تهريب الأثواب.. الخراب الصامت الذي أعدم قطاع النسيج بالمغرب وشرد آلاف الأسر

تهريب الأثواب.. الخراب الصامت الذي أعدم قطاع النسيج بالمغرب وشرد آلاف الأسر

إذا كان المغرب يحتل مرتبة متقدمة في قائمة الدول المتنافسة في قطاع النسيج، فإن وراء الأكمة ما يضعف هذه المنافسة، إلى درجة أن الأمر أشبه بزوجين على فراش واحد، أحدهما يمد اللحاف، والآخر يشده، أحدهما يغطي والآخر يعري، والسبب يرجع إلى قيام بعض «المحميين الكبار» بإغراق الأسواق بالمنتجات المهربة من الحدود المغربية الموريتانية.

فقد كان قطاع النسيج والجلد يشغل حوالي مليون فرد، أما اليوم فإنه يتعرض اليوم إلى خطة شاملة للإتلاف في الوقت الذي تتطلع بلادنا إلى إحداث آلاف منصب الشغل، علما أن السوق المحلية لقطاع النسيج بإمكانها أن تستوعب - في نظر خبراء استأنست «الوطن الآن» برأيهم - رواج 5 ملايير دولار كرقم معاملات سنويا، وهو رقم بوسعه أن يساهم في إنشاء 5000 معمل، كل معمل يشغل ما بين 150 و200 فرد، أي ما يُمكِّن من توظيفها بين 750 ألف ومليون مواطن مغربي. أما إذا أضفنا قطاع التصدير، فإن قطاع النسيج بإمكانه أن يستوعب يد عاملة أخرى، وبأعداد مهمة.

فمن المسؤول، إذن، عن هذا الخراب الذي يتعرض له هذا القطاع الحيوي؟ إن مكمن الخطورة في هذا الخراب الصامت، حسب ما توصلت إليه «الوطن الآن»، هو أن المستفيد من هذا التهريب الذي ينخر قطاع النسيج هم 10 أشخاص نافذين تحت مسمى شركات وهمية بجلب السلع المهربة من آسيا (أثواب، ملابس جاهزة، أحذية.. إلخ)، وهي معظمها مصنعة من مواد خطيرة مسرطنة، أو عبارة عن «خردة» زائدة عن حاجة السوق الأوربية أو الأمريكية.

إن هؤلاء المهربين النافذين لا يشكلون خطرا على القطاع بانحيازهم الجشع للمنافسة غير الشريفة والتهريب، بل يشكلون خطرا على الأمن الصحي للمغاربة، وهم بذلك ينتمون صراحة إلى فئة الخلايا النائمة التي تقتل بهدوء مقابل ملايين الدراهم التي تجد الطريق إلى حساباتها البنكية، هنا وفي الخارج. وهذا يطرح، أولا، ملاحقة هؤلاء المجرمين وتشديد المراقبة الجمركية على السلع التي «يهربها» هؤلاء «النافذون» الذين لا يتعدى عددهم أصابع اليد، والمعروفون من طرف الذين يشتغلون في القطاع، وذلك للتمكن من استعادة السيطرة على السوق الداخلي، ومحاربة هذه المنافسة غير الشريفة التي ينبغي أن تدخل ضمن أولويات استراتيجية الدولة التي تردد في كل المناسبات أنها تحارب التهريب والقطاع غير المهيكل، وأنها تعمل على تشجيع الاستثمار في هذا القطاع..

إن التهريب على المستوى المغربي كان يتم من مدن الشمال، لكن بعد الحزم في إغلاق هذا المنفذ خلق المهربون مسارات أخرى جنوبا عبر المنفذ الموريتاني، إذ تدخل إلى المغرب من موريتانيا الشاحنات المحملة بالسلع المهربة، وهو ما يطرح أكثر من تساؤل حول هوية المهربين ومستوى نفوذهم، فضلا عن خطورة هذا المسار على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

إن التهريب الموجه إلى السوق المغربية لا يعني سوى شيء واحد، ألا وهو أن ليس للبلاد رب يحميها، وليس فيها قوانين رادعة، ولا سلطة قادرة على حماية الاقتصاد الوطني من الإتلاف المنظم. فانظروا، مثلا، إلى تونس أو تركيا وغيرها من البلدان التي تراهن على قطاع النسيج كيف تحمي أسواقها بنصوص ذكية وقوية ورادعة، وأنظروا إلى بلادنا كيف لا تتمكن من الحفاظ على استثماراتها في هذا القطاع، وكيف يلعب التهريب والقطاع غير المهيكل دورا حاسما في ضياع آلاف فرص الشغل بقطاع النسيج. والحال أن المغرب المتأزم في حاجة ماسة إلى كل فرصة شغل وإلى كل مبادرة تشغيل، في الوقت الذي يخرب الفاسدون اقتصاد البلاد ويحرمون المستثمرين المغاربة والأجانب من المجيء إلى البلاد لبناء المصانع.

هكذا يتضح أنه إذا كانت كل البلدان تراهن في تحقيق نموها على القطاع الصناعي، فإن بلادنا التي يمارس حراسها «عين ميكا» عن تهريب «النافذين الكبار» تراهن على بقائها في الفقر واللااستقرار ما دامت تضيع فرصة تنمية قطاع بإمكانه أن يؤمن فرصة شغل لربع ساكنة المغرب (سبق أن قلنا بأن بإمكان قطاع النسيج تشغيل ما بين 750 ألف ومليون فرد، أي ما يمثل الاستقرار لربع السكان إذا علمنا أن كل عامل لديه 5 أفراد، أي ما مجموعه 5 ملايين مواطن). بل والأخطر أن التساهل مع هؤلاء المهربين لا يفقد المغرب فرص الاستثمار والتشغيل فحسب، بل ويقود هؤلاء المحميين إلى تهريب العملة الصعبة لشراء «الفاتورات المدرحة» نقدا وعدا (كاش) بالخارج، وهي فاتورات تتضمن أثمنة جد منخفضة بالتحايل حتى إذا ضبطت شحنة ما تكون الغرامة الجمركية تافهة. وإذا كان المبشرون العشرة بالثراء على حساب صحة المغاربة وجيوبهم يعملون على إغراء الزبائن على اقتناء السلع بأسعار منخفضة، فإن ترك الحبل على الغارب سيؤدي إلى تجذير التهريب، وإلى تعامل المهربين مع المغرب كأرض محررة يمكن أن يباع فيها حتى الإنسان نفسه، وبأثمان بخسة.