محمد المرابط: جولة الزفزافي الأب الأوروبية على محك أولويات الحراك

محمد المرابط: جولة الزفزافي الأب الأوروبية على محك أولويات الحراك محمد المرابط

الإحاطة بالجولة الأوروبية لأحمد الزفزافي يجب وضع مداخلها، ضمن نهج الحراك في الداخل على المراهنة على الخارج، منذ ولادته، فوقع في مصيدته ولا يزال.. والحال أن الأستاذ البوشتاوي رسخها في جولته الأوروبية ماي 2017. كما يجب وضع هذه الجولة ضمن السياق الأوروبي للحراك، في جدلية صراع الديموقراطيين والجمهوريين.

فعلى المستوى الداخلي، تأتي هذه الجولة عقب بيان معتقلي عكاشة مؤخرا، حيث عبر هذا البيان عن اعتزاز المعتقلين "بأهلنا في الريف والمهجر"، وندد بـ "كل محاولات تخوين أهلنا في المهجر ونعتهم بالانفصاليين وما شابه ذلك"، وتوجه "بالنداء إلى الدول الأوروبية "، ومطالبتها "بحث النظام المغربي من أجل رفع حصاره عن الريف".. فكانت جولة الزفزافي الأب في إطار ظلال هذه المعاني، وموصولة -كما أكد- بوصية ناصر لريفيي المهجر بالوحدة.

أما على المستوى الخارجي، فتأتي هذه الجولة، في سياق منعطف وضع الحراك في أوروبا. ذلك أن مسيرة دوسلدورف في 2 دجنبر 2017، وقد دعا إليها يوبا وعزوز وبوجيبار، شكلت نقطة تحول لصالح الجمهوريين. ومع أنه قد تمت المصالحة في الأمسية الفنية عقب هذه المسيرة، بين اللجن المتصارعة على الساحة الألمانية في فرانكفورت ودوسولدورف ودورتموند، قادها الفنان بوجمعة "تواتون"، وباركها الناشط الحقوقي سعيد العمراني، على أن تكون أولى ثمرات هذه المصالحة، تنظيم مسيرة مشتركة في برلين، إلا أن جابر الغديوي (يوبا )، سرعان ما أعلن انقلابه على هذه المصالحة.

إذن تأتي زيارة الزفزافي الأب في هذا السياق، لتحمل يوبا وعزوز على التغني بوصية الزفزافي بالوحدة، لكن بوجبيار سيخرج ليتهمهما بالتهرب من ذلك، وليكشف عن ضعف الحراك. كما خرج يوبا أمغنوج، ليحمل منتسبي حركة 18 شتنبر، أعطاب الحراك بأوروبا وتأثيرها السلبي على ملف المعتقلين. كما خرج سعيد العمراني وسعيد الفار في قناةRifision ، لانتقاد جوانب أخرى في حراك أوروبا.

لقاءات الزفزافي في البرلمان الهولندي، وبعمدة مدينة أرنم، والمفوضية السامية لحقوق الانسان بمقر الأمم المتحدة بجنيف، ومع منظمات حقوقية وحتى ببعض الأحزاب، إلى جانب لقاءات مفتوحة بريفيي المهجر بدنهاخ وبروكسيل وباريس وليون ومونبليي، ولقائه بالكاتب عبد اللطيف اللعبي، كل هذا يظهر أن رافعة هذه الجولة قد ضبطها الديموقراطيون، وبينت قدرتهم على امتلاك مفاتيح الفعل في الدوائر الأوروبية، وفي أوساط المهاجرين، وكذا قدرتهم على عزل جولة الزفزافي عن منعطف مسيرة دوسلدورف. وهذا ما يفتقده الجمهوريون لغياب النخبة المؤثرة في صفوفهم. وهذا فيما يبدو قد استوعبه بوجيبار وهو ينتقد يوبا وعزوز.

لن أقف هنا على تصريحات الزفزافي الأب، بما في ذلك تصريحه لقناة فرانس 24، فبعضها غير مدروس، وألتمس له الأعذار. لكن لا أشاطره رؤيته للزنزانة الانفرادية لناصر. فهذا الأخير لم يحتج على هذا الوضع، لأنه مريح له كخلوة فكرية، ومريح له أيضا في مفاوضات سجانيه معه، بعيدا عن أعين رفاقه. كما لا أشاطره نزوعه لرسم الكرامات لناصر، وهو يستشهد بقوله تعالى "وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون"، في حين أن خروجه من البيت مساء  26 ماي 2017،، وسط حصار القوات العمومية، في أعقاب تعطيله لصلاة الجمعة، يرجع للتخبط المخزني في شأن اعتقاله، في ذلك اليوم.

يكفي هذا الاستدراك على "إعزي أحمد"، لأتمنى عليه، بعض هذا الجهد الذي بذله في الخارج، لو أنه يبذله في الداخل مع نخبة الريف أولا، وقد راهنت من قبل على حكمته المفترضه، وأنا أقاسمه عمق معاناته الإنسانية. فمعادلة صنع قرار إطلاق سراح المعتقلين توجد بؤرتها في الداخل، وليس في الخارج. وكان بإمكانه أن يكون سفيرا للحراك بالخارج، لو أنه امتلك ورقة لرؤية مختلف المبادرات المدنية للحل السياسي لملف الحراك. من هنا أدعوه وباقي عائلات المعتقلين على الأقل، لمواكبة ندوة "الحراك وسؤال الديموقراطية وحقوق الانسان"، بالحسيمة في 13 يناير 2018.

يمكن الوقوف من خلال هذا الرصد لجولة الزفزافي الأب على مفارقة الحراك؛ كيف أنه يراهن في الخارج على النخب والأحزاب والمنظمات، في حين يتجاهل ذلك في الداخل. الآن يجب تركيز الاهتمام على دفع نخبة الريف إلى معترك صياغة مفردات الحل السياسي لملف الحراك. ولا معنى في هذا السياق لاستمرار فعل الشارع خارج التأطير، من منطلق وقع حافر ناصر الزفزافي، على حافر بلال عزوز في التنويه الملغوم بشباب امزورن، لمزيد الاحتقان في الشارع. ولا معنى أيضا في السياق ذاته لنفي بيان المعتقلين عن ريفيي المهجر تهمة "الانفصاليين وما شابه ذلك"، بدون تدقيق، فهذا أمر ينطوي على تدليس. البيان يملك فقط، "صلاحية" نفي ذلك عن حراك الداخل، علما أن مسيرة "لسنا انفصاليين"، كانت واضحة في هذا الباب، لكن "ما شابه ذلك"، يحتاج من البيان إلى بيان.

ويبقى الأمل في التقاء المعتقلين وعائلاتهم ونخبة الريف في جبهة تتمدد وطنيا، لتحصيل العفو الشامل، ومعه ربح الإصلاح السياسي، كما ربحت حركة  20 فبراير الاستحقاق الدستوري. وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم!