قضت غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بالرباط، مساء الأربعاء 11 ماي 2016، بإلغاء الحكم الاستئنافي القاضي بخمس سنوات سجنا نافذا في حق محماد الفراع الرئيس السابق للتعاضدية العامة لموظفي الإدارات العموميةMGPAP، وإلغاء قرار الحجز على ممتلكاته. كما قضت ببراءة المعني بالأمر من تهمة “تبديد أموال عمومية”.
وكانت محكمة النقض قد قضت في 23 يوليوز 2014 ، بقبول طلب النقض الذي تقدم به دفاع محماد الفراع الذي توبع من أجل “تبديد أموال عمومية”.
كما يجدر التذكير أن غرفة الجنايات الاستئنافية المكلفة بجرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بالرباط كانت قد قضت في 25 أبريل 2012 ، برفع العقوبة الحبسية الابتدائية من أربع إلى خمس سنوات سجنا نافذا في حق محماد الفراع، بعد مؤاخذته من أجل تهمة “تبديد أموال عمومية”، فيما قضت بعدم متابعته من أجل “اختلاس أموال عمومية واستغلال النفوذ”.
ومعلوم أيضا أن غرفة الجنايات الابتدائية كانتقد قضت في أبريل 2011 ، بأربع سنوات حبسا في حدود 30 شهرا نافذة في حق محماد الفراع وموقوفة التنفيذ في الباقي وغرامة قدرها 10 آلاف درهم.
يذكر أن ملف المتابعة تضمن توجيه تهم للفراع تتعلق ب”اختلاس أموال عمومية والتزوير واستعماله والارشاء وخيانة الأمانة واستغلال النفوذ وتبييض الأموال والمشاركة” كل حسب ما نسب إليه.
وهذا الحكم بالتبرئة يعيد طرح السؤال حول التعامل الجدي مع قضايا جرائم الأموال والمساطر التي تتعرض للتحايل والالتفاف...
وهو حكم صادم للكثيرين ممن تابعوا ملف التعاضدية العامة على مدى 14 سنة، جاء في وقت يتابع فيه الرأي العام التعاضدي انتفاضة عدد كبير من منخرطي التعاضدية العامة للتربية الوطنية MGEN، والتنظيمات النقابية في القطاع ضد الانتخابات المخدومة المنظمة يوم الأربعاء 11 ماي 2016، وما شابها من خروقات مفضوحة على مجموع التراب الوطني تمت مواجهتها برد قوي، اتخذ أشكال احتجاجية عدة من بينها استنكار خمس نقابات تعليمية ما أسمتها بـ"الخروقات" التي شابت عملية انتخاب مناديب التعاضدية العامة للتربية الوطنية، واصفة هذه العملية بـ"مذبحة الديمقراطية".
وكشفت النقابات الخمس (النقابة الوطنية للتعليم -الجامعة الوطنية لموظفي التعليم- الجامعة الحرة للتعليم - النقابة الوطنية للتعليم -الجامعة الوطنية للتعليم)، جملة من "الخروقات والتلاعبات" التي شهدتها عملية انتخاب مناديب التعاضدية المذكورة، من بينها اعتماد شروط تعجيزية للترشيح وعدم نشر لوائح الهيئة الناخبة بمكتب التصويت يوم الاقتراع، وغياب لائحة تخص توقيعات المصوتين، مما فتح الباب أمام كل أشكال التزوير".
