رشيد يحياوي: القضية الفلسطينية كل لا يتجزأ

رشيد يحياوي: القضية الفلسطينية كل لا يتجزأ رشيد يحياوي

هل فهمتم الآن لماذا أمعنت أمريكا في إضعاف دول عربية و تقوية  أخر ى؟ لا شك أن مخططاتها كانت ولا تزال تتخذ معنى أعمق من ما كان ولا يزال يطبل له في وسائل الإعلام الغربية المتحكمة، وتلك التابعة لها والمتعبة بالأكاذيب المروجة لسياسات  اكذب اكذب حتى تصدقك الأغلبية الساحقة.

إذا اردنا ان نعلق على قرار نقل سفارة أمريكا إلى القدس فأقل ما يقال عنه هو عدم قانونيته ، وهو بالأحرى يكتسب صبغة سياسية تهدف للهيمنة على السياسة الشرق أوسطية.

ثم إنه لم يأت من فراغ، أي إعلانه لم يكن مفاجئا، باعتبار المقدمات التي سبقته من زيارات لترامب لدول عربية وإعلان عن علاقات واتفاقات وتبادل لزيارات بين إسرائيل وبعض بني عمومتها العربان. الإعلان هو بمثابة تحصيل حاصل و استكمال للانتكاسة العربية. هو نتيجة طبيعية لما يفعله العرب لبعضهم البعض. أولئك العرب الرحل الجاهلون بالثوابت والمتجاهلون لعقائد المسلمين والمفرطون في المقدسات. هو نتيجة للفشل الذريع لتدخل  أمريكا وحلفائها خاصة حليفتها المدللة إسرائيل في سوريا والعراق.

 فبعد أن هزم الجمع على أبواب دمشق والموصل، ولوا الأدبار تجاه فلسطين. بذلك فإن الاتجاه نحو القدس هو فر وليس كر، بمعنى أنه من حيث المضمون تراجع وليس هجوما من طرف أمريكا. فهو محاولة فاشلة لإرضاء إسرائيل المنكسرة الخائبة بعد أن هزم دعشوشها وتحطمت جميع خططها على أسوار بغداد ودمشق.

فكان لزاما من أجل تعويضها عن كل إخفاقاتها أن يتضامن معها الأمريكي ويهديها في عيد بلفورها المائوي، هدية نقل سفارته إلى القدس. لكن الهدية ملغومة ولن تنعم بها ما دامت غير شرعية.

الضغط في سوريا له أهداف في فلسطين. فاعتبروا يا أولي الألباب.

إن تبادل أدوار الامريكي والإسرائيلي والخليجي والتركي اصطدمت بمقاومة الاستراتيجي الروسي والسوري واللبناني.

المعسكر الغربي في تراجع عام خصوصا اقتصاديا وكل من ساهم في خراب سوريا والعراق يعيش أحلك أيامه وأمر أوقاته، فالسعودية مثلا تعرف عجزا ماليا يقدر بـ 202 في السنوات الثلاث الأخيرة، ناهيك عن عدم استقرارها داخليا وخارجيا.

عندما نددنا بالمرتزقة الدواعش في بداية ظهوره المفاجئ، كنا نحذر من تداعيات حجم الخراب المهول الذي يحملونه على الأمة الإسلامية و العربية بل على  العالم كله. وكان البعض يزكي تقدم داعش داخل سوريا والعراق ويصب الزيت على نار الفتنة. وينتشي فرحا لانتصارات أولئك الخوارج الإرهابيين. وكانوا يحاجوننا بأقوال الأمريكي والإسرائيلي. وقتها انبرى أشباه المثقفين والسياسيين إلى العدوان على الشرفاء والتمادي على المقاومين الوطنيين في سوريا والعراق ولبنان وراحوا يزمرون عبر أطراف أبواق الطائفية التي أصمت آذاننا مدة طويلة.

لكن الحقائق تكشفت فيما بعد رويدا رويدا وخفتت أصوات المتفيقهين والمحللين السماعين لقنوات الجزيرة والعربية وغيرها من القنوات، التي لسانها عربي ومنطقها عبري أصيل. هذه القنوات هي  التي أغرقت برامجها بالمأجورين، وسليمان الزبد من المحللين المتحللين فكريا وسياسيا وأخلاقيا والخبراء والمتخصصين والمتقاعدين المقعدين الذين ليس لهم من مصطلح الثقافة وعلم السياسة سوى روتوشات وبقايا الجرائد الهاوية المتأزمة بالأقلام الهاوية الواهية. وهي التي شنت حربا بلا هوادة، وبالوساطة، ضد مقدساتنا بشكل مباشر أو غير مباشر.

إن مقدمات ما سمي بالربيع العربي المزيف وفتنته الخلاقة هي التي أوصلت الصهيوني اليوم ليحتفل بقرار ترامب ووصفه بالتاريخي وينتشي بربيعه العبري المزعوم في القدس.

لكن بعد فشل سياسة الفوضى الخلاقة التي نظرت لها كوندو ليزا رايس بالأمس من داخل مدرجات الجامعات الأمريكية، والتي فشلت في رسم معالم الشرق الأوسط الجديد بفضل المقاومة الوطنية، لا نظن أن ما يقدم عليه ترامب الآن من فوضى وقرارات غير مدروسة سينجح .

ورغم ذلك، فترامب ما كان ليقدم على قراره لو لم يعلم أنه يمكنه ضبط الوضع في المنطقة وامتصاص ردود الفعل الغاضبة. لو لم يجد السجاد العربي مفروشا ومسموحا له المشي عليه لما فعل فعلته وهو غير نادم عليها...

إنه قرار أجمع الكثير على انه متهور ولكنه منسجم مع شخصية ترامب المعروفة بالمقامرات والمغامرات .

الدور يأتي على من يعزفون على أوتار الشعوب المسلمة ويخرجون في كل مناسبة من أجل امتصاص غضب العوام وطمأنتهم. كما هو الشأن بالنسبة لأردوغان الذي هدد بقطع علاقته بإسرائيل، وندد وأزبد في اليوم الأول، ثم تراجع بعد ذلك، فخفف من لهجته وهو يعلم أنه غارق حتى النخاع في المستنقع الغربي:

- فمشاريع الغاز بين تركيا وإسرائيل أكبر عنده من أن يقابلها بالقدس.

- تركيا عضو الناتو منذ 60 سنة وقد جعلت من شمال سوريا قاعدة لهذا الحلف.

 -أراضي تركيا كانت المنطلق الرئيسي للإرهابيين نحو سوريا، وهي الآن تحتل عدة مناطق من سوريا...

هكذا يريد أردوغان أن يخرج من عزلته بعد تورطه في ما سبق مع محور أمريكا ضد محور روسيا المقاوم ويلعب الأحاسيس الناس بإطلاق حفنة تهديدات فارغة من المضامين.

أخيرا نذكر بقوله تعالى،ً "وتلك الأيام نداولها بين الناس". لا نعرف على من سيكون الدور بعد اليوم بعد أن خذل الأمريكي من كانوا حلفائه بالأمس وتنكر لكل المواثيق الدولية والصداقات التي جمعته بهم.

ونؤكد على أن الموقف الحق لا يتجزأ. ونصرة القضية الفلسطينية لا تنفصل عن مساندة كل قضايا الشعوب المظلومة ودعمها والقطع مع المتآمرين عليها.