محمد السعيد مازغ:هل هو الجوع الذي قاد 15 امرأة الى أجلهن المحتوم؟

محمد السعيد مازغ:هل هو الجوع الذي قاد 15 امرأة الى أجلهن المحتوم؟ محمد السعيد مازغ
 
ماتت نساء من مدينة الصويرة بسبب التدافع من اجل الحصول على حفنة قمح، وتمددت اجسادهن المتجمدة كحروف الهجاء المنتصبة داخل مربع الكلمات المتقاطعة،ضرب بعض المتدخلين كفا بكف وراحوا يعدّدون الكوارث والضحايا على امتداد الأزمنة واختلاف الأمكنة،  قتلى بباب سبتة، قتلى في حرب الطرقات، ضحايا هنا وهناك، تعددت الأسباب والموت واحد. 
 بكى بعضنا بحرقة كبيرة وهو يحيلنا على يتامى وأسر مكلومة، وولول آخرون وأزبدوا… حمّلوا المسؤولية للنظام ورجال الدين والسياسة والبيئة، سهام ونبال وقصف وتجريح، تخوين وتزلف واستجداء… وموائد رأي وتحليل للواقعة وأسبابها ونتائجها … بحثا عن المسؤول هل هو الفقر والهشاشة ؟، أم السياسة والسياسيين؟، أم القيم المتدنية والسلوك؟ أم أشياء أخرى لا نعرفها ؟؟؟ 
 في نهاية المطاف،وقبل أن تطفأ شموع المأتم، ننفض ايدينا من الموضوع بأكمله، ندفنه كما دفنا الماضي، ونعود لحياتنا الطبيعية، نلهث وراء الخبز اليومي، نخوض  في لغو المقاهي والحانات، نتتبع باهتمام بالغ و حماسة زائدة عن الحد، أدق تفاصيل جديد كأس العالم في كرة القدم وفرق الصدارة، ونخمن في من سيكون لها شرف حمل لقب ملكة جمال المغرب، او من تمتلك حكمة هز البوط واستمالة عربيد، نستهزئ بعون سلطة مسلوب الارادة، تفقدته الأجهزة فوجدته داخل حدود قمر اصطناعي متقدم في جمع المعلومات وتوظيفها في امور خاصة. ورجل تعليم يعاني من جحيم القسم وغدر تلميذ فاقد السيطرة على تصرفاته، ومجتمع منقسم بين مشفق على الاستاذ وملتمس العذر للتلميذ وناقم على منظومة تعليم مشروخة …..
هل هو الجوع الذي قاد 15 امرأة الى أجلهن المحتوم؟ قد يتفق معي البعض في أن المغرب رغم الفقر والعوز والهشاشة، لم يصل إلى حالة أن يموت الانسان جوعا، فالحمد لله اسواقنا حبلى بنعم الله التي لا تحصى ولا تعد، وكل يعيش حسب مستواه المعيشي، منا من تكلفه مائدة الافطار فقط ما يفوق قيمة مجموع القوت السنوي للآخرين، ومنا من يعتمد على البركاسة في جمع ما عافته الموائد ، ومنا من يجود بأفضل ما لديه من لباس وطعام ، ومنا من يخفي جوعه ويستحيي ان يمد يده الى الغير استجداء، وحتى التاريخ يسجل أن المضربين عن الطعام ” الحقيقيين مكثوا اربعين يوما جوعا قبل ان يفارقوا الحياة، ولا أحد منهم مات في يومه أو خلال اسبوعه الأول.
الفوارق الفردية حاضرة داخل المجتمع لا شك في ذلك ،  والمعاناة مع قساوة الحياة وشظفها لا ينكره سوى الجاحدون. وفي اعتقادي إن المشكل يكمن في التربية أساسا، في القيم التي توارثها آباؤنا وأجدادنا، النابعة من ديننا الحنيف، القائم على احترام الحقوق، أخذا بالحديث النبوي 
“إذا أتى أحدكم مجلسا فليجلس حيث ما انتهى به مجلسه“. فنحن ألفنا الازدحام والتدافع، وعدم احترام حق الآخر، نزدحم في مدخل الأوتوبيس رغم أننا قلة، ولا نجد حرجا في ان نزيح عجوزا او طفلا، أو امرأة حاملا… نزدحم عند الدخول والخروج من الملاعب، ولا نعبأ بالضعيف والمريض ، نزدحم في المطارات وعلى سلالم الطائرات، ونحن في اتجاه الديار المقدسة ، وأمام مصاعد  الفنادق، وخلال اداء المشاعر… التي من المفترض أن تكون القلوب فيها معلقة بذكر الله، وططلب مغفرته، ناسين أو متناسين قول الله تعالى: ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) البقرة /197.
 مشكل آخر لا يقل عن سابقه وهو غياب خلق القناعة، ذلك الخلق العظيم من اخلاق الإسلام، وأدب من آدابه، إذا تخلق به المرء سكن قلبه، وهدأ روعه، واطمأن على رزقه… فلا يؤدي  بتصرفاه الطائشة  الآخرين، وفي الوقت ذاته، لا يلقي بنفسه إلى التهلكة.