محمد أديب السلاوي:عندما تغيب قيم ومفاهيم التنمية الثقافية عن السياسات الحكومية

محمد أديب السلاوي:عندما تغيب قيم ومفاهيم التنمية الثقافية عن السياسات الحكومية

-1-

كان المواطن ولا يزال، هو أداة وغاية التنمية في كل زمان ومكان، فالتنمية، تعني في قواميس اللغة، تنمية وتوسيع الخيارات المتاحة أمام المواطن، باعتباره جوهر التنمية و هدفها الأسمى. يعني ذلك بوضوح أن التنمية، هي النماء والزيادة و الإكثار من سبل وأدوات المعرفة.

في الفكر الحديث، التنمية هي العلم حين يصبح ثقافة، والثقافة هي اللغة و العادات و التقاليد و التراث و المعتقدات، والفنون، هي تأطير التفكير والسلوك الإنساني الواعي، لتصبح الثقافة عملية تنموية، ولا يمكن أن يحدث ذلك خارج شروطه الموضوعية، وأهمها فتح المجال أمام الأجيال الشابة لتنمية ثقافتها ولتجعل من التنمية الثقافية قاعدة أساسية في حياتها.

لأجل ذلك أصبح وضع الثقافة في عالم اليوم، يشكل في صميم سياسة التنمية استثمارا أساسيا في مستقبل العالم، وشرطا مسبقا لعمليات عولمة ناجحة، تأخذ بعين الاعتبار، مبادئ التنوع الثقافي.

                                                          -2-

السؤال : كيف لنا في المغرب الراهن أن نتحدث عن التنمية الثقافية، في غياب قيم ومفاهيم هذه التنمية في السياسات الحكومية، وفي مكونات المجتمع المدني، وفي الخطط التنموية للجماعات المحلية و المجالس الجماعية وغيرها...؟

والسؤال الأساسي و المركزي في هذه الإشكالية : من المسؤول عن إخراج التنمية الثقافية من قوامسها اللغوية، لتصبح فعلا متحركا على ارض الواقع...؟

هل وزارة الثقافة وحدها المسؤولة عن ذلك ؟ أم أن السياسة الحكومية برمتها هي المسؤولة عن  وضع التنمية عموما، والتنمية الثقافية خاصة على ارض الواقع...؟

وتشخيصا لحالة الغياب القائمة للتنمية الثقافية، وقيمها ومفاهيمها في السياسات الحكومية، يمكننا ملامستها في : عزوف الشباب بالعالم الحضري، كما في العالم القروي عن استهلاك المواد الثقافية، من كتب و مجلات وجرائد وبحث ثقافي / في غياب دور العرض الثقافي التي تستجيب للمواصفات الثقافية / غياب دور المسرح بمواصفات عالية / غياب القاعات الخاصة باللقاءات الثقافية التي تستجيب للشروط المعمول بها وطنيا ودوليا والتي تستجيب أيضا للتطلعات المستقبلية لمغرب الألفية الثالثة / غياب دور العرض التشكيلي / عدم توفر مكتبات كبرى، بها مراكز بحث للطلبة الباحثين/ غياب مهرجانات ثقافية تستجيب لتطلعات الشباب / غياب مراكز ثقافية للغات الأجنبية / غياب ملتقيات وطنية ودولية لفائدة الشباب / غياب مركبات ثقافية متعددة الاختصاصات،تستجيب للمواصفات الدولية المعمول بها في التكوين المسرحي، وفي التربية الموسيقية و الرقص/ غياب مركبات ثقافية خاصة بالأطفال/ غياب مراصد ثقافية جهوية للشباب، تهتم بالإعلام و التواصل و التنسيق و التوجيه الثقافي/ غياب مجالس استشارية للشباب بالجهات تمكن الشباب من تتبع مجرى الأحداث السياسية و الثقافية و الاجتماعية على مستوى كل جهة، من اجل تشكيل قوة اقتراحية في مجالات التنمية المختلفة/ غياب ملتقيات وطنية للشباب، يكون الهدف منها إظهار قدراته وكفاءاته في العمل التنموي، كما في العمل السياسي.

