عبد الرحيم عنبي: الإصلاح الجامعي بين استراتيجية الوزارة ومقاومة بنيات المؤسسات، ابن زهر نموذجا

عبد الرحيم عنبي: الإصلاح الجامعي بين استراتيجية الوزارة ومقاومة بنيات المؤسسات، ابن زهر نموذجا عبد الرحيم عنبي

تعرف الساحة الجامعية منذ بداية الموسم الدراسي 2017/ 2018 نقاشا حول إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، ومن أجل برهنت المؤسسات الجامعية عن رغبتها في الانخراط في الإصلاح الجامعي.. فقد وفرت العديد من البنيات التحية لاستقبال الطلبة والأساتذة، حتى تتم العملية التربوية في أحسن الظروف، وتعد جامعة ابن زهر واحدة من أهم الجامعات المغربية، التي تغطي أكثر من 51% من التراب الوطني.. ولهذه الأهمية عرفت مختلف كليات الجامعة انطلاق العديد من الأوراش خلال صيف 2017، والتي أشرف عليها رئيس الجامعة وعمداء مختلف الكليات، من أجل إحداث العديد من البنيات والمركبات والفضاءات الثقافية من أجل التحفيز على العمل والبحث العلمي.

كما عرفت بداية هذا الموسم انطلاق العديد من التكوينات الجديدة، سواء على مستوى الماسترات أو الإجازات المهنية، وهو ما يعد مؤشرا على انخراط مؤسسات جامعة ابن زهر في مسلسل إصلاح المنظومة التربوية والنهوض بالبحث العلمي نوعا وكما.

إلى جانب ذلك، عرفت العديد من الجامعات المغربية لقاءات تواصلية، أطرها السيد كاتب الدولة المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي، وعيا منه بكون عملية الإصلاح لا يمكن أن تتم بمعزل عن الأطر الفاعلة في حقل التعليم العالي والإنصات لمختلف الفاعلين والشركاء، بهدف البحث المتواصل عن المقاربات الأنجع لتطوير المنظومة التربوية وتجاوز عوائقها.

كما استدعى السيد عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية، منسقي الماسترات والإجازات المهنية، في إطار تتبع سير عملية التدريس والإخبار بحلول لجنة وزارية للوقوف ميدانيا على مجريات التدريس ومدى تطابق دفاتر الضوابط البيداغوجية وممارسة العملية التربوية بهذه المسالك.

في الواقع، كل ما ذكر تعد مؤشرات حقيقية على رغبة المسؤولين في الرقي بالعملية التربوية وبالبحث العلمي بجامعة ابن زهر، وخاصة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، التي نتابع فيها ما يحدث عن كثب لانتمائنا لهذه المؤسسة.

لكن، هناك تناقض كبير بين عمل الإدارة والممارسين للعملية التربوية والبحث العلمي. ففي الوقت الذي نجد فيه العديد من الأصوات تطالب بتتبع سير الماسترات والإجازات المهنية من طرف لجنة وزارية، وهذا محبب بهدف الوقوف على معظم التجاوزات في هذه التكوينات، نجد نفس الأصوات لا تحبذ فكرة تتبع ما مدى تطابق دفاتر الضوابط البيداغوجية وواقع الإجازة الأساسية، بدعوى أن الإطار الجامعي فوق "عملية التفتيش" وأنه ينتمي للنخبة، وبالتالي لا ينبغي أن نفتح هذا الباب، وكأن الأطر الجامعية التي تحملت مسؤولية فتح تكوينات الماستر والإجازة المهنية لا تنتمي إلى هيئة التدريس.

