ولاية الفقيه بنكيران.. هل انتهى الكلام؟

ولاية الفقيه بنكيران.. هل انتهى الكلام؟ عبد الإله بنكيران

لم يعلن قرار المجلس الوطني للبيجيديين، القاضي بعدم الموافقة على تعديل مدة ولاية الأمين العام، عن جنازة رجل اسمه عبد الإله بنكيران، ولكن كذلك عن نهاية أسلوب في إدارة العمل الحزبي، وفي النظرة الى السياسة والوطن والسيادة.

في هذا الملف رصد لخطوات زعيم انقلابي وبهلوان، اختارته صناديق الاقتراع ليكون باسم الشعب فكان ضد الشعب والوطن.

منذ أن خرج عبد الإله بنكيران إلى السياسة تبين أن تاريخه مشوب بالغموض حتى لا نقول شيئا آخر. كانت البداية من اليسار، ثم تحول إلى الحركة الأصولية.

تبين يومها أن الجينات مهيأة للعب على الحبال، وعلى اغتنام الغنيمة بكل الطرق: «التمسكين» و«التنوعير» و"الدسائس"...

في سنة 2011 انطلق الربيع العربي. وكان من آثاره انطلاق حركة 20 فبراير التي جعلها بنكيران الفرصة للمساومة والابتزاز.

وكان من آثارها كذلك التعديل الواسع للدستور الذي تشكلت على إثره انتخابات بوأته الصدارة.

هنا اللحظة المفصلية. أو لنقل بشكل أدق: اللحظة الدستورية التي كشفت عن مشروعه السياسي، وخطه المذهبي، ووجوهه الانقلابية.

الابتزاز بتبني خطاب مع الحكم وضده.

أولا: بمجرد ما تولى عبد الإله بنكيران مسؤولية الشأن الحكومي حتى قام بأول انقلاب على كتلته الناخبة، وعلى برنامج حزبه الانتخابي حيث سقطت شعارات العدالة الاجتماعية والرفع  من نسبة النمو، ومحاربة الربيع والفساد، وانتصب بدل ذلك برنامج متعدد الأوجه، كان من غاياته طمأنة الدولة بما يفيد بأن «البيجديين» قابلون للترويض، ولا نية لهم في إزعاج أي مركز من مراكز النفود. ومن غاياته أيضا توجيه رسائل إلى المنظمات المالية الدولية تفيد بأن الحكومة قادرة على السير وفق نهج الليبرالية المتوحشة، حيث عبر الرجل عن استعداده للعب دور التلميذ النجيب لصندوق النقد الدولي. وكان نتيجة العمل الحكومي في عهده أن مني المغاربة بأكبر هجمة شرسة على قدرتهم الشرائية، وعلى رواتبهم ومعاشهم وحقوقهم الاجتماعية والسياسية والثقافية...

يكفي فقط أن نذكر منجزات بنكيران بهذا الخصوص.

ـ رفع الدعم عن صندوق المقاصة،

ـ التمديد في سن التقاعد،

ـ محاربة الحق الدستوري في الإضراب،

ـ سلخ كل من سولت له نفسه الاحتجاج على السياسة الاجتماعية، بمن فيهم المعلمين والممرضين والمكفوفين والمتصرفين والتقنيين...

ثانيا: الوجه الانقلابي الثاني تمثل في سعيه إلى التشويش على إمارة المؤمنين عبر التسلل إلى البنية التحتية للحقل الديني: الالتفاف حول أئمة وخطباء المساجد، اختراق الهيئات الإدارية داخل وزارة الأوقاف، وداخل المجلس العلمي الأعلى وفروعه المحلية. إضافة إلى ذلك وجدنا بنكيران مع المذهب السني المالكي، لكنه أيضا مع الوهابيين ومرجعهم ابن تيمية منتج فكر التكفير والتشدد، ومع الإخوان المسلمين وتنظيمهم العالمي. إن قراءة عميقة للخط الفكري والمذهبي للعدالة والتنمية ولفكر وسلوك بنكيران تبين مدى الارتباط العضوي مع تنظيم حسن البنا، بدءا من اعتماد مبدأ التدرج في التنشئة الدينية، ومبدأ المظلومية ومفهوم الدين والسيادة والوطن... ونحن نذكر تعاطفه وحزبه مع ما سمي ضحايا فض تجمع رابعة في مصر وإدانته لعزل محمد مرسي، فيما كان موقف المغرب الرسمي هو مباركة ما يختاره الشعب المصري.

