رضا الفلاح: تلويح البوليساريو بشن الحرب على المغرب و رهانات الجيواستراتيجيا السياسية و العسكرية

رضا الفلاح: تلويح البوليساريو بشن الحرب على المغرب و رهانات الجيواستراتيجيا السياسية و العسكرية الأستاذ رضا الفلاح

 

من أبرز مبادئ فن الاستراتيجيا العسكرية مبدأ مفاده أن تحقيق إرادة السلام يقتضي الاستعداد للحرب في وقت السلم بعبارة هنري كسنجير.

ما يدعونا للتذكير بهذه الحقيقة معاودة كيان البوليساريو الانفصالي و للمرة الألف التلويح بشن الحرب على المغرب، بل و تجرئه هذه المرة على الرفع من وتيرة تنقلاته العسكرية و تحركاته بالقرب من معبر الكركرات. و قد شهدنا في الأيام القليلة الماضية تحركات وصلت إلى درجة  القيام بمناورات حربية بتأطير من القيادة العسكرية الجزائرية في المنطقة  العازلة جنوب الجدار الأمني

تذهب جل القراءات إلى التقليل من خطورة هذه التطورات و اعتبارها موجهة بشكل أساسي للتسويق و الاستهلاك داخل مخيمات تندوف و الرابوني. لكن، يجب على صناع القرار السياسي و العسكري في المغرب استحضار البعد الجيواستراتيجي الحربي لهذه التحركات، و ربطه بمحاولة إعادة الانتشار و التعبئة و التدريبات القتالية التي ترعاها الجزائر في المنطقة المنزوعة السلاح وفقا للاتفاق العسكري الأول.

 و بناءا على ذلك، أصبح من الضروري العمل على إعداد مسبق للحرب و التأهب لكل السيناريوهات المحتملة، و ذلك بالرغم من ضعف العدو الانفصالي و هزالة تحالفاته الدولية و الإقليمية، و تدني القدرات الاقتصادية للدولة التي تحتضنه و تقرر له. غير ان تقدير العدوان المتوقع يجب أن يضع في الحسبان إمكانية مشاركة قوات من مختلف أجهزة الجيش النظامي الجزائري و مرتزقة من جنسيات مختلفة إلى جانب الميليشيات الانفصالية.

فمن الواضح هذه المرة أن فصائل البوليساريو المسلحة تحاول التموقع استراتيجيا على مسافة قريبة من المحاور الطرقية المؤدية للمدن الكبرى و التجمعات السكانية و البنى التحتية و مراكز الإنتاج الاقتصادي على الشريط الساحلي للأقاليم الصحراوية. و هذا ما يشكل تحولا خطيرا  في خطط الانتشار الاستراتيجي و اقتراب غير مسبوق من المنشآت المدنية و العسكرية الحيوية.

استنادا لمعطيات الجيواستراتيجية الحربية، تؤشر هذه الخطوة على أن أجهزة القيادة العسكرية الانفصالية تسعى للرفع من نسق التعبئة و الانتشار و التدريب.  و في ظل هذه الأحداث،  فقد أصبح لزاما على المغرب وضع تخطيط مسبق و شامل لسيناريوهات الحرب المحتملة، و أن يتم استباق الخطط و المسارات الحربية التي يعدها الانفصاليون و المرتزقة بدعم مكشوف و إشراف مباشر من الجيش الجزائري و الاستخبارات العسكرية الجزائرية.

إن التطورات الأخيرة تحمل عدة مؤشرات خطيرة تدل على أن قيادة البوليساريو تريد إحداث تغيير مفاجئ في انتشارها و تمركزها العسكري مع ما تتيحه إمكانية الاستفادة من تماهي النظام الموريتاني مع الأطروحة الانفصالية من فرص سانحة لإنشاء تجمعات استراتيجية غير بعيدة عن المناطق الحيوية و ذات الأهمية الاستراتيجية على طول الساحل الصحراوي على الحدود المغربية الموريتانية.

حتما، المغرب يعرف جيدا أن احتمال الحرب قائم و أن الجهود الدبلوماسية و السياسية لمنع نشوبها قد لا تنجح، و بالتالي وجب الاستعداد لردع أي عدوان محتمل. لكن، من المؤكد أن هذا الرد يتطلب تخطيطا استراتيجيا شاملا للدفاع عن الوطن و إحباط خطة العدو، و يقتضي تعبئة الطاقات و الإمكانيات لتحقيق نصر سريع و بأقل الخسائر الممكنة.

تتطلب الحكمة الجيواستراتيجية عدم الاستهانة بالعدو بما في ذلك الجيش الجزائري، و من تم إعداد خطط منسجمة مع السيناريوهات المحتملة لتحركه على رقعة الميدان من أجل ترتيب رد منسق و ناجع ضده.

على مستوى عناصر القوة، يمتلك  المغرب مقومات و عوامل مادية و معنوية مؤثرة بشكل إيجابي و على رأسها العمق الجغرافي الاستراتيجي و الواجهة البحرية مما يحتم التركيز على ملء الفراغات و نهج استراتيجية تتناسب مع طبيعة السطح الصحراوي المنكشف و المفتوح. بالإضافة إلى ذلك وجب الرفع من القدرات الهجومية ذات التأثير المركز و الرادع مع استخدام أحدث التكنولوجيات العسكرية و أجهزة الاستشعار عن بعد و صور الأقمار الصناعية.

بكل تأكيد، سيقبل البوليساريو على عملية انتحارية إذا ما استهدف الجدار الأمني وحاول فتح جبهة القتال بالقرب من المعبر الحدودي للكركرات.  فيجدر التركيز هنا على الرفع من الفعالية و الجاهزية البشرية و التكنولوجية  للدفاع الجوي و القوات الجوية و الدفاعات الصاروخية بغرض إحباط و دحر العدوان المحتمل.

ختاما، يفرض منطق الجيواستراتيجيا و المتغيرات الجيوسياسية و الجيواقتصادية بالمنطقة على المغرب عدم استبعاد الخيارات العسكرية، و تطوير استراتيجيات الرد المضاد و السريع بالاعتماد على تنظيم و تنفيذ محكمين لخطط الدفاع و الهجوم في حينها و بالتناسب مع حجم الخطر المحتمل.

يقتضي المنطق ذاته إعداد نسق استراتيجي متكامل يجمع بين القدرة الدبلوماسية و العسكرية، و يزاوج بين الإمكانيات الاقتصادية و البشرية و التكنولوجية، في إطار تقوية الروح المعنوية و الإرادة الوطنية و الكفاءة التنظيمية على مستوى القيادة و التخطيط.