من المفارقات الغريبة كذلك، التي تعرفها كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن زهر، رفض القانون المنظم لهيئة التدريس من طرف الشعب والأطر النقابية وكذلك اللجن وفتح المجال "للثقافة القبلية"، أعني بذلك الاحتكام للأعراف.. فإذا كانت المادة 5 تحدد الحصص الأسبوعية لأنشطة التعليم التي يمارسها الأساتذة الباحثون بثماني ساعات من الدروس الرئيسية بالنسبة إلى أساتذة التعليم العالي، وعشر ساعات من الدروس الرئيسية بالنسبة إلى الأساتذة المؤهلين، وأربعة عشر ساعة من الأعمال التوجيهية بالنسبة إلى أساتذة التعليم العالي المساعدين. كما تنص المادة 19 على أن أساتذة التعليم العالي المساعدون يزاولون عملهم تحت مسؤولية وإشراف أساتذة التعليم العالي والأساتذة المؤهلين في شكل دروس رئيسية وأعمال توجيهية وأعمال تطبيقية.

في سياق هذا التوضيح القانوني الدقيق، نجد الشعب سنت عرفا يسمى بالتناوب، حيث يدرس فريق من الأساتذة دورة ويتغيب دورة ثانية، بل الأكثر من ذلك أن اسم الأستاذ المتغيب يوجد في جدول الحصص الخاص بالشعبة، التي ينتمي لها، وهذا يكون له تأثير كبير على سير العملية التربوية، إذ يساهم من جهة الاكتظاظ، على اعتبار أن الأستاذ/ة الغائب/ة يتحمل مسؤولية التدريس أستاذ/ة آخر أو أخرى كان غائبا في الدورة الماضية ويتم جمع الأفواج. كما ينعكس على عملية التأطير، حيث الاكتظاظ يعيق الممارسة البيداغوجية، مثلما يحد من فتح تكوينات جديدة للطالبات والطلبة.

إن العرف أضحى هو الطاغي في عملية توزيع الحصص وتفريغ أساتذة من مهام التدريس بدون أي سند قانوني، علما أن المادة 6 من القانون المنظم لهيئة التدريس، هو النص الوحيد الذي يسمح للأساتذة الباحثين الذين زاولوا مهامهم لمدة سبع سنوات متتالية بالاستفادة من إجازة لأجل البحث أو استكمال الخبرة أو إعادة التأهيل أو تدريب لمدة سنة جامعية ما لم يكن ذلك متنافيا مع حاجات المصلحة.

إن إصلاح المنظومة التربوية لن يتأتى في الجامعة مادام أن القانون المنظم لهيئة التدريس يقاوم من طرف الأطر نفسها واللجن العاجزة عن الاحتكام لهذا القانون، في مقابل ذلك يسود منطق "السيبة"،  في ما يجتهد من يعيق القانون المنظم لهيئة التدريس في المناداة بتطبيق القانون فقط لما يتعلق الأمر بإجهاض مشاريع علمية أو بحثية وإجهاض التكوينات الجديدة.

إن العقلية التي تتعامل مع الجامعة بالانتهازية وتبحث عن إطالة "عطالة" الإطار الجامعي والاحتكام إلى الأعراف في ظل وجود قانون ينظم العملية التربوية، لا يمكنها إلا أن تقف أمام كل مبادرة للإصلاح الجامعي.. فالخلل اليوم لا يكمن في المساطر القانونية أو في المؤسسات ومن يديرها، بقدر ما يكمن في الإطار الجامعي، الذي يتملص من عملية التدريس واستفاء عدد الحصص المسطرة في الدفاتر البيداغوجية، وبالتالي لا يمكن أن يعول عليه في تطوير البحث العلمي، الذي يعد القاعدة الأساسية، التي تنطلق منها محاور التنمية الصناعية والاجتماعية والاقتصادية؛ إلى جانب ذلك هو مقياس التقدم للدول.

إن الوزارة اليوم معنية، بتتبع سير الدراسة ليس فقط على مستوى الماسترات والإجازات المهنية، ولكن على مستوى الإجازة الأساسية، التي تعيش أوضاعا مأساوية وخرقا سافرا للقانون وللدفاتر البيداغوجية، سواء من حيث استيفاء عدد الساعات المخصصة لكل وحدة، أو من حيث الالتزام بمضامين توصيف الوحدات المقدمة في الدفاتر البيداغوجية، أيضا لا بد من الوقوف على مدى مطابقة القانون المنظم لهيئة التدريس وما يمارس في الميدان.

- عبد الرحيم عنبي، أستاذ علم الاجتماع، جامعة ابن زهر