والسؤال الآخر: كيف لشبابنا أن ينخرط في الفعل الثقافي، أو يندمج في فعالياته إن وجدت، في غياب كل هذه الأدوات...كيف له أن ينخرط في الفعل الثقافي عامة، و هو يعاني من البطالة / من ضعف خدمات مراكز التوجيه المتوفرة / من ضعف سياسة إعادة التكوين و الإدماج بالنسبة للمنقطعين عن الدراسة / من عدم كفاية مراكز التكوين المهني/ من ضعف تكوين الشباب حاملي أفكار المشاريع.../ كما يعاني من فشل السياسات الحكومية المتعاقبة، في التشغيل و التعليم و التكوين مما جعل / يجعل شبابنا في نهاية المطاف، بعيدا عن تطلعاته و طموحاته، خارج أهداف " التنمية الثقافية " و بعيدا عنها.

-3-

إذن كيف لنا أن نحقق على أرضنا التنمية الثقافية المنشودة، في غياب شروطها الموضوعية ؟

التنمية الثقافية في ارض الله الواسعة، لا تسعى فقط لرفع مستوى الثقافة في المجتمع وترقية المواطن وتطوير تفاعلاته المجتمعية بين أطراف المجتمع، ولكنها أبعد من ذلك تسعى إلى الرفع من المستوى المعيشي للمواطن الفرد، ولمجموع السكان، فهي كما تسعى إلى الرفع من المستوى الثقافي، تسعى إلى تحقيق الدخل القومي، وإحداث تغييرات جذرية في المجتمع بهدف إكسابه القدرة على النماء و التطور الذاتي المستمر، ليصبح قادرا على الاستجابة للحاجات الأساسية و الحاجات المتزايدة لأعضائه، إذا ما توفرت شروطها الموضوعية

التنمية الثقافية في نهاية المطاف، هي العصب الأساسي لعملية التنمية البشرية التي تفترض و تتطلب استثمار العناصر البشرية، وتنمية العلوم و المعارف العملية والنظرية، و القدرات والمهارات التقنية و التطبيقية، وصولا إلى الإبداع في كل مجال من مجالات التنمية الشاملة.

هكذا ارتبط مفهوم التنمية الثقافية في عصرنا الحديث، بالعديد من الحقول المعرفية، ليحتل في الدراسات الأكاديمية، كما في الإعلام و العلوم الاجتماعية والسياسية، مساحة واسعة، ترتبط أساسا بالفاعلية الاقتصادية/ السياسية/ الثقافية، في الدول النامية،كما في الدول التي هي في طريق النمو.

في غياب شروط " التنمية الثقافية " عن البنية المغربية، يضع السؤال المحير نفسه : متى يبلغ المغرب مجتمع المعرفة ؟ متى يصل إلى تحقيق اقتصاديات المعرفة..؟ وكيف له أن يحقق ذلك في غياب الصناعات الثقافية القائمة على المعرفة ؟ وما هو دور التعليم العالي و البحث العلمي في بناء مفاهيم التنمية الثقافية...؟ وفي بناء اقتصاد المعرفة؟ وما هو الحجم المطلوب لهذا الاقتصاد لحركة التأليف و النشر، ولحركة الإبداع السينمائي و الدرامي و الموسيقي ؟

نضع هذه الأسئلة على الذين يهمهم الأمر في بلادنا، ونقول لهم بوضوح وصراحة ، إن الثقافةالتي يجعلونها " خضرة فوق طعام" هي المفتاح السحري و الدواء الناجع و الحل الأمثل لكل أمراض التخلف، ولكل عوائق التنمية، فماذا يمكن أن يحدث على أرضنا، عندما تغيب مفاهيم وقيم التنمية الثقافية، وما يرتبط بها من أساسات اقتصاد المعرفة ؟

نضع السؤال كالعادة، ولا ننتظر الجواب من أي أحد...