاجات الملحة؟ أم أنه سيستسلم للحلول السهلة ليصبح مجرد رقم عادي في المعادلة الحزبية القائمة؟

1-

يجب التنبيه أولا إلى أن محطة المؤتمر الرابع للحزب الاشتراكي الموحد قد تأخرت زمنيا، فلقد بلغت المدة الفاصلة بينها والمؤتمر الثالث (دجنبر 2011) ست سنوات، عرف فيها الحزب والحياة السياسية المغربية كثيرا من التطورات الذاتية والموضوعية التي مست التنظيم الذاتي وبنية التحالفات، والعلاقات مع الدولة والمجتمع. وربما كانت هذه من العوامل التي أدت إلى نوع من المناخ الذي يرخي بظلاله على أجواء ما قبل المؤتمر. من تلك التطورات استمرار تفاعلات حركة 20 فبراير، وبدء سريان تنزيل الدستور الجديد، وتأسيس فيدرالية اليسار الديموقراطي، وصولا إلى انتخابات 2016، وما نتج عنها لاحقا من «بلوكاج» حكومي عطل الحياة السياسية لمدة ستة أشهر. وبهذا الخصوص تهمنا التشريعيات الأخيرة نظرا لما شكلته من محطة فاصلة كان لها وجه ايجابي، وآخر سلبي.

الإيجابي تمثل في كونها أظهرت أن بإمكان اليساريين المغاربة عبر الاشتراكي الموحد والفيدرالية بشكل عام أن يصنعوا الحدث، وأن تكون لهم كلمتهم الوازنة في نسق المعارضة. كما أظهرت أهمية الدور الذي اضطلعت به نبيلة منيب، لا فقط كوجه نسائي يقود لأول مرة حزبا وطنيا معارضا. ولكن أيضا باعتبارها فاعلا حزبيا له كاريزما خاصة، وكفاءة تواصلية كبيرة، وكان هذا الدور قد تعزز من قبل إثر مشاركتها النوعية رفقة الوفد المغربي (الذي يضم ممثلا عن الاتحاد الاشتراكي وعن التقدم والاشتراكية) الذي سافر إلى السويد لمحاورة الأطياف السياسية هناك عقب موقف بلادهم من اعتراف محتمل بالبوليساريو.

وتمثل الوجه السلبي في تأكيد النتائج على أن الفيدرالية مع ذلك لم تتمكن سوى من الحصول على مقعدين في مجلس النواب، وأنها لم تبذل قصارى الجهد النظري والمادي من أجل توسيع قاعدتها الجماهيرية، ومن أجل اختراق بنيات المغرب العميق.

2-

في سياق ذلك عرفت أروقة الحزب في المسافة الممتدة من سنة 2011 مظاهر شد وجذب من طرف بعض الأشخاص والمكونات الذين إما أزعجهم الوجه الإيجابي، وضمنه تألق منيب، أو شمتوا في ضمور نتائج الانتخابات. ولذلك ما أن انطلق تحضير المؤتمر الرابع حتى تعمقت التصدعات التنظيمية والفكرية والسياسية، خاصة حول القضايا التي تتعلق بمسألة تنظيم الخلاف، وتحديد آلية انتخاب الأمانة العامة، وصياغة التحالفات مع الأحزاب الأخرى، وخاصة مع الأصوليين، ثم النظرة بشكل عام إلى العلاقة بالدولة والمجتمع.

إزاء ذلك انتصر الحزب عمليا لفكرة تعدد التيارات التي تبناها مبكرا عبر السعي لصياغة ورقة تكثف الخلاف النظري، وتذويبه في مشروع أرضية مرنة، وعاكسة لكل التوجهات داخل الحزب. ويسجل لنبيلة منيب ولمحمد الساسي في هذا الإطار قدرتهما على تحرير ورقة عدلت أكثر من مرة لتعكس التصورات الموحدة. في غضون ذلك كان الممانعون يبدعون كل أساليب التلاعب الممكنة لعرقلة سير التحضير، وللتضييق بشكل خاص على مساحات تحرك نبيلة منيب، ولإحراجها بادعاءات وتهم متعددة.