أكثر من ذلك أكدت النقابات في بيان لها أن الإنتخابات تم خلالها اعتماد أوراق تصويت غير مختومة، إضافة إلى اعتماد مكتب وحيد لعملية الاقتراع من أجل استقبال أزيد من 4000 ناخب وناخبة، مع تهريبه إلى أبعد منطقة في عدد من المدنكما حددت الإدارة 82 مكتب تصويت لـ 84 إقليما وبالتالي للقيام بعملية التصويت يجب التنقل لمسافات طويلة داخل الإقليم ومن إقليم إلى آخر!!.. حيث مكتب وحيد للتصويت خاص بالآلاف من المنخرطين/ات...كماأنه "لم يُسمح لممثلي المترشحين والمترشحات بالحضور لمجريات العملية الانتخابية، كما سجل البيان مواصلة الحملة الانتخابية داخل مراكز التصويت يوم الاقتراع.مما عرقل عملية الاقتراع وأفرز وضعا غير سليم للعملية الانتخابية".وبعبارة أشمل اعتبرت التنظيمات النقابية أن هذه "العملية قد غابت عنها كل مبادئ الديمقراطية والشفافية والنزاهة"، وأكدت النقابات المذكورة مطالبة الجهات الوصية "بفتح تحقيق نزيه في الموضوع واتخاذ اللازم من أجل تصحيح المسار".
وقبل هذين الحدثين بشهور شهدت التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العموميةMGPAP تنظيم انتخابات مخدومة لتجديد مناديب المنخرطين ( شتنبر - أكتوبر 2015)، ارتكبت فيها مجزرة كبيرة في حق الممارسة الديمقراطية، حيث عبرت التنسيقية النقابية والحقوقية لمناهضة الفساد في التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية في أحد بلاغاتها عن تتبعها بانزعاج كبير استمرار الخرق الممنهج والهمجي لكل القوانين والضوابط ومختلف مظاهر الاستهتار بمصالح المنخرطين، وتلفت انتباه كافة المسؤولين على الشأن العام إلى خطورة الوضعية التي وصلت إليها التعاضدية والتوغل المقصود في اللامشروعية ( الانتخابات المخدومة، والجمع العام خارج الشرعية والمجلس الإداري الصوري وسوء التدبير المالي وللموارد البشرية، النظام المعلومياتي الوهمي الذي يلهف ملايين الدراهم دون أن يخرج للوجود، عدم شرعية العديد مما سمي بالمندوبيات الجهوية، التلاعب في مستحقات ملفات المرض والتلاعب في الأرقام السرية المسلمة من لدنكنوبس.....).
وتأتي هذه الوقائع في وقت لا زال مجلس النواب لم يطلق بعدُ سراح مشروع مدونة التعاضد التي من المنتظر أن تحل محل قانون متقادم تجاوزته تحولات المجتمع المغربي ومتطلبات التغطية الصحية، حيث يعود القانون المنظم للقطاع التعاضدي ببلادنا إلى سنة 1963 ولم يعد يساير مستجدات الساحة لاسيما مواجهة النهب وسوء التدبير الذي يعشش في القطاع حيث حوله إلى مصدر للريع التعاضدي وللاغتناء اللامشروع الذي لم يواجهه قضاؤنا المنخور والفاسد إلا بالتكريس واللاعقاب، يحدد المهام الحكومية ومسؤولياتها....
وعليه فإن تبرئة الفراع، يعد نوعا من النكوص إلى الوراء، والتراجع عن فرض هيبة القانون وسلطته بناء على حسابات انتهازية لا تقيم وزنا لحماية المال العام وحرمته التي تنتهك صباح مساء مما شجع المفسدين والممارسات الفاسدة التي لم تبرح التدبير الراهن للتعاضدية العامة قيد أنملة، وهذا الحكم المشبوه من شأنه المساهمة في تعطيل آليات المحاسبة والمساءلة وردع المفسدين الذين تشجعهم سلبية التعاطي مع الفساد وملفاته التي تتعدد وتتنوع.
إن إصلاح القضاء ومنحه ضمانات الاستقلال والنزاهة، يشكلان المدخَل الأفضل لمكافحة الفساد. فكيف يمكن مكافحة الفساء أمام حكم التبرئة المشبوه؟؟
فعدد قضايا الفساد كثيرة أمام القضاء المغربي، ولكن الأحكام المنصفة للضحايا ولحرمة المال العام تكاد تكون ناذرة وقد تدخل في إطار بيضة الديك، أو الاستثناء الناذر، علما أن الناذر لا حكم له كما في القول المأثور....
