كباقي المواطنين فوجئت بحر هذا الأسبوع الماضي بالتلويح بإدراج قانون إطار يتوخى فرض رسوم على التلاميذ في المرحلتين الثانوية والجامعية. وبالنظر في هذا الأمر، تتبادر إلى ذهني العديد من التساؤلات حول الفئة التي تلج التعليم العمومي حاليا وترتيب المغرب ضمن باقي دول العالم وآثار هذا القرار على مستقبل التعليم بالمغرب، والحلول البديلة للخروج من هذا النفق المأزم للأوضاع الاجتماعية بالمغرب، ومدى التزام الأحزاب السياسية بالبرامج التي طرحتها أمام الناخبين.
كواحد من الذين صوتوا في الانتخابات الأخيرة، أحس بخيبة أمل كبيرة عندما يتم تمرير قضايا حساسة من قبيل ضرب مجانية التعليم. وكنت قد قرأت البرامج الانتخابية للأحزاب السياسية بتمعن ولم يتم التلويح بفرض رسوم على المتمدريسين، ولو كان الأمر كذلك لما كنت من المتحمسين للمشاركة. وفي هذا الصدد، تتحمل الأحزاب المشاركة في الحكومة مسؤولية أخلاقية في ذلك، لأن من عاهد عليه أن يفي، والوفاء بالعهود يعد من مكارم الأخلاق. وحتى إن صدر رأي للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في هذا الإطار، فقد تبعه توضيح لرئيس المجلس بتنويع مساهمة الفاعلين في التعليم العمومي وليس بالضرورة فرض رسوم. كما أن رأي المجلس ليس إلزاميا ويدخل في باب الاستشارة.
ومن جهة ثانية، فإن الفئة التي تلج التعليم العمومي حاليا هي الفئة الفقيرة، لأن حتى الطبقة المتوسطة الصغرى أصبحت تقبل على التعليم الخصوصي. وأتصور كيف يستطيع أب لثلاثة أبناء دفع تكاليف تعليم أبنائه، علما أنه يتقاضى مبلغ خمسة آلاف درهم وعليه أن يدفع واجب الكراء وأمور أخرى. وأظن أنه سيعاني كثيرا من الناحية المادية. وعكس ذلك ينبغي النظر في الكيفية التي يتم بها تحصيل الضرائب من التعليم الخصوصي وضخها لصالح التعليم العمومي. وكمدرس سابق في القطاع الخاص ألاحظ أن أرباب المدارس الخصوصية يجنون أرباحا خيالية تصل إلى الملايير سنويا. فالأحق أن يتم التوجه إلى تدارس إمكانية فرض الضرائب على التعليم الخصوصي وتوسيع دائرة المؤسسات الخصوصية وتسهيل الإجراءات الإدارية لظهور أخرى واستثمار هذه الديناميكية دون المساس بالمدرسة العمومية.
إضافة إلى أن اقتصار الدراسة على التعليم الاعدادي وتأزيم الأسر ماديا من شأنه يساهم في انتشار الجريمة والتطرف والحقد الطبقي، حيث سيصبح التعليم طبقيا بامتياز. وستصبح فئة متعلمة لها امتيازات مادية وثقافية وأخرى جاهلة تعيش في السوداوية. وهو ما سيؤدي إلى تكاثر الآفات الاجتماعية وبروز ظواهر غريبة عن المجتمع علما أننا نعيش العصر التكنولوجي وما يصاحبه من خصائص. مما سيذكي الصراعات بين أفراد المجتمع المغربي، وهذا يتناقض مع ما يبتغيه الملك محمد السادس للمغاربة من توفير للعيش الكريم وفتح الأمل للشباب للعمل والإبداع والاجتهاد في الحياة والمساهمة في تنمية المغرب. مما سيدفع بالمغرب إلى الأمام و التفوق على باقي الدول، لأننا كدولة ليست لنا موارد طبيعية وإنما لدينا رأسمال بشري يساعد المغرب على النمو والتطور. فالاستثمارات التي استقبلها المغرب في السنين الأخيرة تحتاج بالكاد إلى موارد بشرية متطورة لإقناع باقي المستثمرين بالقدوم إلى المغرب.
وفي ما يخص التعليم العالي، فأظن أن التعليم الإلكتروني سيدر على الدولة أموالا طائلة إن هي عرفت كيف تديره. وعوض الاقتصار على الحلول التقليدية في فرض رسوم على الطلبة، علينا اليوم التفكير في الاستثمار في هذا النوع من التعليم أكثر من أي وقت مضى وخلق عروض دراسية في مختلف أسلاك التعليم العالي لصالح من يريد الدراسة عن بعد عن طريق الإنترنيت، وهذا هو التحدي الذي علينا أن نربحه في القريب العاجل، توظيفه أحسن توظيف. فإذا تم تجويد هذه الخدمة فقد تنفتح الجامعات المغربية على طلبة من دول أخرى للدارسة مدفوعة الرسوم. وهو ما سياسهم في انتشار الجامعات المغربية في مختلف أنواع المعمور وهو فرصة استثمارية مربحة ونحن متأخرين في ذلك. فحتى شواهد الدكتوراه في الجامعات الغربية أصبحت تدرس إلكترونيا.
فالمطلوب اليوم النظر في هذا الورش وتخصيص قانون إطار ينظم التعليم الإلكتروني وتحديد شروط الدراسة والدفع، وبالتالي سنكسب رهان تنويع مصادر الدخل دون تأزيم نفسية الطالب المغربي كيفما كانت خلفيته الاجتماعية.