وقد كانت النقطة التي أججت الصراع إحياء مشاركة منيب في ورشة «الحوار العلماني الإسلامي، نحو فضاء للتعايش والعمل المشترك» التي نظمتها مؤسسة قرطبة (الموجود مقرها بجنيف) بتركيا منذ عامين، والتي رفعت من منسوب التحرش بها بادعاء أنها مست بثوابت الحزب التي تمنع أي إمكانية للحوار معهم.

وهو ما يعتبره الممانعون خطا أحمر، علما بأن المطروح داخل الاشتراكي الموحد كان دائما ليس التنسيق أو التحالف مع الأصوليين، بل فقط إمكانية التحاور معهم حيث لا مانع أو عيب في أن يتم الإنصات للآخرين. هكذا كانت تلك المشاركة حصان طروادة الجديد التي سعى من خلاله خصومها لا فقط لحشرها في الزاوية، ولكن لدفعها إلى الاستقالة، أو على الأقل لدفعها إلى عدم الترشح لولاية ثانية. أما منيب فقد كانت واضحة في التأكيد على أنها شاركت في المؤتمر بصفة شخصية.

ومع ذلك فقد استمر خصومها يستثمرون كل وسائل الضغط المتاحة للحؤول دون استمرار منيب. من ذلك مثلا أنهم استعملوا خطة تقنية لتأجيل المؤتمر، خاصة أنهم يعون بأن أمامهم مسارين انتخابيين: المسار الذي يهم محطة اليوم (المؤتمر القادم الخاص بالاشتراكي الموحد)، والمسار الذي يهم مؤتمر فيدرالية اليسار الديمقراطي. وضمن ذلك كان زعماء الممانعة يلعبون على التأجيل ليصيبوا إحدى الورقتين: أولاهما أمانة الحزب، وفي حالة إضاعتها تبقى أمامهم أمانة الفيدرالية.

في هذا السياق تواصل تهييئ أرضية المؤتمر بحرص الساسي على تجميع كل طاقات الحزب من أجل نجاح المؤتمر بحضور كل مكوناته. أي بتفادي كل أشكال الإقصاء الذي كان هو نفسه ضحيته في الاتحاد الاشتراكي. وصيغت الأرضية باستحضار كل الهواجس ومطالب الجميع. وأدخلت كل التعديلات، بما فيه تحديد العلاقة مع الأصوليين حيث وصل النظر بالبعض حد الابتذال في الطرح من قبيل أن التناظر مع هؤلاء ممكن على أساس أن تنظمه جهة مدنية محايدة، وعلى أساس أن المشاركة فيه تكون بصفة شخصية.  وحين تبين أن لمنيب قاعدتها التي تشيد بنجاح مهمتها، وهو ما يؤهلها لولاية ثانية، بادر الممانعون إلى تعطيل المؤتمر خاصة ضمن لجنة التنظيم والقوانين التي كلما استأنفت اجتماعاتها إلا وتتوقف أشغالها. ومرة أخرى سجل للساسي ترفعه عن الحسابات الصغيرة لدرجة أن كان يحرص على أن بضع مسافة حتى مع أقرب أصدقائه، خاصة رفاقه القادمين معه من الوفاء للديمقراطية، والمقصود محمد حفيظ ونجيب أقصبي والطيب حمضي وأحمد شيبة وعبد الحق الكرش وآخرون. علما بأن كل هؤلاء شكلوا دائما -رفقة رفاقهم- نخبة نيرة تتمتع بطاقة النضال، وبالإضافات النوعية. ومع ذلك ظلت أنياب تيار الممانعين بارزة. إزاء كل ذلك صار واضحا أن هناك توجهات متباينة داخل الحزب حاولت احتواءها الأرضية التي تمثل الأغلبية بمن فيهم مجاهد ومن معه (يتعلق الأمر بأرضية «الأفق الجديد»)، ثم ظهرت للعلن أرضيتان أخريان: واحدة بعنوان «اليسار المواطن والمناصفة»، وثانية بعنوان "التغيير الديمقراطي".

