عزيز اشيبان :ماذا يعني أن تكون مدرسا ؟

عزيز اشيبان :ماذا يعني أن تكون مدرسا ؟ عزيز اشيبان

يقوم المدرس بدور محوري في حياة المجتمعات لا يدركه إلا أصحاب الألباب الحكيمة. فأي عملية تنمية تنطلق من منظومة التربية وتنتهي إليها، ومنظومة التربية بدورها تتمحور حول المدرس. فهو القائم على صياغتها، تطبيقها، تقييمها وتعديلها، وأي تغييب له يجعل المنظومة عقيمة ومنبع جميع الأزمات الاقتصادية و الاجتماعية.

تستند عملية بناء مجتمع حداثي مثقف حركي منتج على منظومة تعليمية متطورة مواكبة للتحولات المحلية والعالمية. فاكتظاظ السجون وارتفاع معدل الجريمة، انتشار الجهل والأمية، عدم قدرة القطاع الخاص على استيعاب خريجي الجامعات و الجامعات، جمود الحس الوطني وروح المواطنة، عزوف العموم عن السياسة وعدم الاكتراث بمستجداتها، فشل مسار الدمقرطة والتحديث، انفراد فئة معينة بالقرار وتكريسها لنظام اقتصادي إقطاعي يخدم مصالحها الضيقة، انتشار التطرف بجميع أنواعه واستفحاله، كل هذه المظاهر المؤلمة تجد بدورها مواطن انبعاثها في منظومة تعليمية متآكلة وفاشلة.

نتحدث عن صناعة الأجيال في عالم شمولي تنافسي ومبهم الملامح. صناعة الأجيال هاته تنطلق من احتضان المادة الخام وتشكيلها في مختبر التربية الأم قبل المرور غلى التربية النظامية والتربية الغير نظامية. فإذا كانت التربية النظامية عقيمة فكيف سيكون حال التربية الأم التي هي نتاج للتربية النظامية و الأفظع من ذلك كيف سيكون مآل المادة الخام؟

مما سبق ذكره يسمو ويتعالى دور المدرس و تتجلى حساسية وظيفته. فالمجتمعات الراقية تبدي إدراكا جيدا لذلك وتعمل على تمكينه و تهيئته لأداء واجبه على أحسن وجه. بدون مدرس لا يمكن الحديث عن أي مهنة أخرى مهما كبر مقامها عند الأفراد، فمقامه هو الأسمى و الأمجد.

من ناحية أخرى ماذا عن هذا المدرس وما معنى أن تكون مدرسا ! دون شك عبء ثقيل ومسؤولية وازنة تتعب كل ضمير و ترهقه بمجرد التمعن في مخلفات و أبعاد عمله. فالتعامل مع النفس البشرية يبقى في منتهى الصعوبة، من هنا تتضح صعوبة صناعة الإنسان المستقيم المثقف الواع وتهيئته للمستقبل.

تتميز وظيفة المدرس بمجموعة من الخصائص التي تجعلها مختلفة تماما عن الوظائف الأخرى ليس بمتناول الجميع القيام بها أو الإقدام عليها إذ تتطلب مجموعة من الشروط المادية و المعنوية.
من خلال تجربتنا المتواضعة، أقدمنا على صياغة رؤية مقارباتية حول خلفية المدرس ووضعه المثالي بطريقة واقعية و عقلانية،  لخصناها في مجموعة من النقط.

فالمدرس عموما يمثل قدوة و يجسد للقيم التالية ممارسة وفعلا:
- التواضع والمواظبة على البحث المتواصل و الجاد
- تطوير الحس العصامي و تمريره للآخرين
- كبح نزعات الأنانية و الفردانية وحب العطاء في سبيل العطاء دون مكافأة لأن التدريس أخذ و عطاء أخذ من الأجيال السابقة وتمرير المعلومة للأجيال الحالية و القادمة
- إتقان فن التعامل النفسي مع الآخر ومحاولة فهم سيكولوجية المتلقي مع مراعاة مجموعة من الاعتبارات الضمنية التي تختلف من شخص لآخر حسب السن، الوضع الاجتماعي المحيط و تربية الأم
- تطوير حس عال من المسؤولية إلى درجة القلق على مصير المتلقي رغم عدم إدراك هذا الأخير لأهمية ما يقوم به المدرس

- العمل بمضمون النصيحة قبل الإقدام عليها
- التبصر والتنبؤ لردود فعل المتلقي لاستيعاب هفوات التحصيل لديه
- ربط علاقة دفء مع المتلقي يسودها الحب و الاحترام و الجدية في العمل
- عدم المبالغة في قيم الجدية والحزم و إبداء نوع من المرونة الهادفة
- إتقان فن التواصل بجميع شروطه و تقنياته
- عدم إحراج المتلقي أو الاستهزاء بمؤهلاته و تشجيعه على إخراج ما بجعبته من مهارات و قدرات
- إتباع مقاربة التبسيط والتدرج في تمرير المعلومات
- استدامة عملية التحفيز المادي قبل المعنوي
- شخصية منفتحة و قوية، ذو ثقافة موسوعية وغير منزوي على نفسه
- مراكمة مجموعة من التجارب خارج ميدان التدريس