لقد أوشكت سنة 2017 على الرحيل لتترك مكانها لسنة جديدة لا أحد يمكنه أن يتوقع مجرياتها ومساراتها في عالم لم يعد يسمع فيه إلا صوت العنف ولغة الدمار .. وقد جرت العادة عند نهاية كل سنة ، أن تتناسل التقارير والأخبار والقراءات حول السنة وشيكة الرحيل ، وأن ينتعش منسوب التوقعات حول السنة الجديدة ، وبين هذا وذاك تقرع طبول الأمل في المشارق كما في المغارب في أن تكون الأيام والشهور القادمة أكثر أمنا وسلاما واستقرارا ، إن لم نقل أقل دمارا وأخف خرابــا ... والسنة التي تعيش آخر أنفاسها ، كرست مرة أخرى الوجه الحقيقي لعالم أضحى كلعبة أطفال تحرك أزرارها دول كبرى بالشكل الذي يخــدم مصالحها الآنية والمستقبليـــة ، وبعيدا عن لعبة التخمينات والتوقعات بما ستحمله سنة 2018 ، فإن السنة الحالية ، خلفت الكثير من الدمار والمآسي عبر العالم ، بــدء بالمـدابــح التي تعرضت لها أقلية مسلمي "الروهينجا" في ميانمار ، والتي لم يحرك فيها المنتظم الدولي ساكنا ، مــرورا بالتجارب النووية لكوريا الشمالية ، وهشاشة الوضع في اليمن بعد مقتل الرئيس السابق "عبد الله صالح" من طرف الحوثيين ، إلى الوضــع غير المستقر في ليبيـا ، وانتهاءا بمآسي الحرب الدائرة في المستنقع السوري التي خلفت وتخلف المزيد من القتل والدمار في حق الشعب السوري ، في إطار لعبة "قدرة" تحركها قوى كبرى (أمريكا ، روسيا) وأخرى إقليمية (إيران، تركيا) ،و"أســد " مستبد كان بإمكانه أن يجنب البلاد والعباد شــر الدمار والخراب ، ودون النبش في المزيد من الأزمات والتحديات التي تواجه العالم ، فإذا كان لا مفر من اختيار "رجل السنة" بامتياز ، فهذا الرجل لن يكون إلا الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب " الذي سرق الأضواء وكأنــه نجــم من نجوم هوليود وهو في عز حملته الانتخابية ، وسرق الأضواء و لا يــــزال بعد أن أصبح رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية التي لا زالت تعد القوة الأكثر تأثيرا على الصعيد العالمي، واختيار "ترامب" رجلا للسنة بامتياز ، يعكس صور قاتمة لنظام عالمي يجنح يوما بعد يوم نحو دوائر "الفوضى الخلاقة " التي أجهزت وتجهز على كل القيم المشتركة بين بني الإنسان من محبة وسلام وتعايش وتعاون وتسامح وغيرها ... اختيار فرضته شخصية غريبة مثيرة للجدل ، لم تقدم للعالم إلا المزيـــد من الاحتقان والتوتر بدل الحرص على تجنب كل ما من شأنه إثارة الفوضى والاضطراب في عالم بعض جــبــهــاتــه مشتعلة (سوريا ..) وأخرى مرشحة للاشتعال (إيران ، ليبيا، كوريا الشمالية ..) ، ويمكن استعراض بعض المواقف التي تؤهل "ترامب" ليكون رجل السنة ، منهــا قراره القاضي ببناء جدار فاصل على الحدود الأمريكية المكسيكية تحت ذريعة إيقاف تدفقات المهاجرين السرييــن المكسيكيين على التراب الأمريكي ، دون الاكتراث بوضع المكسيك كدولة عضو في "اتفاق التبادل الحر الأمريكي الشمالي" الذي يضم كندا فضلا عن الولايات المتحدة الأمريكيـــة ، والقرار الارتجالي الرامي إلى منع مواطني بعض الدول الإسلامية من الدخول إلى الأراضـي الأمريكية ، مرورا بإعطائه لأمر تنسحب بموجبه الولايات المتحدة الأمريكية من "اتفاقية الشراكة التجارية عبر المحيط الهادي" ، ثم قـرار الانسحاب من ميثاق الأمم المتحدة العالمي للهجرة الذي أقرته المنظمة الدولية السنة الماضية (2016) تحت اسم "إعلان نيويورك" بهدف تحسين ظروف اللاجئين