عادل الجعفاري: الحمد لله! انتهت الحملة الوطنية ضد الرجل

عادل الجعفاري: الحمد لله! انتهت الحملة الوطنية ضد الرجل عادل الجعفاري

- أكره كلمة "الحملة"..

الحملة الانتخابية، الحملة الإعلانية، الحملة العسكرية، وحتى "الحملة" بالمعنى الشائع للكلمة، أي السيل الذي يجرف بقوة كل شيء يعترضه. كلها استعمالات لهذه الكلمة رابطها المشترك هو الدلالة على الإكراه والخضوع لأمر ما بقوة. والحملة الوطنية لوقف العنف ضد النساء، التي انتهت أخيرا، اقتربت خصوصا من المعنى الشائع لكلمة "الحملة"، فقد سلطت عنفا نفسيا ومعنويا على أفراد هذا الشعب الذي رفضها انطلاقا من فطرته وقيمه ودينه. كما أنه لا يستطيع أن يعبر عن هذا الرفض إلا متسترا من خلال تعليقاته في مواقع التواصل الاجتماعي، أو النقاشات الخاصة بين الأصدقاء، أو النكت الساخرة، وكأننا نعيش في فترة الحماية أو سنوات الرصاص.

تنظيم مثل هذه الحملات المسماة "حملات وطنية" تتم دون استشارة لهذا الشعب الصامت، حيث غالبا ما لا نعرف من بادر لخلقها، وغالبا أيضا ما يُؤتى بها فجأة قبيل تطبيق بعض القوانين ذات الأثر الاجتماعي، وذلك لتمهيد الطريق لانتقال هادئ من مرحلة مجتمعية لأخرى بأقل الخسائر التي قد يسببها الرفض الشعبي.

لكن قضية المرأة هي القضية الوحيدة في نظري التي يسهل تحقيق الإجماع الإعلامي حولها، وتمرير كل القوانين كيفما كانت آثارها على هذا المجتمع العربي، الأمازيغي، الإفريقي، الإسلامي الذي ما زال يخطو أولى خطواته في بناء الدولة الحديثة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، لأن قضية حقوق المرأة يتم شحنها إعلاميا بهالة من القدسية جعلتنا نؤمن بأن المرأة قد تعرضت فعلا لمحرقة شبيهة بالهولوكوست النازي من طرف رفيقها الرجل، والآن يجب أن نرد لها الاعتبار، ومن يعارض هذه القوانين الجبرية كمن نفى حدوث الهولوكوست ويجب أن يحاكم فقط على رأيه المنكر لحدوثها.

- المسرحية الأممية وعنف القوانين المتعلقة بالمرأة:

يبدو جليا لكل متتبع لمثل هذه الحملات التي تسبق المصادقة على قوانين صعبة التنزيل الواقعي، أن المُشرع المغربي يكون مكرها لا بطلا، فهو في وضع حرج بين سندان الرفض الشعبي ومطرقة التوصيات الأممية التي تُفرض على الدول النامية وتُرفض من طرف الدول العظمى كاتفاقياتCEDAW ،  CCNUCC إلخ، لكن المُشرع بمكره السياسي يفلت بجلده بعد تنزيل القوانين ويترك المطرقة تهوي على السندان.

