أبو أيمن الفارح:هل ينجح المغرب في فك الإشتباك الديبلوماسي مع أمريكا؟

أبو أيمن الفارح:هل ينجح المغرب في فك الإشتباك الديبلوماسي مع أمريكا؟

لم يعد خافيا كون العلاقة المغربية الأمريكية دخلت مرحلة جديدة ودقيقة مفتوحة على كل الاحتمالات والتكهنات. يتجلى هذا، بوضوح تام، في المواقف الأمريكية من قضية الصحراء، بدرجة أولى، ومواقف أخرى، تعطي انطباعا ظاهريا بتفهم موقف المغرب من قضية وحدته الترابية والحرص على الحفاظ على العلاقات التاريخية المتميزة بين البلدين، لكن على مستوى الفعل والخط الرسمي، تنهج السياسة الأمريكية منحى تصاعديا معاكسا لطموحات وتطلعات المغرب لوضع حد لقضية مفتعلة تعطل مسيرته التنموية وتستنزفه على كل المستويات.

وبالموازاة مع الموقف السياسي الرسمي المقلق، تطلق الولايات المتحدة الأمريكية أذرعها الحقوقية، من خلال جمعيات وهيآت حقوقية محلية ودولية تشوش على المسار الديمقراطي الذي انخرط فيه المغرب والذي وإن كان لازال لم يتخطى بعد مرحلة البناء والتأسيس فهو يحمل بذورا واعدة في حقل الديمقراطية، في حاجة ككل المشاريع الإنسانية للرعاية والدعم والحماية. إن تسليط الأضواء والاهتمام الزائد من لدن هذه الجمعيات والهيآت بقضايا بعينها  وفي ظروف خاصة ومنتقاة بعناية وإخراجها من سياقاتها الطبيعية وتحميلها ما لا طاقة له به حقوقيا، هو فعل غير بريء إطلاقا وينخرط ضمن الجهود الرامية إلى وضع المغرب تحت الضغط المستمر واستنزاف من نوع حقوقي لأجل تحقيق غايات سياسية تلتقي حولها الجزائر من جهة، لمجرد عداء مجاني سببه عقد التاريخ والحضارة والدولة المغربية المتجذرة في التاريخ في مقابل دول حديثة النشأة والمرتبط وجودها بالاستعمار، ومن جهة أخرى الولايات المتحدة الأمريكية حاملة نظرية الفوضى الخلاقة ومشروع تفتيت الأنظمة وتقسيم الدول العربية وشعوبها لبناء نظام عالمي جديد. في الوقت الذي تخضع فيه الولايات المتحدة الأمريكية المغرب لكل الضغوطات الممكنة، حقوقيا وديبلوماسيا وعسكريا كذلك، كما سنبين لاحقا، تعمل على سلوك سياسة المحاباة والإغراء وغض الطرف عن أوضاع حقوق الإنسان في الجزائر وفي مخيمات تندوف ولحمادة  وكذلك طبيعة النظام السياسي الجزائري العسكرية الذي ينخره الفساد على كل المستويات، بل الأدهى من كل هذا وذاك أنه في الوقت الذي خلقت المتاعب الكبيرة للنظام المصري بسبب الظروف التي شابت سقوط نظام حكم الإخوان المسلمين، نجدها تلتزم الصمت بخصوص مذبحة الديمقراطية في الجزائر على عهد فوز الإسلاميين ولا ترد أي إشارة بهذا الخصوص لهذا الماضي الحاضر الأسود، كما أنه تصاب بالعمى والصمم اتجاه مطالب شعب القبايل العادلة والمشروعة.

ندرك جميعا بأنه لا مجال للعاطفة في العمل السياسي، المصالح تحكم العلاقات الدولية، وهي القاعدة التي تحرك الآلة الأمريكية في منطقة شمال إفريقيا وفي كل بقاع العالم وقد نضيف إليها جرعة من عداء بعض مكونات الدولة الأمريكية للحضارة العربية والإسلامية بشكل عام.

دولة الجزائر ترقد فوق بحيرة من الغاز والبترول، كما إنه توجد في ملتقى طرق المناطق الغنية بالموارد الطاقية، على مستوى القارة الإفريقية، على الأقل، ولا أدل على هذا من الإكتشافات المهمة الأخيرة بدولتي موريطانيا والسينغال، كما أن كل المؤشرات لا تستبعد الأراضي المالية من التوفر على مصادر طاقة مهمة. و في هذا الإطار كذلك يندرج الاتفاق العسكري السينغالي الأخير، الذي تم مباشرة بعد الاكتشافات الطاقية في المنطقة.  في المقابل، يجثم المغرب بثقله الحضاري والتاريخي والثقافي على موقع جغرافي متميز وفريد، بحوالي 3500 كم من السواحل البحرية على واجهتين وامتداد في العمق الإفريقي على مستوى حدوده البرية الجنوبية، وبالنظر لعلاقاته المتميزة والمتجذرة تاريخيا مع الدول الأوروبية وفي مقدمتها فرنسا وإسبانيا وبدرجة أقل البرتغال وألمانيا، فالمغرب مؤهل للعب دور كبير في مراقبة المنطقة وضبط هذا الشريان الحيوي من وإلى أوروبا وكذلك إلى باقي دول العالم.