كما أن القطاعات الحكومية الوصية على التعاضديات لا تقوم بدورها ولا بأداء مهامها والاختصاصات الموكولة إليها على الوجه الأكمل والأسلم، مما يشجع المفسدين على مواصلة فسادهم لأنهم على يقين أن القضية عندما تصل إلى القضاء يمكن التملص منها بمختلف السبل والأساليب، والتهرب بالتالي من المساءلة وإرجاع الأموال المنهوبة إلى أصحابها.
أين الحكومة من كل هذا ؟؟؟
وهنا يحق التساؤل مرة أخرى عن أسرار صمت الحكومة وتسترها على فساد عدد من التعاضديات، وعلى التلاعب في انتخاباتها وفي تدبيرها الإداري والمالي ( هناك حكم قضائي لفائدة متقاضين طعنوا في انتخابات تعاضدية البريد 2015) علما أنه سبق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، أن أدلى مؤخرا برأي حول الاقتصاد الاجتماعي التضامني ( وضمنه العمل التعاضدي)، حيث كشف عددا من الاختلالات التي تعاني منها التعاضديات، ودعا إلى "ضرورة تعزيز الحكامة الداخلية للفاعلين في قطاع التعاضد، من خلال تحديد صلاحيات الهيئات المنتخبة، ووظائف التدبير، من خلال تمييز واضح بين وظائف التوجيه والمراقبة الموكولة إلى الإداريين المنتخبين، من جهة، وبين وظائف التدبير الموكولة إلى المسيّرين التنفيذيين الذين يعيّنهم المنتخبون، بحيث يصبحون مسؤولين أمامهم".
لكن الغريب أن الحكومة لم تعمل إلى يومنا هذا على التدخل لوقف هذا النزيف، رغم أن العديد من التعاضديات اجتمعت فيها كثير من الاختلالات بالجملة وبالتقسيط، وبمختلف ألوان الطيف، حيث شهدت على خروقاتها تقارير ومراسلات وبلاغات تأكلها الأرضة في دواليب رئاسة الحكومة ووزارتي التشغيل والمالية اللتان عوض القيام بما أناطهما به المشرع، التزمتا صمت القبور والحياد السلبي المشبوه الذي تحول إلى تواطؤ مكشوف.
لذا نكرر مرة أخرى أنه يتعين على رئيس الحكومةالانكباب بجدية على فساد التعاضديات الذي تجاوز كل الحدود، ولاسيما تلك التي ثبت في حقها خروقات تمس منظومة التغطية الصحية ومصالح المنخرطات والمنخرطين، وذلك عبر التعامل بجدية مع تنبيهات كافة الإطارات والتنظيمات التي راسلته بمسؤولية، علاوة على ما زوده به، هو ووزاراته المعنية،مدير الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي (كنوبس)من ملفات باعتباره المسؤول عن تدبير نظام التأمين الإجباري عن المرض في القطاع العمومي وشبه العمومي والجماعات المحلية، بشكل يؤكد حرص مدير كنوبس الصادق على مصالح المنخرطين، بحس وطني قل نظيره في هذا الزمن المغربي الأغبر الذي عم فيه الفساد كل القطاعات.
ولعل أسرع طريق إلى حماية منخرطي التعاضديات وذوي حقوقهم من إجهاز المفسدين وأعداء الممارسة الديمقراطية عليها هومساءلة القائمين بها وترتيب الآثار القانونية لذلك.
ومن هذا المنطلق يحق لنا الدعوة أيضا إلى أن يقوم للمجلس الأعلى للحسابات بالعمل على أن يمدد اختصاصاته لتشمل مراقبته تدبير التعاضديات بما من شأنه أن يمكن من تعزيز الرقابة على جزء هام من الأموال المتأتية من أجور الموظفين، وهي أموال عامة تصرفها الدولة، باعتبارهذه الأموال حصة المُشغل ضمن الجزء الذي يصرفه الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي لفائدة التعاضديات في إطار المهام المنوطة به، في إطار تطبيق نظام التغطية الصحية حسب الضوابط المعتمدة في إطار القانون 00 .65.