ليس المهم التباهي بأننا حقوقيون من الدرجة الأولى أو من الدرجة الثانية ، وليس مهما أيضا التباهي بالتاريخ والعودة إلى المنشأ أو أسباب النزول ، وانما يكفي تثمين لحظات التأسيس وتقييم المنجزات وكلفة التضحيات وتحصين المكتسبات ، إن كان لها محل . نعم عدد الأنشطة مهم ، غير أن المفيد والمنتج هو كيف يمكن تأهيل هذا التنشيط ومقارنته مع نسبة الوقع ، وليس درجة الآثار الإعلامية العابرة ، بل إن الأجدر من هذا وذاك هو أن يشعر المرتفقون لمجال حقوق الإنسان أنهم تحولوا بفعل النضال الحقوقي ، إلى مواطنين يتمثلون الحقوق والواجبات تجاه أنفسهم وتجاه الوطن الذي يحضنهم ، مع اعتبار أن الفضل لا يعود للأشخاص وحدهم فقط ، وإن كانوا روادا أو أبطالا ، وإنما يعود للحركة الحقوقية عامة باعتبار تكامل الأدوار وتنوع التضحيات وتفاعل الكفاءات ، مع حفظ الحق في التمتع بواجب الاعتراف الاجتماعي .
هو فعلا عصر حقوق الإنسان بامتياز ، ولكنه طويل من حيث الزمن وممتد من حيث المكان والمجالات ، وعصي عن الفهم في اللحظة ذاتها ، وهذا يتطلب منا الجواب عن سؤال الوقع الإنساني المستدام ، بما يعنيه تقييم اتجاه البوصلة الحقوقية ، ليس فقط تجاه تحقيق المقاربة الحقوقية وفق المعايير الكونية ، بل رصد كل امكانيات تقويم المنحى الإنساني للنضال الحقوقي ذي البعد الاجتماعي والثقافي قبل البعد المدني والسياسي ، لأن هذا الأخير لن يكون محل سجال في العلاقة مع الكلفة ، السياسية والمالية ، في حين تتطلب الحقوق الإقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية إنفاقا عموميا كبيرا ، في ظل تخلي الدولة عن « إجتماعيتها » المفترضة والملزمة معا ، حسب السياقات ، وفي ظلال إكراهات الوصاية المالية للخارج / الاستغلالي ، لذلك لابد من أن نفرع عن السؤال السابق أسئلة مدعمة ، منها سؤال مدى نجاحنا في بلورة لغة إنسانية مشتركة ، لغة وليس خطابا ، نشدد مرة أخرى لغة إنسانية وليس خطابا ، تفاديا للسقوط في فخ أدلجة المقاربة الحقوقية ، فالحقوق يشرعنها القانون وليس الأخلاق أو الدين أو السياسة ، فلنجرب تحليل السلطة والقوة للتوصل إلى الغاية الحقوقية والتي تتنافر مع هذه المعطيات ، أي الدين والأخلاق والسياسة وأحيانا الإقتصاد ، لأن استدعاء شرعنة القوة والسلطة يفيد في الحالات التي قد يبدو فيها أن مطلب التحرير والمقاومة إرهابا ، يعفي من إعمال المقاربة الحقوقية ، والذي قد يسقطنا في تبرير محاربة الانتهاك بانتهاك آخر ، فليس الخطأ يصلحه الخطأ ، وليس يكفي فضح الانتهاك دون العمل على معالجة أسبابه ، فالصراع السياسي والاقتصادي والاجتماعي له ثمنه ، ومهمة الحقوقيين ليس التفكير في تجذير نضالهم ، بصفتهم تلك ، من أجل تغيير منظومة الحكم والحلول محل الحاكمين ، وانما قد يسمح بهامش المعارضة من باب الإصلاح والحد من تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ، دون الانشغال بطبيعة النظام أو التفكير في نيل السلطة وامتلاك القوة العمومية ، التي هي حكر للدولة وحدها ، لأن القانون يشرعن لها الحق في استعمال العنف المشروع ، طبعا دون التعسف في استعماله . فاللغة الانسانية المشتركة هي الخضوع طوعا لمقتضيات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني ، الضامنين لكل تدبير سلمي ، في أفق دمقرطة ، الصراع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفكري والبيئي حتى ، أما الصراع الديني فيصعب تدبيره سلميا لتعطش أصحابه وغلو مضامينه بالعنف المحقق للحق في خلافة الله على الأرض .
لقد تم استهلاك كل التراكم الحقوقي المنتوج ، ودون إبداع مستمر مقرون باستشراف ، فسوف تنتصر المقاربة الأخلاقية المغلفة للنفحات الايديولوجية والعقائدية . ،تهيمن في توجيه بوصلة استكمال حلقات مسلسل عولمة اللغة الإنسانية المشتركة ، لأنه لكل جيل خصوصياته القيمية الكونية ، وليس المحلية ، والتعددية والتنوع عوامل ستسعف لابتكار الممكنات مادامت الحقوق ستظل مكتسبة ومقاومة لكل حقوق احتمالية ، وربما سنظل سجناء توجسنا من عقدة صراع الأجيال ، مخافة تكريس قانون النفي المطلق ، اللهم إذا أحسنا تطوير مسار ومساطر أنسنة اللغة الإنسانية المشتركة بتخليص سلوكاتنا اليومية من التباهي والمزايدات التي قد تؤدي في حالة النكوص وعدم القدرة على الإقناع بالحقيقة السوسيولوجية أو الإعلامية ، إلى تسييس المقاربة أو الاستنجاد بالتاريخ والاقتصاد أو السلطة حتى ، بما في سلطة المعلومة أو سلطة الأخلاق والسياسي الموجه لكل ماهو ثقافي .
نعم الأخلاق مفيدة ولكن إذا تمثلناها جميعا كسلاح لقتل ثقافة التحقير والوصم الماسة بالحق في الكرامة والحق في التعايش السلمي في بيئة سليمة من النرجسيات ، الفردية أو الجماعية.