قصة كفاح ملكين لنصرة القدس

قصة كفاح ملكين لنصرة القدس بيت المقدس والراحل الملك الحسن الثاني والملك محمد السادس

عاشت مدينة الرباط، يوم الأحد 10 دجنبر 2017، لحظة فلسطينية بامتياز، تنديدا بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والأمر بنقل سفارة بلاده إليها. بتأمل ما جرى بالعاصمة يتأكد بأن تلك اللحظة كانت حلقة طبيعية ضمن مسارات التفاعل المغربي القومي مع القضية الفلسطينية منذ اندلاع بداية تشكل المجتمع العربي الإسلامي، وخاصة بعد اندلاع الصراع العربي الفلسطيني في الزمن المعاصر. كانت البداية حين اختار الفلسطينيون تسمية حارة من حارات القدس باسم المغاربة، احتفاء بوفد الحجاج المغاربة وعطاءاتهم العلمية والدينية، وهم في الطريق إلى حج بيت الله الحرام بمكة. وأيضا بإسهام هؤلاء الأسلاف في مواجهة الحرب الصليبية التي أنهاها نصرا القائد صلاح الدين الأيوبي. ثم تواصل التفاعل في مغرب الاستقلال إثر زيارة المغفور له الملك محمد الخامس لمدينة القدس سنة 1960، وتلتها العناوين الكبيرة: احتضان المغرب لقمة المؤتمر الإسلامي عقب حادث إحراق المسجد الأقصى سنة 1969،  وترؤس المغرب للجنة القدس في شخص المغفور له الملك الحسن الثاني من  1979 إلى سنة 1999، وفي  شخص محمد السادس الذي واصل رسالة والده منذ ذلك التاريخ إلى اليوم.

التفاعل لم يكن قضية فرد، أو مجتمع مدني، أو فئة اجتماعية محدودة. ولكنه قضية كل الشعب المغربي بمؤسساته الدستورية، وروافده المؤسساتية والشعبية.

ملف هذا العدد يتناول موضوع تفاعل بين المغرب وفلسطين من زاوية العلاقة مع ملوك المغرب بعد الاستقلال.

في سنة 1960 (أربع سنوات فقط على استقلال المغرب) قام المرحوم محمد الخامس بزيارة إلى مدينة القدس رفقة الملك الحسين، حيث تجول في شوارعها وحاراتها، وزار معالمها التاريخية والروحية. لم يكن السياق التاريخي هو نفس سياق فلسطين اليوم. كانت القدس تتمتع بسيادتها كاملة ضمن وضع خاص، بإشراف المملكة الهاشمية الأردنية. ومن ثم كانت زيارة محمد الخامس مندرجة في سياق التفاتة هامة قام بها الملك محمد الخامس إلى الشرق العربي.

في غشت من سنة 1969،  وفي مناخ تأثيرات الهزيمة العربية لشهر يونيو من سنة 1967 أقدم متطرف يهودي، بتآمر من حكام تل أبيب، على إحراق المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين. بعدها بشهرين دعا المرحوم الحسن الثاني إلى قمة إسلامية بالمغرب تأسست إثرها منظمة المؤتمر الإسلامي (منظمة التعاون الإسلامي اليوم).

كان الحسن الثاني بما يتمتع به من كفاءة حوارية، وبمعرفة دقيقة بتعقيدات العلاقات الدولية، وتفاصيل الملف الفلسطيني هو صاحب فكرة تأسيس لجنة القدس التي تشكلت فعلا سنة 1975 بتوصية من مؤتمر وزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي. وقد أسندت إليه رئاسة اللجنة سنة 1979 ضمن أشغال المؤتمر العاشر لنفس المنظمة. وكان من مهامها المعلنة عمل كل شيء من أجل الحفاظ على الذاكرة المشتركة للمدينة المقدسة، ولتراثها الديني والحضاري. كان أيضا من ابتكارات لجنة القدس تأسيس وكالة بيت مال القدس سنة 1998.

كان الحسن الثاني فلسطينيا مثل شعبه. ولذلك آمن بالقدس فكرة وروحا وعقيدة لدرجة أنه أقسم، في القمة الطارئة بالجزائر سنة 1973، بأن يصلي في القدس.

لكن واقع الأنظمة العربية أمرت الرياح بأن تسير بعكس ما تشتهيه سفن العرب والفلسطينيون تحديدا. وكذلك استمرت مواقف الحسن الثاني إلى أن أسلم الروح إلى بارئها لخلفه محمد السادس الذي سينيط به قادة المنتظم الإسلامي نفس مهمة والده: رئاسة لجنة القدس. وهي المهمة التي واصل رعايتها وفاء للوالد ووفاء للمغاربة،  لكن وفاء أساسا للقضية الفلسطينية. علما بان الفترة التي تولى فيها الملك محمد السادس عرش المغرب هي نفس الفترة التي تعقد فيها الصراع العربي الإسلامي-الإسرائيلي، وأفل فيها النظام العربي الرسمي، وازدادت فيها الخصومات العربية  تمزقا وعمقا. وما تلا ذلك من تطورات معقدة داخل الجسم الفلسطيني الذي شهد انقسامات مزقت العرى التنظيمية الفلسطينية، ومعها الجغرافيا السياسية لورثة الراحل ياسر عرفات. ومع ذلك تواصل دور المغرب كراع لفلسطين، وكمحتضن لكل مبادرات السلام المقترحة في اتجاه فك الطوق عن القضية الفلسطينية.

بالرغم من كل ذلك تمسك محمد السادس بمسؤولية رئاسة لجنة القدس، حيث تشهد الوثائق والمعطيات أن المغرب رغم أنه محدود من حيث الإمكانات المالية، والموارد الطبيعية، فهو يتصدر قائمة الدول العربية والإسلامية التي تخصص ميزانية منتظمة لدعم الإعمار في فلسطين، وفي القدس أساسا، وفي مقدمة برامج الدعم الملموسة  قطاعات الإسكان والتعليم والصحة...

مسيرة الأحد الماضي كانت متجاوبة مع نبض المغاربة المتجذر في التاريخ، ومع الحاجة إلى فلسطين: امتداد المغرب القومي والإسلامي.

(تفاصيل أوفى حول موضوع هذا الملف تقرؤونها في العدد الحالي من أسبوعية "الوطن الآن")