كما لا يمكن إغفال عامل جلاء قواعدها العسكرية من المغرب في بداية الأستقلال والذي لم تنظر إليه بعين الرضى، مع العلم بأن كل عودة لها إلى المغرب باتت مستحيلة بالشكل والكم الذي كانت عليه سابقا، بالنظر لعدة معطيات، من ضمنها الرفض الشعبي لوجود من هذا النوع والتوجس الرسمي للدولة باعتبار الحضور العسكري الأمريكي في المغرب ساهم في التشويش على الحياة السياسية للبلاد وشكل عامل ضغط إضافي على العلاقة بين المؤسسة الملكية والمعارضة، ذات زمن وهذا موضوع آخر يحتاج إلى كثير من الدراسة والتمحيص ونتطرق إليه على سبيل محاولة الإحاطة بالعناصر الضرورية المتداخلة من أجل فهم الموقف الأمريكي من المغرب، بشكل عام.

إن السلوك الأمريكي اتجاه الجزائر ومحاولات التقرب والمحاباة  والتدليل، اعتبره المغرب يصب في مصلحته بالنظر للتقارب الإيديولوجي بين المغرب وأمريكا وكان يرى فيه عامل امتصاص وتخفيف لضغوط دول المنظومة الاشتراكية عليه وكذلك محاولة لإخراج الجزائر من فلك الاتحاد السوفياتي، لكن انهيار المعسكر الاشتراكي لم يكن له أي تأثير على السياسة الأمريكية في المنطقة واتجاه الجزائر بشكل خاص، وبدأت الحقيقة تنجلي، حقيقة مشاريع أمريكية تحمل بين طياتها معاول هدم الإستقرار المغربي في إطار مخطط شامل يهدف إلى تفتيت الأنظمة وتقسيم الدول والشعوب في المنطقة العربية.

ما يحدث بخصوص تلاعب الولايات المتحدة الأمريكية واستغلالها لثقته ووفاءه لأصدقاءه، هو نفسه يحدث على مستوى العلاقات الروسية الجزائرية وبشكل معكوس، حيث تجعل من صفقات الأسلحة مع روسيا مسكنا لآلام هذه الأخيرة جراء العلاقة الجديدة المشبوهة الجزائرية الأمريكية.

هذا التحول في العلاقة، يحقق حلما بل مشروعا جزائريا قديما عبر عنه عبد العزيز بوتفليقة أيام كان وزيرا للخارجية، عندما عبر لعراب الخارجية الأمريكية هنري كيسنجر، حسب وثائق أمريكية تم رفع السرية عنها مؤخرا، حيث عبر بوتفليقة  في لقاء بباريس في شهر دجنبر من سنة 1975، عن استعداد الجزائر لتصبح صديقا حقيقيا لأمريكا إذا تخلت هذه الأخيرة عن مواقفها الداعمة لحقوق المغرب في الصحراء. وتجدر الإشارة إلى أن الدولتين لم تكن تربطهما أية علاقة ديبلوماسية آنذاك.

تجتمع الظروف المواتية اليوم لتقريب الطرفين أكثر:

-أمريكا تعمل على إحكام قبضته على الموارد الطاقية والمعدنية الهائلة بالقارة السمراء، ولبلوغ هذا الهدف بدون مشاكل لزم عليها تقويض العلاقة الروسية الجزائرية وبالتالي سد كل المنافذ الروسية على إفريقيا.

-الجزائر تهدف إلى تغيير الموقف الأمريكي من قضية الصحراء ووقف دعمه وفي ذات الوقت الإستقواء بأمريكا في مواجهاتها وعلى الخصوص في مواجهة فرنسا الحليف الأول للمغرب.

في إطار هذا المخطط يندرج الاتفاق العسكري الأمريكي السينغالي الذي لا يمكن اعتباره ضد مصالح المغرب، لكنه يحمل إشارات بإمكانية الاستغناء عن المغرب كقاعدة رئيسية في الانطلاق ضد الإرهاب في إفريقيا، ولربما هو شرط جزائري لتسهيل مهام أمريكا في المنطقة وتحقق من خلاله الجزائر مهمة زرع بذور الشك في علاقات المغرب مع أصدقاءه بدول غرب إفريقيا ودول جنوب الصحراء.

لأمريكا ذرائع قوية لهذا التوجه العسكري الجديد، ويتعلق إضافة إلى الموقف المغربي الرسمي والشعبي الرافض لوجود قواعد عسكرية أمريكية على ترابه، هناك رفض المغرب استقبال قيادة قوات أفريكوم على أرضه وكذلك ضغوطات تتعرض لها أمريكا بخصوص المناورات العسكرية المشتركة، كما هو شأن مناورات الأسد الإفريقي بجنوب المغرب بطانطان، هذه المناورات التي ألغى المغرب مشاركته فيها سنة 2013 ردا على تقديم أمريكا لمسودة قرار إلى مجلس الأمن يوصي بتوسيع مهام المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء.

هل ينجح المغرب في إسقاط المخطط الجزائري واحتواء الموقف الأمريكي من قضيته الوطنية من خلال التلويح بالاستعداد للتخلي عن دور حليف أمريكا والحليف الرئيسي للحلف الأطلسي من خارج الحلف؟ أو بعبارة أخرى، هل  يسير المغرب على طريق سحب اعترافه التاريخي بأمريكا؟