قال عبد الإله بنكيران، الذي يخلط بين منصب رئيس الحكومة ومنصب الأمين العام للعدالة والتنمية، "قلت للملك واخا دخلني للحبس أنا معاك". لسنا ممن يعتقد أن الزعيم الإسلامي يطلق الكلام على عواهنه، بل رغم كثرة كلامه فإنه يحسب كل حرف يقوله، ولا يخرج من فمه إلا الرسائل التي يوزعها على كل الاتجاهات والأصعدة. فماذا أراد أن يقول بكلامه وفي مهرجان حزبي "قلت للملك واخا دخلني للحبس أنا معاك"؟
في هذه العبارة خطورة كبيرة على الدولة الديمقراطية، حيث إن دستور 2011، الذي يعتبر ناسخا لكل الدساتير وثمرة لها، حدد بدقة الصلاحيات لكل مؤسسة بما فيها المؤسسة الملكية، وليس من مهام الملك أن يقوم بدور النيابة العامة في توجيه الاتهام ولا القضاء في إرسال المتهمين للسجن، ولكن قال الدستور إن من صلاحيات الملك العفو العام والخاص.
يا بنكيران، يمكن أن يدخلك القضاء يوما ما إلى السجن، ويمكن أن يدخلك "فمك" إلى الحبس بتهمة السب والقذف أو أي تهمة أخرى، والقضاء وحده يمكن أن يفعل ذلك وليس الملك، لكن من حق الملك دستوريا أن يخرجك من السجن بعفو ملكي.
ويسير المغرب نحو نظام قضائي تستقل فيه النيابة العامة عن وزارة العدل في أفق استقلال شامل للقضاء سواء كان واقفا أو جالسا، حتى لا يبقى بيد الحكومة أمر تحريك الدعوى العمومية ولكن تصبح بيد الوكيل العام.
بنكيران يريد فقط خلط الأوراق، فالملك ليس سجانا، ولما يكتب عنه أحد إما أن يقاضيه عن طريق المحامي أو يسمح له وهو الغالب الأعم، لكن بنكيران يريد الإحالة على العصر السلطاني، حيث كان الحاكم يجلس فوق الكرسي ويعطي الأوامر بإبعاد هذا وحبس الآخر دون محكمة ولا شهود ولا دفاع.
لا يا سيد بنكيران، لقد قطعنا مع كل العهود التي تختزنها في دماغك، والتي أنت مستعد لتنفيذها لو أتيحت لك الفرصة، نحن اليوم في بلد يحكمه دستور، تم اختياره بشكل مختلف من بين كافة الدساتير، حيث لأول مرة يتم إشراك كافة مكونات المجتمع في صياغة الدستور.
وللأسف الشديد بنكيران يعرف قبل غيره كيف تم إنجاز الدستور من خلال مشاركة حزبه. وقال هو بعظمة لسانه إن الكثير من المقترحات يقف خلفها وأنه اعترض على أشياء ولم تدون في الدستور.
إذن روح الدستور هو أن يكتبه الشعب وهو وحده يحدد الصلاحيات، وهو من حدد صلاحيات الملك، وهو من حدد صلاحيات المؤسسات، وهو من حدد صلاحيات الحكومة ورئيسها.
رئيس الحكومة يهرب إلى الأمام بإطلاق "المفرقعات". لأنه لم يستطع تنزيل الدستور كاملا يريد أن يحيل على بلاد ليس فيها دستور وأن الملك فيها يعتقل من يشاء ويدخل من شاء إلى السجن. فالضعف ضعف بنكيران. فهو الذي تباطأ في إخراج القوانين التنظيمية وبالتالي ظل الدستور معلقا في بعض جوانبه ولا يتحمل أحد المسؤولية غيره.