كما تمثل هذا الوجه في التشويش على منطق الحكم عبر الحديث جهارا عن أن المسؤول عن الحكم هو الملك، وليس عبد الإله بنكيران.

وكان المقصود طبعا هو أن يبرئ بنكيران ذمته السياسية عبر توريط المؤسسة الملكية في فشله الذاتي والحزبي والحكومي. وعلى امتداد ولايته الحكومية كان على المغاربة أن يفهموا بأنه يحسب لنفسه كل «منجز» حتى ولو كان صغيرا، ويحسب على المؤسسة الملكية فشل السياسات الكبرى. كان أيضا من الأهداف أنه يلعب دورا مزدوجا. أنه يحكم ويعارض حتى إذا ما انقضت فترة الحكومة، وحل الزمن الانتخابي، يلبس جبة المعارض، خاصة بعد ابتكاره لفكرة التحكم التي كانت الترجمة الموازية لحديثه السابق عن العفاريت والتماسيح.

والحال أن المروءة السياسية كانت تقتضي أن يمارس الرجل صلاحياته الدستورية، وإذا ما تبين له أن هناك من يحاربه يعلن ذلك بكل مسؤولية، ويقدم استقلاليته.

ثالثا:  من المظاهر الانقلابية التشويش على خطط المغرب الاستراتيجية وفق مقاربة مغرقة في الانتهازية والشعبوية. لا يمكن للمغاربة أن ينسوا أبدا كيف تدخل بوقاحة في أحد التجمعات السياسية ليقول: «ما يمكنش يمشي الملك ديالنا باش يفرج كربات بعض الشعوب الإفريقية ونهينو الشعب المغربي»، في حين كان المغرب بصدد كسب نقط إضافية ضد الجزائر داخل المجال الإفريقي، خاصة على خلفية عودتنا إلى الحظيرة الإفريقية، وتضييق المسافات أمام كل إمكانيات تحرك الجزائر، العدو الأول للمغرب.

رابعا:  لم يكف بنكيران هذه المظاهر الانقلابية لكنه مضى إلى الإساءة إلى القيم الرمزية والاجتماعية. ناهض حق الشباب في التعلم والوظيفة، وحق المعلمين والأساتذة في الإضراب كشكل احتجاجي حضاري، وأضاف إلى كل ذلك إساءته إلى المرأة المغربية التي وصفها في خطاب له تحت قبة البرلمان

بأنها الثريا التي تضيئ البيت، مؤكدا بأنه «عندما خرجت النساء بالمغرب إلى العمل انطفأت البيوت»، معلنا بما معناه أن ضحايا خروج المرأة للعمل هم الأطفال. ينضاف إلى ذلك تعمده إهانة المرأة من خلال ممثلاتها في البرلمان، ومن نماذج ذلك حديثه البذيء مرة عن "ديالي كبير...".

أهناك أثر توجه أكثر رجعية وتخلفا من مثل هذا التصور للمرأة وللعمل وللطفل وللمجتمع برمته؟

بهذه العناصر يرتسم البروفيل الغامض لبنكيران الذي عبر عن استعداد غير مسبوق لبيع المغرب والمغاربة للشيطان. الشيطان هنا ذو أذرع أخطبوطية تتخذ مرة صورة مراكز القرار المالية (صندوق النقد الدولي...) ومرة صورة سلفيي القرون الهجرية الأولى، ومرة صورة الإخوان المسلمين...

هنا نخلص إلى الاستنتاج التالي: لقد تأكد بأن بنكيران قد انتهى سياسيا. لكن هل انتهت البنكيرانية كمنهج حكم، وكفكر وسلوك؟ أم أن أشباهه قد ينهضون في أي مرحلة ما دام هناك تقصير كبير من لدن النخب السياسية التقليدية في التعاطي الجدي مع العملية السياسية، وما دام اليسار مصر على أن يتحرك في كل مكان إلا وفق نبض الشعب؟

ذلك هو السؤال الذي سبق أن طرحته «الوطن الآن» في أعدادها السابقة ونبهت إليه الطبقة السياسية. فمنذ تسمية بنكيران «رئيسا للحكومة» استشعرت جريدتنا الخطر الداهم لزعيم البيجيدي على المسلسل الديمقراطي. ونستغل حدث رفع صلاة الجنازة على بنكيران في أشغال المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية لنعيد التذكير ببعض ما نشرته «الوطن الآن» من ملفات سوداء لكابوس تخلص منه المغاربة اسمه بنكيران!!

(تفاصيل أوفى حول هذا الموضوع تقرؤونها في العدد الحالي من أسبوعية "الوطن الآن")