لم أرد في البداية الكتابة في هذا الموضوع لأني ظننت أن الوصلات الإعلامية التي كنت أصادفها في كل مكان ربما صادفت يوما أو أسبوعا من بين الأيام أو الأسابيع الوطنية أو العالمية الكثيرة حول المرأة، لكن بعدما طال مقام هذه الحملة الإعلامية التي تتبعني كظلي لمدة قاربت الشهر على اللوحات الضخمة بالشوارع وحافلات النقل العمومي، بمذياع سيارتي، وفي فقرات القنوات التلفزيونية وصفحات الجرائد الورقية والإلكترونية، أصبت بوسوسة قهرية حادة دفعتني لكتابة رأي يبدو شاذا إعلاميا، لكنه رأي الأغلبية الصامتة وحتى التي تتكلم وتساهم في الحملة وهي مكرهة ابتداء من الذين سهروا على إخراج القانون رقم 103-13 من طرف الحكومة التي يترأسها حزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ الذي خرج في مظاهرة مليونية يوم 12 مارس من سنة 2000 ضد قوانين تحمل نفس الأفكار، حتى ذلك الضيف المسكين في إحدى البرامج التلفزيونية الذي ما أن يحاول أن يعبر في مداخلته عن رأي مخالف حتى يصمت أمام صراخ الفاعلات الجمعويات الذين يحتلون موائد الحوار ويسبونه على الهواء بنعوت قاسية، كالمريض النفسي وصاحب الفكر الظلامي الذكوري البائد. أكيد أنني سأنعت بمثل تلك النعوت من أناس يدعون أنهم مثقفون ومفكرون يؤمنون بالحوار والرأي والرأي الآخر.

- العنف ضد المرأة... النقاش الخاطئ  Le faux débat

الكلام عن قضية العنف ضد المرأة يعتبر نقاشا خاطئا، بمعنى أن الخوض فيه يؤدي إلى تحويل مسار النقاشات الحقيقية الذي تطرح تساؤلات جادة وتدفعنا لإيجاد إجابات عنها، إلى نقاش عقيم يُخفي أهدافا مضمرة ومدبرة.

في حالة "قضية" العنف ضد المرأة هناك هدفان مدبران اثنان: الأول هو تعبئة المواطن لكي يتجرع ويتشبع بإيديولوجيات الحركات النسائية، ويوافق دون اعتراض على القوانين "الثورية" التي تستعد الحكومة لعرضها في الموضوع لإرضاء المنظمات الدولية، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة. والهدف الثاني هو تحويل الصراعات الطبقية إلى صراعات بين الجنسين، والحقيقة هي أن الرجل والمرأة كلاهما ضحيتان لوضع اقتصادي صعب يسلط عنفا كبيرا على الأسرة بصفة عامة، ويمثل السبب الرئيسي في الخلافات بين الجنسين في إطار الزواج أو خارجه. فضعف الوضعية الاقتصادية للزوج مثلا، قد تؤجج الصراع بين الزوجة والحماة بسبب عدم قدرة الزوج على توفير سكن منفرد. هناك بعض علماء الجدال من سيجيبونني: "أش داه أصلا يتزوج وهو فقير؟". سأنزل لمستواهم وأجيبهم تجاوزا: "لكم كل الحق في ذلك، لكن اسمحوا للمسكين بعلاقة خارج إطار الزواج!". تتدخل الشريعة والقانون المغربيان بعنف ويجيبان دفعة واحدة: "مايمكنش!". سأجيبهم فقط احتراما لهم: "ما الحل إذن؟". سكت فقهاء الشريعة والقانون، وصرخت المرأة بفطرتها بعد صمت طويل مرددة: "اتركوا المسكين يعبر عن رجولته، اتركوه يغازلني، لا تقتلوا فيه روح الإقدام والمثابرة والشجاعة. نعم أنا الذي أستفز رجولته كي يعبر عنها وتتلقاها أنوثتي. الرجولة ليست عنفا، اتركونا وشأننا، أنتم من تعنفون علاقتنا. لا ترموا بصديقي في السجن بسبب تعبيره عن حبه لي، ولا زوجي الصارم بسبب غضبه علي، ولا طليقي الفقير بسبب عدم قدرته على النفقة. لم أشتك ولم أطالب بقوانين ضد الرجل. كفاه أنه هو المعنف، كان أعزب أو متزوجا أو طليقا.

هذا لسان حال المرأة المغربية في البوادي والحواضر. أما الفاعلات الحقوقيات النسوانيات فهن لسان حال منظمة الأمم المتحدة والجمعيات الأوروبية الداعمة لهن.