يوسف لهلالي: جدل عنيف بفرنسا بين أنصار "لائكية متطرفة" و"لائكية منفتحة" حول الإسلام

يوسف لهلالي: جدل عنيف بفرنسا بين أنصار "لائكية متطرفة" و"لائكية منفتحة" حول الإسلام يوسف لهلالي

لا يمكن لمتتبع القضايا الفرنسية هذه الأيام تجاهل الجدل العنيف بفرنسا بين أنصار "لائكية متطرفة" و"لائكية منفتحة" حول الإسلام، وهي حرب وصل صداها إلى محاكم الجمهورية،والتي انطبقت شرارتها الأولى بداية هذه السنة بين  الموقع الإخباري "ميديا بارت" الذي يترأسه ايدوي بلينال، مدير تحرير سابق لجريدة لوموند والشهير بالتسريبات والتحقيقات الصحفية، وبين الجريدة الساخرة "شارلي إيبدو" ومديرها ريس حول الإسلام واللائكية، غير أن هذه الحرب رغم عنفها هي ليست جديدة، بل هي قديمة حول تصور الدين، خاصة الدين الإسلامي ومكانته بالجمهورية وتأويل قانون اللائكية لسنة 1904 لفصل الدين عن الدولة. وحول هذه القضية، وهي قضية قسمت  فرنسا بين الذين يرون أن هذا الفصل هو حرب بين الدين والدولة، وبين من يرى أن اللائكية هي فصل الدين عن الدولة، الذي يجعل منها حامية لكل الممارسات العقائدية كيفما كانت ولمعتقدات المواطنين بصفة عامة.

خلفية هذه الحرب الجديدة هي قضية التحرش الجنسي المتهم فيها المفكر الديني السويسري من أصل مصري طارق رمضان، وتناولت "شارلي إيبدو" هذه القضية في عددها لبداية شهر نوفمبر، برسم كاريكاتيري ساخر "خدش مشاعر مسلمي فرنسا"،وهو ما جعل ايدوي بلينال يتهم شارل إيبدو "باستهداف مسلمي فرنسا" بروسومات معادية لهم، وأن الصحيفة "تأخذ حربا على المسلمين" بمجموعة من الصحفيين ينتمون إلى اليسار المتطرف. وردت الصحيفة الساخرة على ذلك بنشر افتتاحية ساخرة ضد ايدوي بلينال وهو "مكبل الفم والأذنين والعينين" بعد أن صرح أنه لم يكن يعرف أية أخبار عن قضايا التحرش الجنسي التي تلاحق طارق رمضان. واستندت الصحيفة في اتهامها الى تصريحات ايمانيل فالس الذي تحدث عن "التواطؤ" ما بين الموقع الاخباري والمفكر المختص في الفكر الإسلامي. نفس الاتهامات وجهتها الصحفية والكاتبة كارولين فوريس المعروفة بعدائها لطارق رمضان.

ومازالت صحيفة شارلي ايبدو تنشر رسومات ساخرة حول الإسلام آخرها ربطها بين اعتداءات برشلونة والإسلام، وقال مسؤولي الصحيفة أنهم تلقوا تهديدات بالقتل بعد نشرهم لملف حول طارق رمضان. وهو ما جعل القضاء الفرنسي يفتح تحقيقا في هذا المجال.

هذه الحرب بين ايدوي بلانيل و ايريس انتقلت إلى باقي الحقل الثقافي والسياسي، وكانت فرصة لأنصار التطرف اللائكي ومعاداة الاسلام وعلى رأسهم الوزير الأول السابق ايمانييل فالس، الذي غادر الحزب الاشتراكي وأصبح يبحث عن منبر لتواجد في الساحة الإعلامية والسياسية. وهو ما أتاحه له الدفاع عن موقف متشدد للائكية وهو موقف يقتسمه مع  تيارات الهوياتية التي توجد في أقصى يمين المشهد السياسي بفرنسا والتي التحق بها بعض مناضلي اليسار في السنوات الأخيرة. وأغلبهم من الذين تعرضوا للفشل في مسارهم السياسي، واكتشفوا أن معاداة الإسلام ربما هي المنفذ للعودة إلى الواجهة الإعلامية والواجهة السياسية.

في 8 من نوفمبر صرح ايدوي بلانيل على فرانس أنفو أن "فالس ومجموعته يبحثون عن أي سبب من أجل العودة إلى شغلهم الشاغل وهو الحرب على المسلمين"، رد ايمانييل فالس لم يتأخر ودهب بعيدا في اتهاماته ضد ميديا بار في تصريح على أحد الإذاعات "ارام سي " و"اتهم ايدوي بلينال ومجموعته" "بشركاء الفكر" مع الإرهاب، وأنهم يستعملون كلمات مثل تنظيم "داعش" ويضيف في مختلف تدخلاته الصحفية أن"هذا اليسار يقوم بإعطاء الشرعية للإسلام السياسي الذي يمثل خطرا حقيقيا"، ويقصد بهذا التعبير ايدوي بلنيال ومجوعة من المفكرين الكبار مثل ايدغار موران، باسكار بونيفاس وهم جميعهم يدعون إلى لائكية متوازنة تحترم مختلف المعتقدات. وهو ما يجعل تيار الهوياتبة مثل فنيكل كروت وايرك زمور يعتبرهم شركاء لهذا اليسار الذي يطلقون عليه "يسار إسلاموي".

قضية اللائكية والإسلام أصبحت موضوعا يقسم الحقل الثقافي والسياسي في فرنسا بين جهتيتن متناقضتين، بين جهة تعتبر الإسلام مثل المسيحية واليهودية، وهو جزء من مكونات الجمهورية وتعددها لكن هناك أطراف تعتبر الإسلام يتناقض مع فرنسا المسيحية ولا يمكنه أن يندمج في منطومتها اللائكية. وهذا الرأي لم يعد يقتصر على جزء من اليمين وأقصى اليمين والتيارات الهوياتية المرتبطة به، بل انتقل إلى جزء من المحسوبين على اليسار وذلك مند النقاش الذي أطلقه ساركوزي حول الهوية الفرنسية، والذي قاده الاشتراكي السابق ووزير الهوية ايريك بيسون، وأصبح اليوم الوزير الأول السابق والاشتراكي السابق ايمانييل فالس هو من يتزعم هذا التيار.