ليست المسألة من النوع الذي يمكن أن نعده مجرد fait divers ولو أن مثيلاتها تحدث بالآلاف بل عشرات الآلاف يوميا في بلدنا العزيز.انها بالأحرى مسألة كبيرة بالنسبة لمن يستحضر  أفكار  السوسيولوجي  الألماني (المسكين) Max weber (القرن 19 نعم القرن 19 déjà ) الذي كان قد ربط يوما ما في كتاباته بين التقدم وأخلاقيات العمل وبين هاته واخلاقيات المسؤولية ethic of responsibility.

أخال بعض الأصدقاء والصديقات يهمسون."باراكا من التنظير وادخل لنا في الموضوع .سأفعل وإليكم الوقائع:

تقدمت  اليوم إلى الشباك المكلف بالإيداع  والسحب في وكالة محلية لبنك كبير في مدينة العرائش (قطاع خاص بالكامل )

كانت الساعة تشير إلى الواحدة والنصف  زوالا .

-من فضلك سيدتي أريد أن أحول مبلغا صغيرا إلى حساب ابني  في نفس البنك بمدينة فاس والمسالة فيها شيء من الاستعجال لأن ابني موجود الآن في الوكالة وهو في حاجة إلى هذا المبلغ .

- رد الموظفة (المتدربة فيما عرفت بعد ):لا سيدي لا يمكنكم إنجاز العملية الآن وعليكم انتظار السيدة المكلفة بهذه المهمة في الوكالة.لقد ذهبت من حوالي "شوية" وستعود بعد نصف ساعة أو أكثر "شوية".

- طيب أليس هناك من يعوضها في هذه المهمة؟ لأنني "مزروب شوية".

- شوف مع ذاك  السيد يمكن أن يساعدك.

الرجل منهمك في تقليب أوراق على مكتبه.

من فضلكم الأخ هل يمكنكم مساعدتي في إنجاز عملية بسيطة ؟يتعلق الأمر بتحويل مبلغ صغير إلى حساب في نفس البنك في فاس .

• رد الرجل بابتسامة محسوبة(عرفت انه مدير الوكالة من الطريقة التي تحدث بها مع  الموظفة المتدربة)رد بحسم بعد أن أطبق شفتيه على الضحكة المحسوبة :عليكم الانتظار فما هي إلا نصف ساعة وتعود الموظفة المكلفة. لم أشأ التعليق لأنني كنت اعرف جوابه مسبقا لو عبرت عن امتعاض .كان سيقول "ايوا واش الناس ما يتغداوش "؟

خرجت من الوكالة وفي ذهني هذه التساؤلات :

هذا رجل بنكي banker يستهين بقيمة نصف ساعة من الوقت  في المعاملات البنكية وهي مدة زمنية تكون الوول ستريت أو بورصة زيوريخ أو لندن قد قلبت فيها  اقتصاديات قومية كاملة وغيرت مجرى دورات اقتصادية بكاملها.  هذا banker يقول ما يقوله أي رجل شعبي في أسواقنا البلدي؛ يقول رخاها الله وما لا يقضى اليوم يقضى في المساء أو في الغد  .

 لسنا مجبرين  بالطبع على المقارنة مع الوول ستريت ولندن وزيورخ (مع ان الزمن البنكي ومفهومه و وتيرته لا تعرف ولا تعبا  اليوم بالحدود القومية) - لنأخذ مجالات جغرافية وحضارية أخرى اقرب إلينا في بعض الخصائص والخصوصيات :هل يمكن أن نتصور حدوث هذا في ماليزيا أو إندونيسيا أو سنغافورة أو غيرها من الأقطار الآسيوية الصاعدة .أي أن تتقدم إلى وكالة بنكية ويقال لك عد بعد نصف ساعة؟؟!!

وبعد/هل نستغرب لماذا تقدم الأسيويون بمن فيهم إخواننا في العقيدة؟

والجواب بسيط :

هم هناك يصلون ويشتغلون.

هم هناك يتناولون وجباتهم ويشتغلون.

هم هناك يشتغلون  ويعطون  للوقت كامل قيمته .

وإذن إذا ظهر السبب بطل العجب.