دعونا نعود للوراء قليلا وتحديدا عام 2006 لنتذكر جميعا اليوم الذي وصف فيه فرانسوا هولاند القانون رقم 49.3 بـ"المتوحش"، على هامش أحد النقاشات المتعلقة بعقود العمل الأولى. ليضيف من موقع الأمين العام للحزب الاشتراكي وباستنكار "رغم التمرير القصري لهذا القانون، فإننا سنواصل النقاش البرلماني على أساس التمسك بأنه ضرب خطير لأسس الديمقراطية، وسبب من أسباب تعطيل وكبح الحوار البرلماني".
الآن، تغير الزمن وأصبح فرانسوا هولاند رئيسا لفرنسا كأول رجل سياسي في البلاد، لكن دون أن يكون قانون الشغل أحد أولويات برنامج 2012 الذي انتخب لأجله، وظل خارج أجندة الاهتمامات والانشغالات الحكومية.
وبالتالي، يسهل القول بأن هذا القانون ليس أكثر من خطوة إلى الخلف في مجال الصرح الديمقراطي، خاصة وأن الأغلبية التي تفعله لم يلق أصلا تجاوبا داخل صفوفها.
وعلى هذا الأساس أيضا، يمكن التأكيد بأن القانون 49.3 يشكل تحديا صارخا لأحد أهم مبادئ السيادة التي يُعرفها الفصل الثاني من الدستور كونها "حكومة الشعب، من الشعب وإلى الشعب"، وكذلك تجاهل مهين لحركة شعبية امتدت أربعين يوما كلها سخط ورفض لذلك التمرير الجبري للقانون المذكور.
ومن جهة أخرى، يأتي هذا الاعتراض مؤيدا لموقف "حركة المقاولات الفرنسية" التي لا ترى في ذلك القانون انعكاسا ليبراليا تحت ظل موجة تسريح العمال وانقلاب معايير السلم التراتبي الذي يعطي الأولوية لاتفاق المقاولات على حساب اتفاق الفروع.
يضاف إلى هذا، أن معظم منتخبي اليسار ونوابه يعترفون بأن هناك مشكل حقيقي في تحديد هويتهم حيال السلطة المكتسبة عبر الاقتراع العام لسنة 2012. ومن ثمة يطرح السؤال: لما ما كان صحيحا عام 2006 لم يصبح كذلك اليوم؟
إن مشروعية السلطة تتأسس على مبادئ مكونات المبدأ الديمقراطي المتمثل في أن الشعب هو المصدر الوحيد للسلطة، وأن أي التزام لم يأخذ طريقه إلى التفعيل، يلزم أن يعبر من خلال تصويت الأغلبية أو الاستفتاء. وهذا ما لم يحدث في حالة موضوعنا.
إذن، لا بديل عن العودة لأصل الأمور، والتشديد على أن قانون الشغل هذا ليس من الالتزامات التي اقترعنا من أجلها. بل حتى أنه ليس هناك أثر لما يدعو إليه الفصل الثاني من الدستور، والمؤكد على أن السلطة تخضع له.
ولكل هذه الأسباب، لم يبق إلا أن نتعبأ جميعا لغاية خلق الوسائل التي من شأنها إسقاط هذا القانون، وتلقائيا فتح المجال أمام احترام الديمقراطية.
فالحكومة، وكما هو واضح، اختارت أسوأ الطرق، والتي لن تقود سوى إلى إضرام النار في البلاد. الأمر الذي يستوجب تحمل الجميع، كل من موقعه، المسؤولية الكاملة لتفادي ما يمكن تفاديه.