المثير أنه ما أن تم الإعلان عن تاريخ المؤتمر حتى أعلن مجاهد ورفاقه قرار الانسحاب من أرضية الأغلبية في محاولة منهم للنيل من المؤتمر. وهو ما خلف استياء عميقا لدى المناضلين حيث بادرت العشرات منهم للاتصال من أجل التوقيع على الأرضية.

نذكر في هذا الإطار بما عرفه اجتماع سادس يناير 2018 الخاص بقطاع التعليم العالي داخل الحزب، والذي احتضنه مركز بنسعيد أيت إيدر، حيث اتضح استياء الأساتذة الجامعيين من تصرف هؤلاء، داعين منيب إلى أن تواصل تحمل مسؤوليتها القيادية، بعد أن اتفقوا على تضمين موقفهم ضمن مشروع رسالة سيوجهونها إلى المؤتمر، مؤكدين بأنهم هم أيضا كقطاع حزبي يمكن أن يشكلوا تيارا بناء مساندا لمنيب. ضمن نفس المنطق انتقد الأساتذة الجامعيون أسطوانة التوافقات والمحاصة (الموروثة عن الزمن الرفاقي القديم) التي يجعلها مجاهد سابقة على فكرة توسيع امتداد الحزب بدعوى أن الكيان الحزبي الحالي هو نتيجة اندماج كيانات (المنظمة والديموقراطيون المستقلون والوفاء...). الأساتذة المطوقون بالمعنى الحديث للحزب رفضوا هذا التصور، وطالبوا بإنهاء العمل به، على اعتبار أن من دلالاته كذلك توظيف منطق الابتزاز (أعطني حقي أو أذهب).

 تزامنا مع ذلك برز طرح يقول بضرورة اختيار الأمين العام من المؤتمر حتى تتقوى شرعية الأمين العام، وتتحرر من الوضع الذي يضع هذا المسؤول الأول عن الحزب رهينة في يد المكتب السياسي. ومن القضايا الأخرى التي أثيرت كذلك ما يهم مشروع الاندماج ضمن فيدرالية اليسار الديموقراطي ككيان واحد.

3-

باستعراض كل هذه المراحل منذ انطلاق الاجتهاد النظري الخاص بتحضير المؤتمر، مرفوقا بنية احتضان كل الأفكار والانشغالات وانتهاء بالانسحاب، تبقى الكرة في ملعب الممانعين الذين صار متعذرا عليهم إمكان تقديم أرضية أخرى؟ من هنا ينتصب السؤال بصيغته الماركسية اللينينية الأثيرة: ما العمل؟

للإجابة عن هذا السؤال سيكون أمام المنسحبين خياران أحلاهما مر: إن قاطعوا المؤتمر تتأكد هزيمتهم لأن الكراسي الفارغة داخل التنظيمات الحزبية بلا نتيجة. وإن حضروا فضمن أي إطار؟ هل سيستعيدون ذلك الحضور في إطار الانتماء لوحدة الحزب؟ وهل سيخضعون للآليات الديمقراطية داخل أروقة المؤتمر؟ أم سيأتون ليفجروا الحزب؟

 السؤال الأكبر: في حالة المقاطعة هل سيبقون في الاشتراكي الموحد أم لا؟ وإذا اختاروا الانسحاب هل سيلتحقون بحزب المؤتمر، أو بحزب الأصالة والمعاصرة تعبيرا عن حنينهم إلى العلاقات الماركسية القديمة التي تربطهم تاريخيا ببعض رموز «البام»، اليساريين سابقا.

مهما يكن فالحزب الاشتراكي الموحد مقبل اليوم على مرحلة مفتوحة على كل الاحتمالات. وبرأي المتتبعين فنجاح المؤتمر، واستمرار وحدة الحزب سيعنيان بالضرورة فتح صفحة جديدة في تاريخ اليسار بالمغرب. أما الفشل فسيعني مراكمة الانتكاسات داخل الجسد الحزبي الوطني.

(تفاصيل أوفى حول هذا الملف تقرؤونها في العدد الحالي من أسبوعية "الوطن الآن")