والمهاجرين وضمان حصولهم على التعلم والوظائف ، يضــاف إلى هذه القرارات الفاقدة للبوصلة ،قرار الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ التي تم التوقيع عليها في عهد الرئيس السابق باراك أوباما ، وكذا قرار الانسحاب من المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) والذي سيدخل حيز التنفيذ في 31 دجنبر من السنة الجارية، تحت ذريعة التمييز ضد إسرائيل ، يضاف إلى ذلك سياسات الولايات المتحدة الأمريكية وتدخلاتها العسكرية في الشرق الأوسط خاصة في العراق وسوريا والتي لم تجلب إلا الدمار وعدم الاستقرار والفوضى"الخلاقة" مقابل دعم شامل لسياسة إسرائيل في المنطقة على حساب حقوق الشعب الفلسطيني ، وقد بلغت قراراته منتهاهـــا من خلال اتخاذ قـــرار الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي ، ونقل سفــارة أمريكا إليهــا ، ممـــا شكل نسفـــا لعملية الســـــلام الراكد منذ سنــــوات وضربا لحقوق الشعب الفلسطيني المحتل ، واستهتــارا بمشاعــر ما يزيد عن المليـــار مسلم عبر العالــــم ، بل أكثر من ذلك سوف تكشــــــف مرة أخرى دعمها المطلق لإسرائـيل ، حيث عملت "أمريكا/ ترامب" على استعمال حق النقض (الفيتو) الذي أسقط مشروع قرار حول القدس تقدمت به مصر نيابة عن المجموعة العربية يوم الإثنين الماضي (18/12/2017) ، علمــا أن القرار لقــي دعم أربعة عشر عضوا من أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر، مما يؤكـــد أن المنتظم الدولي رافــض لأية قرارات غير مسؤولة راميــة إلــى تغييـــر وضعية القــــــدس أو التأثيــر بشكل سلبي على مستقبل الســــلام في الشرق الأوسط أو على التسوية الشاملة والعادلة للقضيــــة الفلسطينيـــــة ، وعليه فالقرارات "الترامبية" المثيرة للجدل ، خاصة فيما يتعلق بتلك المتعلقة بالانسحاب من بعض المنظمات الدولية والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل واستعمال سلاح "الفيتو" ضد مشروع القرار العربي حول القدس ، ما هي إلا قرارات ارتجالية وغير مسؤولة من شأنها المساس بسمعة ومصداقية الولايات المتحدة الأمريكية على الصعيد العالمي وأن تدخلها في نوع من "العزلة" التي قد تنعكس سلبــا على مكانتها كقوة "عظمى" في ظل الحضور الروسي القوي في الشرق الأوسط وزحف "العملاق" الصيني والتهديد الكوري الشمالي وتنامي أدوار قوى إقليمية فاعلة في المنطقة (تركيا ، إيران )، أما العلاقات مع العالم الإسلامي فلا شك أنهــا ستصاب بالبرودة والفتور ، بعد القرار"الترامبي" الأخير الذي كشف علاقة الحب القائمة بين أمريكا وإسرائيل ، وهذا الحب "الأعمى" أجج ويؤجج الاحتجاجات في الأراضي المحتلة ، وقد يعمــق موجات العداء لأمريكا عبر العالم الذي سيزداد توترا واحتقانا في قادم السنوات ،في ظل وجود شخصية أصبحت والجدل "سيان" إسمها " دونالد ترامب " .. رجل سنة 2017 بامتيــــــــاز ، وحتى لا تكون نقطة النهاية عبارة عن "جمر" و"رمــاد" ،ليــــس أمامنـا إلا أن نزيــح "ترامب" عنـــوة مــن كرسي "رجل السنة" ، ونضع مكانه "حمامة بيضاء" و" غصن زيتــــون" و"رسالة مفتوحـة " إلى شعوب العالم .. إلى الفقراء والمستضعفين واللاجئين والمقهورين والمضطهديــن ... كتب عليها بأحـــــرف بــارزة : سنة حب وسلام وتعايش وتسامح ... سنة سعيدة بنفحــات الإســلام لك أيهـــا " الإنســـــان " وكل عام وأنت بألف خيــــــر ...